أليس هذا العنوان غريباً؟! بلى. إنه غريب وعجيب، بل إن سبب غرابته هو ذاته سبب اختياري له عنواناً لهذه المقالة.
فهذا العنوان ليس من إنشائي وإن كان من اختياري، فالكلمات الثلاث التي كوّنت هذا العنوان هي من إنشاء غيري أعانه الله على حاله وعلى موقعه الذي لا يتناسب -البتة- معه، ولا مع إمكانياته، ولا مع طبيعته التي هي في حد ذاتها طبيعة لا تتناسب مع شيء إلا "الشوشرة" و"الهيلمة" وصراخ الدلالين: "على أًوْنَه.. على دُوِّهْ... على تْرِيْه..." مين قال أنا؟ راح أبارك...راح أبيع...على أُوْنَه...على دُوِّهْ...على تْرِيْه!
مسؤول كبير في مؤسسة أكاديمية يحلو لأربابها (المؤقتين!) أن يصفوها (طالما هم أربابها) بأنها شامخة وكبيرة وعملاقة، يعقد اجتماعاً يضم كل مدراء الوحدات الإدارية والأكاديمية لهذه المؤسسة، يقول - بحضور رئيسها وعلى مسمعه- ضمن الكثير من فارغ الكلام الذي أتى على لسانه: "أحد الزملاء الأكاديميين، الذي كان ذات يوم مسؤولاً كبيراً في هذه المؤسسة، سألني: ماذا فعلتم بالمؤسسة وماذا أنجزتم لها؟ السائل يعني بسؤاله أن المسؤول ومن معه لم يفعلوا للمؤسسة شيئاً أثناء مسؤوليتهم عنها. كيف رد على سؤال السائل من كان يمتطي صهوة الخطابة أمام المدراء الأكاديميين والإداريين وعلى مسمع رئيس المؤسسة ومرآه، وفي وجوده؟ رداً على ذلك السؤال الذي لم يُجِب عنه أمام من سأله، قال للجمع الذي شاهده وسمعه: "طَبْ اكوي جاكيتك أولاً". بعبارة "اكوي جاكيتك أولاً" إنما يعني قائلها أن ذلك الزميل الأكاديمي الذي سأله ذلك السؤال الذي لم يستطع الإجابة عنه في ذات الوقت مباشرة... يعني وكأنه يريد أن يقول له ما لم يقله أمام السائل، بل قاله أمام جمعٍ قوامُه جميع المدراء الأكاديميين والمدراء الإداريين، وفي وجود رئيس المؤسسة، قال: قبل أن تسألني هذا السؤال الذي يتعلق بالمؤسسة، طَبْ اكوي جاكيتك أولا!!! عجباً لجواب كهذا يصدر على لسان مسؤول يسيء لمؤسسته! فهل "اكوي جاكيتك أولاً" هو الجواب على سؤال الزميل: ماذا فعلتم لهذه المؤسسة؟! ماذا أنجزتم لها؟! ماذا أحدثتم من جديد فيها: ألا حاجة بنا أن نعرف العلاقة بين جواب وسؤال لا علاقة- البتة- بينهما؟!
أليس سؤال الزميل مشروعاً في كل حال؟! وأليس سؤاله متصلاً بالمؤسسة التي ينتمي إليها ذاك الذي سأل وهذا الذي سُئل؟! وألا يستأهل سؤال السائل إجابة يصبها من سئل حول بعض إنجازات كي يقارن السائل بين إنجازات يمكن أن يدعيها من سئل مع الإخفاقات التي ربما يستطيع أن يبرزها من سأل؟!
وبعد، فإنني إذ أدعو الله سبحانه أن ينزِّل غيثاً من شآبيب رحمته على والدي الذي علمني أن الرجل في صمته يزن قنطاراً فيما عند حديثه قد يتضاءل إلى أوقية، لأود أن أنصح من كان ينبغي له أن يصمت ولم يصمت، قائلاً له: "اكوي لسانك وخليك ستايل!"
أما آخر الكلام، فهل من علاقة، يا ترى، بين كي (أو عدم كي) جاكيت السائل وسؤاله؟! اللهم اهدِ من أجاب دون أن يجيب، ودون أن يعلم أو يتعلم كيف يجيب! اللهم علمه- وهو يمتطي موقعاً كبيراً ليس في مكنته أن يملأه في أي حال- كيف يفهم السؤال أولاً، وعلمه كيف يفكر ثانياً، ثم علمه اللهم- كيف عن السؤال يجيب، أو كيف يصمت، فالصمت (أو كي اللسان) عند غير الأغبياء نعم الجواب وخير مجيب.
بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان
كاتب وأكاديمي فلسطيني
جامعة الأزهر بغزة