وصلت إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة أول أمس (الأربعاء) لجنة تقصي الحقائق التي شكلها البرلمان الأوروبي في شهر شباط/فبراير من العام 2013 لتفقد أوضاع الأسرى في السجون والمعتقلات الإسرائيلية في أعقاب استشهاد الأسير الفلسطيني "عرفات جرادات" جراء التعذيب في أقبية التحقيق في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
والتقت اللجنة بالعديد من الشخصيات السياسية والحقوقية وعدد من الأسرى المحررين وممثلي المؤسسات الرسمية والدولية، ومن بينهم السيد عيسى قراقع وزير الأسرى والمحررين، واستمعوا باهتمام لأقوالهم وشهاداتهم حول الأوضاع المأساوية التي يعيشها الأسرى والمعتقلين بفئاتهم المختلفة وشرائحهم الاجتماعية المتعددة وما يتعرضون له في السجون والمعتقلات الإسرائيلية من انتهاكات وجرائم لا حدود لها ويصعب حصرها.
وكان من المفترض أن تزور اللجنة مجموعة من السجون والمعتقلات الإسرائيلية، وتطّلع عن كثب على حقيقة الأوضاع فيها، وما يحدث خلف أبوابها الحديدية المغلقة، وتلتقي بعدد من ممثلي الأسرى، وأن تزور ما يُسمى مستشفى الرملة وتلتقي ببعض الأسرى المرضى هناك، ولكن إسرائيل وكعادتها رفضت استقبال اللجنة الدولية المحايدة، وأصرّت على إبقاء أبواب سجونها ومعتقلاتها موصدة في وجوه أعضائها، بل وأحكمت إغلاقها أمام كاميراتهم، ومنعتهم حتى مجرد الاقتراب منها أو تصوير جدارها الشاهقة.
ووضعت الحواجز العسكرية والأسمنتية كي لا يصل إلى آذانهم صوت الأسرى المقهورين، وأنين المرضى وصرخات آلامهم ومن يحتضرون منهم في غياهب السجون.
وبالرغم من ذلك أرى بأن تشكيل اللجنة من قبل البرلمان الأوروبي هو أمر في غاية الأهمية، وزيارتها للأراضي الفلسطينية المحتلة، وان كانت متأخرة، تُعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، تستوجب استثمارها والبناء عليها.
ولكن يجب أن لا نقبل بالاكتفاء لمجرد حضورها، فهي لم تغير في الواقع شيئاً، وتقريرها الذي سيصدر بعد انتهاء زيارتها اليوم سيبقى حبراً على ورق ولن يدفع إسرائيل لتغيير معاملتها مع الأسرى، ما لم نتحرك بثقلنا وبشكل فاعل وضاغط على الاتحاد الأوروبي للاستمرار في دعمه ومساندته لحقوق الإنسان الفلسطيني ودفعه لطلب عقد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة حول الأسرى تقود إلى تشكيل لجنة دولية تحت رعاية الأمم المتحدة وإلزام إسرائيل على السماح لها بدخول السجون والالتقاء بالأسرى هناك لرد الاعتبار لمكانته أولاً ، وانتصاراً للأسرى وحقوق الإنسان ثانية.
فيما أن بقاء إصرار إسرائيل على إغلاق أبواب سجونها وخشيتها من فتحها، وإصرارها على عدم السماح لأفراد البعثات واللجان الدولية من الدخول إليها، إنما يشكل تحدياً واضحاً وسافراً للمجتمع الدولي ولدول الاتحاد الأوروبي، مما يضعهم أمام المحك في رد الاعتبار لمكانتهم وهيبتهم وفي تحمل مسؤولياتهم الأخلاقية والإنسانية أمام الانتهاكات الفظة والجسيمة لحقوق الإنسان الفلسطيني الأسير في السجون والمعتقلات الإسرائيلية.
ومن ناحية أخرى فإن هذا يضع إسرائيل دائما وأبداً في قفص الاتهام وإخفاء الحقائق في كل ما له علاقة بالشبهات والاتهامات ذات الصلة بالانتهاكات والجرائم التي تضمنتها الشهادات وتناقلتها الألسن ووسائل الإعلام المحلية والدولية بما في ذلك اتهامها بسرقة أعضاء الشهداء وحق الأسرى بحقن مسرطنة قبل الإفراج عنهم بفترات وجيزة، وتبقى كل الاحتمالات واردة الحدوث ما لم تتخلى إسرائيل عن تعنتها ، وتتوقف عن ممارساتها ضد الإنسانية، وتغير سلوكها وتعاملها مع هذه القضية واللجان الدولية المحايدة.
وفي الختام أعتقد انه كان بإمكاننا، ولا يزال بمقدورنا، إحداث التغيير المأمول في الموقف الدولي وتأثيره، إذا أجدنا استخدام الآليات الإقليمية والدولية لحماية حقوق الإنسان، واستثمار حضورنا السياسي في المحافل الدولية وفي العالم أجمع، مما سيساعد في الضغط على إسرائيل لتغيير سلوكها ومعاملتها للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجونها ومعتقلاتها.
عبد الناصر فروانة
أسير محرر، كاتب ومختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين
عضو اللجنة المكلفة بمتابعة شؤون الوزارة بقطاع غزة