أمهاتنا يستحقن ألف تحية في عيد الأم

بقلم: راسم عبيدات

في عيد الأم لا بد لي من أوجه تحياتي أولاً لوالدتي صبحة الصبوحة،تلك الوالدة التي أضحت الآن عاجزة حيث أقعدها المرض،ولكنها كانت مناضلة حقيقية،حيث كانت تكد وتكدح من اجل تربيتنا وإطعامنا وتدبر امورنا وتعليمنا كعشرة افواه خمسة ذكور وخمسة وإناث،وزوج عامل بسيط،يكدح ويستغل من أرباب العمل من بزوغ الفجر وحتى ما بعد غياب الشمس،بدون أية حقوق او قوانين عمالية او حكومية تحميه وتحمي غيره من العمال من هذا الإستغلال البشع،وخصوصاً انه لسنوات طويلة ولمعتقداته الناصرية التي امن بها كان يرفض العمل عند المحتل.
امنا كانت تتنقل من بوابة سجن لآخر عندما كنا انا وأشقائي في السجون،كانت تاتي لزيارتنا في السجن،ولم يكن هناك وسائل اتصال....وليخبرها السجان بأن ابنك او ابناءك تم نقلهم لسجن آخر ولتعيد الكرة من جديد،ونفس الجواب تم نقلهم لمعتقل آخر،دورة من العذاب والذل لا يمتهنها سوى الإحتلال،وليست أمي هي الإستثناء فالكثير من امهات أسرانا وزوجاتهم وبناتهم عانين نفس معاناتها،بل واكثر حتى ان البعض منهن كان الإحتلال يشكك في امومتهن لأبنائهن بسبب ما يكتب في الوثيقة الشخصية"الهوية" من معلومات متضاربة،او لمجرد التنغيص والتنكيد، إحتلال يريد ان يكسر إرادة شعبنا وان يذل أمهاتنا ويهزم عزيمتنا،ولكن أمهاتنا الفلسطينيات ككل يستحقين كل النياشين والألقاب والأوسمة،فمنهن والدة الشهيد او الأسير او الجريح،ومنهن من تقبع خلف القضبان،ومنهن من تكدح ليل نهار وتتعرض لأبشع استغلال من البرجوازية المحلية او المحتلين من أجل تأمين لقمة العيش لأطفالها لكي يعيشوا بكرامة وعزة،ومنهن من صانت عرضها وبقيت صابرة على طفلها او اطفالها بعد رحيل زوجها،تناضل وتشقى وتتعرض لكل انواع الذل والإضطهاد لكي تحسن تربية أطفالها،ومنهن من رحلن وهن يمنين النفس ان تتكحل عيونهن برؤية أبنائهن محررين من الأسر...ومنهن من تشارك في كل معارك ونضالات شعبنا... فمثل هؤلاء النساء هن من يستحقن التكريم والأوسمة والنياشين، لا من نالوها زوراً وبهتاناً،وليس عن شرف او جدارة وإستحقاق،كحال العديد من النسوة والأمهات اللواتي يجري تكريمهن إستناداً للعلاقة الشخصية والمعرفة والمصالح.
في عيد الأم انا واثق بان الكثير من امهات شعبنا ،لسنا منشغلات بالإحتفال والإستقبال،فلكل واحدة منها همومها،فهناك من تترقب على نار،هل سيلتزم الإحتلال بتعهداته؟؟،ويطلق سراح الدفعة الرابعة من الأسرى،من اجل رؤية أبنائهن الذين مضى على الواحد منهم في الأسر ربع قرن وما فوق،فتلك فرحتهن الحقيقية وعيدهن،عيد رؤية أبنائهن وإحتضانهم ودموع الفرح تتساقط من عيونهن،فمن بقي حياً منهن أصبحن طاعنات في السن،ويتذكرن امهات رفاق واخوة أبنائهن وصديقاتهن،اللواتي غادرنا هذه الدنيا،دون ان تقر وتتكحل عيونهن برية أبنائهن.
في العيد الأم ماذا سنقول لأم الشهيد الذي روى بدمائه الزكية ثرى الوطن من اجل ان يصنع فجراً وحرية لشعبنا،وطناً يعيش فيه أبناء شعبنا بحرية وكرامة،وهي ترى ما يحدث بين اخوة ورفاق السلاح والنضال،حيث الإنقسام يستمر ويتعزز والخلافات الداخلية ليس بين أبناء الفصائل فقط،بل وبين أبناء الفصيل الواحد،إنقسامات وخلافات تضع المصالح الفئوية والحزبية والخاصة فوق المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني،وبما يهدد المشروع الوطني بالتبدد والتفكك وضياع القضية؟؟.
ماذا سنقول لأبناء حركتنا الأسيرة،المتخندقين في المواقع الأمامية للنضال؟؟،وماذا ستحمل لهم امهاتهم من رسائل على الزيارة،هل سيقلن لهم أفنيت اعماركم وزهرات شبابكم،من أجل خدمة مصالح خاصة لجماعات تتقاتل وتتصارع على السلطة والمصالح والنفوذ؟؟أم سيحاولن بث الأمل فيهم قدر الإمكان،مع إدراكهن بأن تلك الكلمات والعبارت،لن تساهم كثيراً في رفع روحهم المعنوية،فهم رغم تضحياتهم ونضالاتهم وصمودهم ،باتوا يشعرون بأن مشروعنا الوطني في خطر،وانه بحاجة الى ثورة في الثورة،ثورة تعيد تجليس الهرم على قاعدته بدل رأسه.
امهاتنا نحن الفلسطينيين يختلفن عن كل امهات هذه الأرض،ليس من منطلقات عنصرية او إستعلائية،بل لأنهن لم يعرفن طعم الفرح،فهن يسرقن لحظات الفرح سرقة،حيث الإحتلال كل يوم ينغص عليهن فرحتهن،كيف ستفرح او تحتفل ام بعيد ام أتى جند الإحتلال ومخابراته ومستعربيه في ساعات الفجر الأولى مدججين بأسلحتهم ومقنعين،ترافقهم كلابهم البوليسية،من اجل ان يقتحموا بيتها ويعيثوا الخراب والدمار في كل ركن من اركانه،ويبثون الرعب في قلوب أطفاله وساكنيه،ومن ثم يعتقلوا طفلها بعمر الورود،ولربما يضربونه أمامها؟؟.
كيف ستحتفل او تفرح ام عاد إليها إبنها في كفن من المعتقل،وهي كانت تعيش على امل ان يعود إليها سليماً معافياً،لكي تفرح وترفع رأسها به..؟ فرقم الأسرى الذين يعودون في اكفان من أبناء شعبنا جاوز ال(204) أسير،بسبب سياسات الإهمال الطبي والتعذيب والتصفيات الجسدية.
الأم الفلسطينية كانت وستبقى حامية الحلم الفلسطيني،وشريكة في مشروعنا الوطني،تكد وتكدح وتناضل وتعمل في كل المجالات والميادين،تراها في الحقل تزرع وتقلع،في البيت تربي وتعلم وتخرج اجيال،في العمل تناضل من اجل تامين قوتها وقوت اطفالها،في العمل الوطني والشعبي،في المسيرات والمظاهرات نصرة لقضايا اسرانا،ولحماية ثوابتنا ومشروعنا الوطني،في مظاهرات ومسيرات الدفاع عن الأرض،وكذلك في حماية والدفاع عن اقصانا المهدد بالتقسيم الزماني والمكاني من قبل زعران الإحتلال ومستوطنيه.
رغم كل ذلك من حق امنا الفلسطينية،أن تفرح وان تحتفل بعيد الأم،فهي الأحق بهذا الإحتفال،فهي من يدفع الثمن أضعاف اضعاف،ما تدفعه اي ام اخرى في العالم،فتكريم الأمهات الفلسطينيات واجب وحق علينا،كما هو واجب وحق علينا تكريم شهدائنا واسرانا ومناضلينا وعائلاتهم.
في عيد الأم علينا جميعاً،ان نتوحد في سبيل حماية والدفاع عن امنا جميعاً،امنا فلسطين علينا ان نصونها في حدقات عيوننا،علينا ان لا نسمح لخلافتنا وإنقسامنا بأن تضيع منا امنا،او تصيب منها مقتلاً،حينها سنصبح كلنا شركاء في الضياع والقتل،وسنبكي مثل بكاء الخليفة الأموي عبد الرحمن الداخل،عندما بكى بكاء النساء بعد ضياع الأندلس،أمنا يجب ان تكون هي بوصلتنا جميعاً،نختلف في كيفية وطرق حمايتها،ولكن لا نختلف عليها،فامنا فلسطين حدودها التاريخية معروفة لنا جميعاً.
اما امهاتنا بنات فلسطين وحارسات حلمها،فعلينا ان نجلهن ونحترمهن،وأن نقيم لهن التماثيل وأقواس النصر،وان نصونهن أيضاً بحدقات عيوننا،فهن من نعتز ونفخر بهن دائماً،فهن صانعات الرجال والأبطال،رجال فلسطين وحماتها،منهم الشهيد ومنهم من ينتظر،ومنهم الأسيروالجريح،ومنهم المناضل والعامل والفلاح والمثقف والمتعلم والقائد الوطني والسياسي وغيرهم،هؤلاء هم رجال فلسطين الذين انجبتهم امهاتنا،فمثل هؤلاء الأمهات،من يستحقن النياشين والأوسمة عن جدارة وإستحقاق،والأم التي كرمتها الأديان السماوية وقدمها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام في الرعاية والتكريم والمحبة على الرجل ،أن ننحني لها إجلالاً واحتراماً وتقدرياً ومحبة.

القدس المحتلة – فلسطين
21/3/2014
0524533879
[email protected]