لماذا تخشى واشنطن إنهيار المفاوضات؟

إن المُتَتَبِع لسياسة واشنطن تجاه الصراع العربي الإسرائيلي منذ بدايتِه حتى الآن يجد أن نظرتها للصراع تختلف عن رؤية أي طرف في العالم وذلك لعدة أسباب يعرفُها الجميع ولا تُخفى على أحد منها تأثير اللوبي الصهيوني في صناعة القرار الأمريكي تجاه العرب بشكلٍ عام والفلسطينيين بشكلِ خاص ناهيك عن رؤية اليمين المسيحي الصهيوني ونظريته العقائدية أيضًا الذي يَبنى فكرتُه بقيام دولة لليهود في فلسطين انتظارًا لعودة المسيح, ولذلك تجد أن دعم بعض الأمريكيين لليهود هو عملٌ عقائدي بالدرجة الأولى . فمُنذ ترومان الرئيس الأمريكي حتى الرئيس أوباما لن تجد أي فروق واضحة ومركزية في التعاطي بملف الصراع العربي الإسرائيلي إلا في بعض الأساليب والأدوات وذلك حسب مصالحها الإستراتيجية , فعندما أخذ الرئيس جورج بوش الأب قرارًا بالذهاب إلى مؤتمر مدريد عام 1991وألزم إسرائيل بالذهاب وهدد بوقف مساعدات بعشرات الملايين ,كان بناءً على مصلحة واشنطن التى اقتضت ذلك بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وبداية جديدة للعالم ذو القطب الواحد, من هنا بدأت مرحلة جديدة للتعامل الأمريكي في ملف الشرق الأوسط , وبعد وصول الرئيس كلنتون عام 1992 استكمل نفس النهج وساعده في ذلك توصل اسرائيل والفلسطينيين إلى اتفاق مبادئ فى أوسلو يُحدد من خلالها خريطة طريق لإنهاء الصراع فَعَمِلت الادارة الأمريكية على الاستئثار بإدارة العملية السياسية بين الطرفين وتركت باب الدعم المالي للسلطة الى المانحين وخاصة الأوروبيين الأكثر جهة مانحة وأبقت ملفات التفاوض في يدها واجتهد الرئيس كلنتون في أكثر من جولة بدءَ من التوقيع على اتفاق المبادئ في ساحة البيت الأبض مرورَا باتفاقية القاهرة وطابا وواي ريفر حتى قمة كامب ديفيد 2 والتي استكملت جلساتها في طابا قبل أن يغادر ايهود باراك رئاسة الحكومة في اسرائيل ومجيء شارون الذى بدأ عهده بتدمير المشروع السياسي برمته وتكسير ما تم الاتفاق عليه حيث تزامن ذلك وصول إدارة أمريكية أكثر تطرفَا للعرب ذات الصبغة اليمينية المسيحية الصهيونية الأكثر تطرفَا في تاريخ الولايات المتحدة بالنسبة للقضية الفلسطينية كما تزامن هذا التطرف مع عمليات 11 سبتمبر عام 2001 الذى أوجعت أمريكا والتى ما زالت الشكوك في فحوى ومضمون والجهة التى قامت بها حتى الآن. ولكن الأمر قد يكون مختلفا بعد وصول الرئيس اوباما وهو من هو ذات اللون الأسود والنسب الإسلامي فهلل الجميع تبشرَا بقدوم إدارة جديدة تأمل فيها الكثيرون وكان هذا جليَا بعد خطاب أوباما في جامعة القاهرة بتأكيده على وقف الاستيطان الغير شرعى في الأراضي الفلسطينية المحتلة وحل عادل يقوم على حل الدولتين بين الفلسطينيين والإسرائيليين .. ولكن وبعد انتهاء الخطاب والبدء في إدارة الملف حيث كلف السيناتور ميتشل بالملف وبدا في خطواته الأولى بدا وكأنه ليس ذات الشخص الذى ألقى خطابا حماسيَا للعرب في القاهرة فقد واجه صلف وغطرسة وعمليات ابتزاز اسرائيلية في التعاطي مع ما تطرحه الادارة الأمر الذى دفع بميتشل تقديم استقالته فبدأ اوباما بمسلسل التنازلات لإسرائيل فقدم لها هدية لم يُقدمُها أي رئيس أمريكي من قبل حيث عرض على اسرائيل صفقة طائرات " إف 35" كرشوة للعودة لوقف الاستيطان لمدة 90 يوما فقط حيث كان الفلسطينيين يُصرون على عدم العودة لطاولة المفاوضات قبل وقف الاستيطان . من هنا انكشف موقف أوباما الحقيقي والضعيف حيث جاء هذا الموقف بعد هزيمة مُنِىَ بها الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية للكونجرس والجميع يعرف الكيفية التى تتم فيها هذه الانتخابات والدور الرئيسي الذى يلعبه اللوبي الصهيوني فيها, ولم يكتفى نتنياهو بصفقة صامتة فقط بل ذهب إلى إبتزاز واشنطن في كسر شوكة الإدارة الأميركية، وبالتالي مصادرة العديد من طلباتها، والعودة إلى التحالف الاستراتيجي مع اسرائيل. وبصورة أكثر وضوحاً عمل على ابتزاز الإدارة الأميركية حيث رفض أن يقول نعم لتجميد الاستيطان المؤقت لمدة ثلاثة شهور إلا بعد الحصول على مكاسب كبيرة لدولة اسرائيل، ومن أهمها أن تبقى الدولة الأقوى عسكريَاً في منطقة الشرق الأوسط من خلال الحصول على أحدث الأسلحة المتطورة ومنها الحصول على طائرات "اف 35" المتطورة جداً، وكذلك تقديم الادارة الاميركية ضمانات مهمة ومفيدة لإسرائيل فقط ومن أهمها: لا مطالبة جديدة بتجميد آخر للبناء في مستوطنات الضفة الغربية, لا دعم سياسي لأي جهد فلسطيني في مؤسسات هيئة الأمم المتحدة، للحصول على أي قرار يدعم الموقف الفلسطيني حتى ولو اضطرت إدارة اوباما لاستخدام حق النقض الفيتو في مجلس الأمن، أو اتباع سياسة التهديد والترغيب واستخدام كل النفوذ والامكانيات لمنع أي قرار سياسي أممي قد يجرح شعور اسرائيل ولا يحقق أي شيء على أرض الواقع, لا لوقف الاستيطان في مدينة القدس إذ أن التجميد المؤقت للبناء يشمل المستوطنات في الضفة الغربية فقط. ولكن في حقيقة الأمر وحسب تحليل العديد من المراقبين كان هناك نية عقدها أوباما لتسجيل نجاح في ملف الشرق الأوسط ولكن وبعد الانتخابات النصفية للكونجرس كما أسلفنا والهزيمة التي تلقاها الحزب الديموقراطي وتأثير اللوبي بدأ اوباما يتراجع حتى بدأت طبول التغيير الأمريكانجية تَدُق في المنطقة العربية ووصول الإخوان المسلمين للسلطة بتفاهمات ومساعدات مباشرة وغير مباشرة أمريكية, اتضح الأمر جليًا في الرغبة الأمريكية بتصفية القضية الفلسطينية على الطراز الإسرائيلي الأمر الذى وَضَعَ الطرف الفلسطيني في وضعٍ صعب حيث انشغل العرب في همومهم الداخلية وتطورت الأحداث في سوريا لدرجة عدم السيطرة عليها لدخول أطرافًا متعددة كلٌ حسب مصالحه ودخول الروس الأكثر تأثيرًا في الملف السوري كان له النصيب الأكبر في حالة الإرباك الأمريكية , كما كان لثورة 30/6 المصرية وإسقاط الجماعة عن الحكم في مصر دورًا هامًا في زيادة حالة التعقيد الأمريكي, كل ذلك جعل من موقف واشنطن أكثر تمسكًا بملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية , فكيف لها أن تكون هى الراعية والأمور تَنزَلِق من تحت يدها إذا ما انهارت العملية التفاوضية بين الطرفين؟ خاصة وأن ما يطرحه كيرى من خطة لاستمرار العملية لن يقبله لا الفلسطيني ولا العربى وكان هذا جليًا في قمة الكويت الأخيرة, ولذلك ما تخشاه واشنطن من وقف المفاوضات هو إخراج هذا الملف من يدها بعد تَعَثُر مشروعها التغييري للمنطقة وإرباكها في ملف سوريا , ونقله ( ملف المفاوضات) الى ساحة المحافل الدولية بدءَ بمجلس الأمن ودخول دولة فلسطين في المنظمات الدولية الأمر الذى يتيح لها مواجهة أمريكا واسرائيل عالميًا , ولهذا نرى زيادة الضغوط الأمريكية على الفلسطينيين حتى إطلاق سراح آخر دفعة من الأسرى القدامى لن يتم إلا إذا وافق الفلسطينيين على تمديد المفاوضات بين الطرفين, إذًا فشل الأمريكان في ملفات متعددة من أفغانستان والعراق وادارة الأوضاع في المنطقة يجعلها متمسكة بالاستئثار في ملف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية .
إذا نحن مُقبلون على مرحلة كسر عظم كما يُقال بين موقف واشنطن الذى هو في الأصل إسرائيلي بالدرجة الاولى وموقف الفلسطيني الذى يتلقى فقط الضغوطات ..ولكن من المتوقع كما هو واضح من خلال المواقف التى نسمعها من بعض القيادة الفلسطينية أن تقبل السلطة التمديد مقابل اطلاق سراح الدفعة الأخيرة من الاسرى القدامى مع عدد لا بأس به يُقدر بـحوالى 1000 أسير فلسطيني كرشوة لتمديد المفاوضات, المهم أن تكسب واشنطن الموقف وتظل تسيطر على الملف لوحدها