يعيش قطاع غزة وضعا اقتصاديا صعبا يزداد تدهورا ،بسبب الحصار الاسرائيلي المفروض عليه منذ ثماني سنوات ، اضيف الى ذلك اغلاق السلطات المصرية لمعبر رفح البري بشكل متواصل، ما انعكس بصورة مباشرة على قدرة حكومة غزة التي تديرها حركة حماس في الإيفاء بالتزاماتها المالية تجاه موظفيها مؤخرا والذي يعتبر جزء من الوضع الكارثي الذي يعيشه المواطنين في القطاع .
وحسب ما افاده به بعض الموظفين التابعين لحكومة غزة فإنه منذ ثمانية شهور لم يتقاضوا الرواتب بشكل منتظم ، وكل ما حصلوه فقط خلال هذه المدة ثلاث دفعات مالية لم تتعدى كلأ منها (1000 )شيكل ، وهو ما ادى الى تدهور اوضاعهم المعيشية الى حد كبير ، مما دفع حكومة غزة بالتفكير ببعض الحلول ومنها خصخصة معابر قطاع غزة .
ويرجع عدم قدرة حكومة غزة في الإيفاء بالتزاماتها الى تراجع الايرادات والمساعدات الخارجية التي تحول جزء كبير منها لمناطق اخرى بالإقليم حسب ما صرح به وزير الاقتصاد في حكومة غزة علاء الدين الرفاتي .
وزير الاقتصاد الرفاتي ، يقول بهذا الصدد متحدثا لـ"وكالة قدس نت للأنباء" ان" الوضع الاقتصادي في قطاع غزة صعب وهو امر واضح من خلال مؤشرات الاقتصاد في ارتفاع نسبة البطالة الى 40% ، ونسبة الفقر الى 60 % ، فيما ان معظم القطاعات الاقتصادية (الصناعية والزراعية والجارية ) توقفت بسبب استمرار الاحتلال الاسرائيلي في منع ادخال المواد الخام عن طريق المعابر التي يتحكم بها ."
الحلول المطروحة..
ويوضح الرفاتي ان هذا الوضع والحصار المفروض ادى الى ضائقة مالية تمر بها حكومة غزة ، نتيجة تراجع إيرادتها التي تجنيها بالأساس من الشركات والقطاع الخاص في قطاع غزة والتي تأثرت وتراجع نشاطها وبالتالي لم تعد لديها القدرة على دفع الضرائب للحكومة ، كما ان هذه الضائقة جزء من سلسلة متكاملة في الدورة الاقتصادية .
واشار الرفاتي الى انه قبل اغلاق الانفاق الحدودية مع مصر ، كانت الايرادات المحلية تمثل 40% من حجم الموازنة السنوية العامة للحكومة بغزة ، مضيفا "بلغت موازنة الحكومة بغزة للعام الحالي 2014م ، (790) مليون دولار ، ومثلت بها الإيرادات المحلية بحدود (300)مليون دولار سنويا ، لكن الوضع الاقتصادي الصعب والحصار ادى الى تراجع تلك الايرادات وانخفضت الى اقل من 20% .
ويقول الرفاتي " بشكل عام سواء حكومة السلطة الفلسطينية برام الله ، او الحكومة بغزة ، فإنهما تعتمدان بالأساس على المساعدات الخارجية " مشيرا الى ان التراجع كان لدى حكومة غزة في الإيرادات والمساعدات الخارجية ، والتي تأثرت بسبب الحالة الاقليمية الموجودة بالمنطقة ".
ويضيف " كثير من الجهات التي تدعم الشعب الفلسطيني (أي حكومة غزة ) تحول دعمها نحو الساحة السورية وغيرها " ويتابع " هذا الوضع اثر على انتظام الرواتب لدى موظفي الحكومة في قطاع غزة ".
الحلول للخروج من الازمة. .
يقول الرفاتي " لابد من رفع الحصار المفروض على قطاع غزة ، للحد من نسبة البطالة المتفاقمة والتي وصلت الى 40% ، بجانب نسبة الفقر التي وصلت 60% ، فموظف الحكومة يمكن ان يصمد ستة اشهر او عام كاملا ، لكن المواطن العادي يتأثر بشكل اكبر لأنه يفقد فرصة عمل بشكل كامل ".
ويشير وزير الاقتصاد في حكومة غزة ، الى ان احد الحلول المطروحة من قبل حكومته للتغلب على الازمة ، خصخصة معابر قطاع غزة ، قائلا " هناك تواصل مع القطاع الخاص في الجانب الاسرائيلي والجانب المصري بما يتعلق في المبادرة التي قدمت من الحكومة بخصخصة المعابر ، حتى لا تكون ذريعة امام أي جهة في رفضها التعامل مع الحكومة واغلاق هذه المعابر ".
واضاف " نحن بانتظار موافقة الجانب المصري والاسرائيلي على هذا الموضوع ، لإبرام الاتفاقيات ومن ثم سيتم الاعلان عن ذلك بشكل رسمي ".
ويرتبط قطاع غزة (5 ) معابر تتحكم بها إسرائيل، فيما معبر رفح هو المعبر الوحيد الواصل بين القطاع ومصر وتشرف عليه مصر، وتستخدم المعابر فقط لوسائط النقل البرية مثل الشاحنات والباصات والسيارات ، لكن منذ سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في 2007 م عمدت اسرائيل على اغلاق جميع المعابر التي تخضع لسيطرتها باستثناء معبري كرم ابو سالم ومعبر بيت حانون (ايرز ).
ولجأ ت اسرائيل الى منع دخول المواد الاساسية والخام الى قطاع غزة عبر معبر كرم ابو سالم ، واكتفت فقط بادخال البضائع الاستهلاكية والمساعدات .
الاطراف المعنية..
وحول نقطة امكانية خصخصة معابر قطاع غزة ، يقول احد ابرز ممثلي القطاع الخاص ورئيس جمعية رجال الاعمال بغزة علي الحايك، " لايوجد امكانية الى خصخصة معابر قطاع غزة في ظل الانقسام الفلسطيني ، وان المدخل الى تطبيق هذا الامر وهو جيد ومرحب به لكن في ظل توافق وطني فلسطيني ، لان اتفاقية المعابر وقعت بين السلطة الفلسطينية والاتحاد الأوربي واسرائيل كما انها بحاجة الى موافقة الجانب المصري ".
ويضيف الحايك متحدثا لـ"وكالة قدس نت للأنباء" بان "هذا الموضوع طرح قديم وجديد، وقد طرحته بالسابق حكومة غزة علينا كقطاع خاص ، وكان ردنا ان هذه خطوة بالاتجاه الصحيح لكن تحتاج الى توافق وطني فلسطيني وموافقة كل الاطراف المعنية ، وبالتالي لا يمكن في ظل الانقسام تطبيق هذا الامر ".
ويؤكد الحايك ، ان الحل لجميع المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها قطاع غزة ، من ارتفاع البطالة والفقر ، وتوقف المصانع مشكلة الكهرباء واغلاق المعابر ، "جميعها يكمن حلها في اتمام المصالحة الفلسطينية ، وعندها ستزول هذه المشاكل التي انهكت الشعب الفلسطيني بقطاع غزة ."
مزيد من التعقيد..
بدوره يرى الخبير الاقتصادي معين رجب ، ان " الوضع الاقتصادي بدأ يتدهور بصورة ملموسة منذ شهر يوليو من العام 2013م ، بسبب اشتداد الحصار على قطاع غزة من جديد، بعد ان اغلقت القنوات التي ترد منها البضائع والسلع عبر الانفاق الحدودية مع مصر ، والتي كانت يرد من خلالها غالبية احتياج القطاع ".
ويضيف رجب وهو استاذ الاقتصاد في جامعة الازهر بغزة لـ"وكالة قدس نت للأنباء" الوضع الاقتصادي في قطاع غزة في حالة شلل لان مواد البناء توقف ادخالها ، وهي تعتبر شريان اقتصادي وحياتي مهم بسبب ارتباط العديد من المهن بهذه المواد ، فأدى ذلك الى تعطل قطاع المقاولات (الانشاء ) وبات لا يعمل الا بنسبة 10% من قدرته ، كما ان نقص الوقود وازمة الكهرباء ادى الى بطئ شديد في العجلة الاقتصادية وتعمق الازمة ".
ويقول " الاشهر الثلاثة في العام الحالي 2014 ، تؤكد اننا نسير في اتجاه مزيد من التعقيد بالأوضاع الاقتصادية ، بحيث لا نملك التأثير في تغير هذا الواقع او ايجاد الحلول والتغلب عليه ".
ويري رجب ، ان الحكومة في غزة التي تديرها حركة حماس ، لا تمتلك حلول للأزمة الاقتصادية الموجودة ،"لأنها لا تملك جميع خيوط المشكلة ، وما تقوم به هو ادارة للازمة بحدود ما هو متاح داخليا وللحد من تأثيرها "، مشيرا الى ان نسبة العاطلين عن العمل في قطاع غزة وصل الى 150 الف عاطل عن العمل وهو رقم مهول وكبير بالنسبة لسكان قطاع غزة .
لا تتركوا غزة..
ويعتبر الخبير الاقتصادي، ان قضية خصخصة المعابر سواء البرية او الجوية والبحرية ، موجودة في كثير من دول العالم حيث تلجأ هذه الدولة الى ذلك لإدارة الوضع الاقتصادي بشكل افضل وفي اطار وضع الحلول ، لكن من الصعب تطبيقها على معابر قطاع غزة نظرا لتعقد المشكلة الاقتصادية وارتباطها في الامور السياسية .
الى ذلك اعتبر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا " فيليبو غراندي ان الاوضاع في قطاع غزة صعبة للغاية فيما يمنع الحصار وجود تنمية حقيقية في القطاع والذي يعد الاطول في التاريخ من حصار سراييفو وبرلين وليننغراد.
وطالب غراندي في مؤتمر صحفي عقد اليوم بغزة ، اسرائيل برفع الحصار عن غزة والسماح بادخال مواد البناء والمعدات اللازمة للبنى التحتية مشيرا الى ان لدى الاونروا مشاريع بـ 150 مليون $ معطلة في انتظار موافقة اسرائيل. وطالب جراندي القيادة الفلسطينية بالتوحد وانهاء الانقسام الذي اضر كثيرا بمصالح الشعب الفلسطيني.
وقال غراندي في رسالة وجهها للمجتمع الدولي "أقول للمجتمع الدولي لا تتركوا غزة لأنها تحتاجكم في هذا الوقت أكثر، إن لم ترفعوا الحصار عنها سيكون الوضع أخطر بكثير".
واعتبر غراندي أن هناك 3 مشاكل رئيسية لحصار غزة أولها المصاعب التي تحوم حول النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والثانية المرحلة الانتقالية التي تعيشها مصر، والثالثة الانقسام الفلسطيني الداخلي.
وقال "أناشد المعنيين بهذه المشاكل في إسرائيل ومصر وحكومة رام الله وغزة ألا يدعو المدنيين يدفعوا ثمنا لهذا النزاع". مطالبا السلطات والحكومة المصرية بالوقوف عند التزاماتها وفتح معبر رفح البري فورا والسماح بتنقل الأشخاص عبره، مضيفا "مع احترامنا لكل اعتباراتهم الأمنية إلا أنه لا يمكن حجز سكان غزة في هذه المنطقة الصغيرة خاصة المرضى والطلاب الذين يجب أن يلتحقوا بجامعاتهم".