تنفس العدو الصهيوني الصعداء عندما تمكنت فرقة كوماندوز خاصة، بتنفيذ عملية دهم مفاجئة لمنزلٍ في مخيم جنين، كان نتيجتها اغتيال الناشط القسامي حمزة أبو الهيجا، وهو واحدٌ من عشرات النشطاء الفلسطينيين المطلوبين في الضفة الغربية، وخلال انسحاب الجنود الإسرائيليين من المخيم، أُستشهد فلسطينيان آخران، أحدهما محمود أبو زينة الذي ينتمي إلى حركة فتح، والآخر يزن جبارين المعروف بانتمائه إلى حركة الجهاد الإسلامي.
أبدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي ارتياحها لنجاح العملية، إذ أنها تنظر بقلقٍ شديدٍ إلى ما يجري في الضفة الغربية عموماً، وفي مخيم جنين على وجه الخصوص المشهود له بالمقاومة الشرسة، والصبر العنيد، وترى أن المخيم مهيأ للقيام بعملياتٍ عسكرية في عمق كيانه، وأن الكثير من المطلوبين لأجهزتها الأمنية، يقيمون داخله، ويخططون لتنفيذ عملياتٍ خطيرة ضد أهدافٍ إسرائيلية، ووصفت المخيم بأنه بؤرة إرهاب، وأنه قد يفجر أعمال عنفٍ جديدة في الضفة الغربية، قد تمهد لاندلاعِ انتفاضةٍ جديدة، التي من شأنها أن تضر بأمن الكيان، وتشوه صورته.
ولهذا فهي ترى أن عملية الاغتيال تأتي ضمن السياسة الأمنية الاستباقية، التي تحصن أمنه، وتحبط أي مخططات عسكرية ضده، وقد نفذت ضمن الأنشطة الاعتيادية للجيش والأجهزة الأمنية، وترى أن من شأن هذه العمليات في حال نجاحها أن تضعف المقاومة، وأن تحد دون المزيد من عملياتها، نظراً لحالة الشك والإحباط التي قد تسود عناصرها، والعاملين فيها، نتيجة الفشل المتكرر، والاستهداف المبكر.
كشفت العملية العسكرية الإسرائيلية، التي تمت بجلبةٍ كبيرة، وصاحبها ضوضاء ملفت، وانتشارٌ عسكري كثيف، حيث قامت أعدادٌ كبيرة من الجنود الإسرائيليين بمداهمة المخيم، وأحضرت معها جرافات ضخمة، بعد أن تأكد لديها عبر أكثر من طريق، أن حمزة أبو الهيجا موجودٌ في هذا التوقيت في المخيم، وأنه يتحصن في أحد بيوته، ما يعني أن السلطة الفلسطينية كانت تعلم بالعملية، أو أنها قد علمت بها نتيجة التحركات العسكرية الإسرائيلية الملفتة للأنظار، ومع ذلك فإنها لم تقم بعمل أي شئ من شأنه أن يمنع هذه العملية، أو يحول دون تنفيذ الاغتيال، وفي أحسن الحالات لم تبلغ المطلوبين في المخيم، ليخذوا حذرهم أو يغيروا مكانهم، علماً أن أجهزة أمن السلطة كانت تلاحق حمزة أبو الهيجا وغيره، وقد سبق لها اعتقال العديد من المطلوبين من داخل مخيم جنين.
على الرغم من كل ما قدمته السلطة الفلسطينية للكيان الصهيوني من معلوماتٍ وتسهيلاتٍ، في هذه العملية الأخيرة وقبلها، وعلى مدى أكثر من عشرين عاماً، اتسمت بالتعاون والتنسيق الأمني العالي المستوى، وفق الاتفاقيات الأمنية الموقعة بينهما، وبالتعاون مع الإدارة الأمريكية، التي تحرص على فعالية التنسيق الأمني بين الطرفين، وضمان التواصل بينهما، والحيلولة دون انقطاعه أو توقفه، حتى في ظل أسوأ الظروف السياسية، أثناء مصادرة الأراضي، وبناء المزيد من المستوطنات، أو إثر الاعتداء على القدس والمسجد الأقصى، وخلال جمود المفاوضات، وتوقف الحوار السياسي بين الجانبين.
إلا أن الحكومة الإسرائيلية تصف بلسان بعض وزرائها، السلطة الفلسطينية بأنها جارٌ غير مسؤول، ولا يحترم أصول الجيرة، ولا يؤدي حقوق جيرانه، ولا يقوم بما يجب عليه فعله، ولا يلتزم بالعهود والمواثيق، ولا يحافظ على أمن إسرائيل، ولا يتردد في إخفاء أي معلومات قد تهدد أمن مواطنيه وسلامة مصالحه.
وتتهم الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالتواطئ مع عناصر المقاومة، وتزويدها بمعلوماتٍ أمنية، تحول دون الإيقاع بها، وتسهل حركتها وانتقالها، وتؤمن أماكنها ومقرات وجودها، كما أنها لا تقدم المعلومات الكافية لتمكين جيش الاحتلال من القيام بعمليات استباقية ضدها، كالمداهمة بقصد الاعتقال أو القتل، فضلاً عن أنها لا تبادر باعتقالهم، وفي حال اعتقالهم فإنها لا تدينهم، ولا تقدمهم إلى المحاكمة، وهي تحسن إليهم في السجون، ولا تمارس أي ضغوطٍ عليهم، كما أنها لم تقم بسن قوانين وتشريعاتٍ تدين العمليات العسكرية ضد الإسرائيليين، أي أنها لا تعترف بأن هذه العمليات مخالفة للقانون، ولا تصفها كغيرها من الأنظمة العربية بأنها عمليات إرهابية، وأن منفذيها إرهابيون، وينتسبون إلى قوى وتظيماتٍ إرهابية.
علماً أن ما قدمته السلطة الفلسطينية على كل المستويات الأمنية والسياسية كثير، وهو أكبر مما يمكن تصوره، أو القبول به والسكوت عليه، فقد أدى التنسيق الأمني المشترك بينهما إلى قتل عشرات المطلوبين، واعتقال المئات، فضلاً عن إجهاض المئات من العمليات العسكرية، ومنع حدوثها في الساعات الأخيرة، نتيجة كشف المخططات، واعتقال المجموعات، ومصادرة السلاح، وهو ما اعترفت به الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وما كشفت عنه السلطة الفلسطينية، وهي تتباهى بعدد العمليات التي أفشلتها، وحالت دون وقوعها، في الوقت الذي لا تتمكن من إجهاض أي عملية إسرائيلية، ولا تستطيع أن تثنيها عن أي فعل.
بل إن الجانب الإسرائيلي لا يُعلم السلطة الفلسطينية بنواياه، ولا يطلعها على مخططاته، إلا إذا كان في حاجتها، لتأمين وصوله، أو التعتيم عليه، أو للحصول على المزيد من المعلومات، وغير ذلك مما يجب على السلطة الفلسطينية القيام به، لضمان نجاح العملية المقصودة، سواء كانت للمداهمة أو للقتل والاغتيال، مما يؤكد أن التنسيق الأمني هو من طرفٍ واحدٍ فقط، وأن ما تقوم به السلطة الفلسطينية ليس إلا تخابر، ونقل معلومات إلى العدو، بما يضر بأمن الشعب والوطن.
السلطة الفلسطينية، وتحديداً أجهزتها الأمنية، قدمت الكثير للكيان الصهيوني، وقد اعترف قادة أجهزتهم الأمنية، ورؤساء حكوماتهم، والعديد من وزرائهم، بفضل السلطة الفلسطينية عليهم، وأنها قدمت لهم خدماتٍ ٍجلية، وتمكنت بفضلهم من إحباط المئات من العمليات العسكرية، كما أنها قامت باعتقال الكثير من المطلوبين، كما قامت بإفشال الكثير من المساعي والمحاولات لخطف جنودٍ إسرائيليين، أو اعتراض مستوطنين يهود، وقامت بتسليم المئات من الجنود والمستوطنين، الذين ضلوا الطريق ودخلوا في مناطق السلطة الفلسطينية، أو الذين انفصلوا عن مجموعاتهم الأمنية، ولم يتمكنوا من الإلتحاق بوحداتهم الأمنية التي تقوم بمهامٍ خاصة في مناطق مختلفة من الضفة الغربية.
ومع ذلك فإنها تطالب السلطة الفلسطينية بالمزيد، وتضغط عليها للقيام بما هو أكبر، وبدورها لا تستحي ولا تخجل، إذ تخضع وتطيع، وتلتزم وتنفذ التعليمات، وترفع من وتيرة التخابر، ودرجة التنسيق، التي لا أجد وصفاً لها إلا أنها أعمالٌ خيانية، لا يقوم بها إلا العملاء والمتعاونون، ممن لا ينتمون إلى شعوبهم، ولا يخلصون إلى وطنهم.
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
[email protected] بيروت في 24/3/2014