عندما وقع الرئيس الفلسطيني محمود عباس(ابو مازن( 15 اتفاقية دولية يوم الثلاثاء أحدث صدمة بين وسطاء السلام الأمريكيين.. لكن الخطوة كانت محدودة وموزونة بدقة لتجنب العقاب الأمريكي.
وربما كان تحرك الرئيس عباس تعبيرا رمزيا عن التحدي حتى يعزز موقفه بين الفلسطينيين المحبطين من الجمود الدبلوماسي الذي يكتنف قضية الدولة الفلسطينية أكثر منه طعنة في قلب عملية صنع السلام.
والفلسطينيون باعتبارهم ينتمون لدولة غير عضو في الأمم المتحدة يمكنهم الانضمام إلى 63 وكالة دولية واتفاقية دولية. لكن التوقيع على اتفاقيات تتعلق بالحقوق العامة وحقوق الإنسان وليس السعي لعضوية كاملة في هيئات الأمم المتحدة لن يدفع الولايات المتحدة لفرض عقوبات.
وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي للصحفيين الأربعاء إنه لا يتوقع أي عواقب على الإطلاق من الكونجرس الأمريكي على هذه الخطوة.
وأضاف أن الفلسطينيين لم يسعوا لعضوية وكالات الأمم المتحدة المتخصصة حتى يثيروا حفيظة الكونجرس وإنما تحدثوا ومازالوا يتحدثون عن خطابات للانضمام إلى بروتوكولات واتفاقيات.
وتوشك محادثات السلام على الانهيار وسط اتهامات إضمار سوء النية المتبادلة بين الجانبين. وفي التحرك الأخير وقع الرئيس عباس الاتفاقيات الخمس عشرة سعيا لممارسة ضغط أكبر على إسرائيل بعدما رفضت إطلاق سراح دفعة من الاسرى الفلسطينيين كان من المفترض الإفراج عنهم بموجب شروط اتفاق سابق. ومن جانبها قالت إسرائيل إنها "لن تفرج عن السجناء دون التزام فلسطيني بمواصلة التفاوض لما بعد نهاية أبريل نيسان وهو موعد انقضاء مهلة متفق عليها للانتهاء من التفاوض."
وانتقد مسؤولون أمريكيون ما أطلقوا عليه "الأعمال المنفردة غير المفيدة" من الجانبين كليهما.
وتعتمد إدارة الحكم الذاتي المحدودة التي يرأسها الرئيس عباس في الضفة الغربية المحتلة على الدعم الأمريكي. فالمساعدات السنوية التي تبلغ نحو 500 مليون دولار تساعد السلطة الفلسطينية على الحفاظ على خدمات القطاع العام وقوات الأمن.
لكن الكونجرس أوقف تلك المدفوعات أكثر من مرة عقابا للفلسطينيين على قرارات سياسية يختلف معها ومن ذلك محاولة لنيل الاعتراف بدولة فلسطينية. وهناك أيضا قانون صدر عام 1990 يمنع الولايات المتحدة من تمويل هيئات الأمم المتحدة التي تعترف بدولة فلسطينية.
وترك هذا القانون الولايات المتحدة في وضع غريب إذ أفقدها حقها في التصويت في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) العام الماضي بعدما قبلت المنظمة عضوية الفلسطينيين فيها عام 2011.
وناشد وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الشهر الماضي لجنة الشؤون الخارجية في الكونجرس إعادة النظر في سياساتها المتعلقة بتمويل هيئات الأمم المتحدة في دلالة على رغبة وزارته الشديدة في تجنب الضرر الدبلوماسي الناجم عن التحركات الفلسطينية.
وقال كيري إن الرئيس عباس لا يعنيه أن تفقد الولايات المتحدة صوتها في هيئات الأمم المتحدة. وأضاف أن الرئيس الفلسطيني سيتجه إلى هذه الهيئات "لأنها بالنسبة له أداة يطمع أن تمكنه من التنغيص على إسرائيل."
ومضى قائلا "سيذهبون مرة أخرى إذا ظنوا أن هذا يصب في مصلحتهم. ومن الذي سيدفع الثمن؟ الولايات المتحدة الأمريكية. لن يكون باستطاعتنا التصويت."
* "خطوة ماهرة"
يسعى الفلسطينيون لإقامة دولتهم المستقلة في غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.. وجميعها أراض احتلتها إسرائيل في حرب 1967. وبينما ترى كل الأطراف أن التفاوض هو أفضل السبل لتحقيق السلام يقول الفلسطينيون إنهم قد يلجأون في النهاية لهيئات دولية لإرغام إسرائيل على تقديم تنازلات في مقابل السلام.
وأيدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاعتراف بفلسطين كدولة غير عضو عام 2012 مما أتاح للفلسطينيين الانضمام للاتفاقيات التي وقعها الرئيس عباس يوم الثلاثاء ومنها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة إضافة إلى اتفاقيات جنيف.
ولا تكبل هذه الاتفاقيات الفلسطينيين بالتزامات تذكر على حكومتهم التي يتهمها كثيرون بالفساد وارتكاب انتهاكات مع المحتجزين والصحفيين.
وقال مسؤول كبير بالأمم المتحدة لرويترز إن الانضمام للاتفاقيات لا يستدعي أيضا عقابا إذ أنه لا يمكن الفلسطينيين على الفور من التقدم بشكاوى قانونية ضد إسرائيل ولا يؤثر على السياسة الخارجية الأمريكية.
وأضاف "الخيار النووي بالنسبة لالرئيس عباس سيتمثل في الذهاب للمحكمة الجنائية الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية. هاتان هما الجهتان المهمتان."
وقال إن التحرك الفلسطيني الأخير "خطوة حاذقة فعلا. فالرئيس عباس يقول إن الفلسطينيين يريدون أن يكونوا جزءا من المجتمع الدولي وأن يحسنوا آليات بناء دولتهم من خلال التوقيع على مجموعة معاهدات ذات مغزى. ويمكنه أن يستدير ويقول: لماذا تشعر إسرائيل أنها مهددة حين نوقع على معاهدة تحمي حقوق المرأة؟"
ولا تلقى خطوات السلام التي يقوم بها الرئيس عباس ترحيبا بين الفلسطينيين الذين أشاد كثير منهم بالحملات الرامية للاعتراف بهم في الأمم المتحدة رغم أنها خطوة رمزية في جانبها الأكبر.
والرئيس عباس (78 عاما) مفاوض مخضرم اختار أن يسلك طريق الدبلوماسية مفضلا إياه على طريق العنف. وكان من المفترض أن تنتهي فترة رئاسته قبل خمس سنوات لكنه ظل في المنصب بسبب خلاف مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على شروط الانتخابات القادمة.
وربما كان الرئيس عباس راغبا في تعزيز شعبيته بعدما امتنعت إسرائيل في مطلع الأسبوع عن الإفراج عن دفعة رابعة وأخيرة تضم أكثر من 20 اسيرا فلسطينيا في إطار تعهد باستئناف محادثات السلام العام الماضي.
وقالت ديانا بوتو المستشارة القانونية السابقة لفريق التفاوض الفلسطيني "حدث هذا عندما وصل لنقطة النهاية وقال "علي أن أتخذ إجراء آخر يزيد من شعبيتي". والذهاب إلى الأمم المتحدة كان ناجحا حتى الآن فيما يتعلق بتعزيز شعبيته."
وتابعت "لكن هذا إجراء ضعيف. فهو من ناحية لم يقطع الشوط بأكمله لتحميل إسرائيل المسؤولية ومن ناحية لم يترك المفاوضات
