ما يحصل في غزة… ‘بزنس′ جنرالات مصر وإخفاق حماس

نقطة ساخنة مع الإعتذار من زميلنا المبدع أسعد طه ..هذه المرة بعد ما نقلناه الأسبوع الماضي عن قلب القدس وحقيقة وضع اهلها من الداخل يجرنا الحديث عن قطاع غزة المحاصر بقدر غريب وبقوة الانقلاب العسكري المصري الذي فقد القدرة على التفريق ـ فيما يبدوـ بين حركة حماس والشعب الفلسطيني خصوصا مع إعلام راقص وغدار يتقصد ويوميا الاستزادة من التضليل والتجديل.
حدثنا غزيون بمرارة عن ما يحصل في بنية المجتمع وطبقاته بعد الخيبة العامة التي يشعر بها من يقيم في هذا السجن الكبير الممتدة على سواحل البحر دون حتى التمكن من ممارسة الصيد فيه كما يفعل بقية خلق الله بمياههم.
نبدأ معحماس′ الحركة الحاكمة التي لا يستطيع رئيس الوزراء فيها اتخاذ أي قرار من أي نوع وتتمركز اليد الضاربة فيها بالجناح العسكري وكتائب القسام التي تحظى بإحترام شديد في وجدان كل مسلم وعربي وإنسان حر وشريف.
المأساة الإجتماعية والإدارية حصلت مباشرة بعد القرار الأول الذي إتخذه الرئيس الفلسطيني محمود عباس عندما أصدر ‘أمرا مباشرا’ لكل موظفي السلطة وإدارات حكومته بعد خسارة حركة فتح والسلطة للقطاع لصالح حركة حماس.
الأمر كان مباشرا وهو يقضي بان يغادر جميع الموظفين مكاتبهم وأن يمتنعوا عن العمل من باب المقاومة السلمية لما يسمى بإنقلاب حماس مقابل الإستمرار في دفع رواتب الموظفين الذين لا يعملون بالواقع والتي تكلف ـ حتى الآن- شهريا 70 مليون دولار من الواضح انها تشكل اليوم مصدر الدخل الوحيد بعد الحصار الذي فرضه الجنرال السيسي لقطاع واسع من الغزيين.
مفارقة إدارية لا يمكنها ان تحصل في اي مكان في العالم حسب وزير سابق في رام الله تحدث لنا بالتفاصيل.. أوامر الرئاسة كانت تقضي بأن يصرف الراتب لمن ‘لا يعمل’ وتجميد راتب اي موظف في اجهزة السلطة يتجرأ ويذهب للعمل.
قرار لا يفهم أهل قطاع غزة حتى اللحظة أسرار الحكمة القابعة بداخله حتى ان مئات الموظفين وصلوا فعلا سن التقاعد وتصرف لهم رواتب تقاعدية رغم أنهم لم يدخلوا مكاتبهم ومرافق العمل منذ خرجت حركة فتح من القطاع.
واضح ان جوهر القرار هو ان عباس لا يريد قطاع غزة من حيث المبدأ ويبلغ أحد مسؤولي حماس سياسيا أردنيا بأن الهدف من ثورة كتائب القسام ضد السلطة عند الإنقلاب كان ‘خرمشة’ جهاز الأمن الوقائي فقط وليس إستلام السلطة فعلا في القطاع لكن حماس فوجئت بأن أوامر صدرت للأمن الوطني من رام الله بأن لا يقاتل ويسلم المقرات والسلاح وهو ما حصل عمليا.
هذا القرار غير المدروس- إنتهى بواقع ميداني ساعد حركة حماس فيملء الفراغ’ فبدأت بتحصيل الضرائب وفرض الرسوم التي كانت قد قررتها السلطة أصلا وتأسست لحركة حماس بالنتيجة أجهزة على الأرض مثل القضاء والضريبة والشرطة وهي اجهزة ورثت المناصب الادارية والوظيفية التي هيكلتها السلطة أصلا ودفعت مليوني فلسطيني للتعامل يوميا مع رجال حماس حتى وإن كانوا لا يؤيدونها.
حماس بدورها تسيطر على جزء كبير من ‘ريع الأنفاق’ وتفرض رسوماعلى ثلاث سلع أساسية يتم تهريبها هي السجائر والبنزين والديزل والأحذية.
ولان الانفاق هي التجارة الوحيدة الرابحة بالتعاون مع رجال المؤسسة الأمنية والعسكرية المصرية وتصل منها كل البضائع والسلع يحصل المواطن على سلعة بسعر يفوق عشرة أضعاف سعرها لان كل من عمل في حفر النفق او ‘دبر’ البضاعة من مصر حتى غزة او حتى حرس النفق وأنفق عليه او حصل على رخصة نفق يحصل على حصته من الكعكة فتصل فردة الحذاء التي تساوي بالسوق المصرية دولارين إلى رجل المواطن العادي بعشرين دولارا على سبيل المثال.
المثير للضحك ان بعض الأنفاق يتم ترخيصها من البلدية مقابل إيصال الماء والكهرباء والمثير لكل سخرية الكون ان مصانع كاملة في مصر تتبع المؤسسة العسكرية تعتمد بالمطلق في بيع منتجاتها على سوق القطاع المربحة وجزء كبير من إستثمارات الانفاق تدار بالشراكة مع حيتان مصريين يعملون في الجيش والأمن وهي حقيقة يعرفها الداني والقاصي في القطاع المحاصر.
يجعل ذلك عمليا من حصار السيسي للقطاعبزنس′ من طراز خاص بمعنى .. الحصار مطلوب لكي تنتعش الأنفاق التي يبلغ طول بعضها 1200 متر.. ويعني ان المؤسسة الوطنية المصرية تحاصر مليوني فلسطيني قصدا حتى تنتعش تجارة طغمة من الجنرالات المصريين مع وكلاء غزيين وحتى تضمن بيع منتجات بعضها لا يصلح للإستهلاك الآدمي وهي منتجات تباع بأضعاف سعرها للمحاصرين في القطاع.
يقول محدث خبير لنا: بعض المنتجات الغذائية التي تورد بأضعاف السعر من الجانب المصري عبر الأنفاق تعافها الحمير .
طبعا يقر الجميع بهذا الواقع ويرفضون الإغراق في الحديث علنا وسط حالة تواطؤ وصمت.
يعترف كثيرون من أبناء القطاع بان ‘دولة حماس′ في غزة نجحت في فرض الأمن العام والإجتماعي قبل عامين لكن الفيضان الأخير كشف ضعف جاهزيتها الإدارية ويوجد الآن 40 الف موظف يتبعون حكومة حماس رواتبهم منقطعة ويحصلون من ستة أشهر على ‘سلف’ بسبب بروز الأزمة الأكبر وهي أزمة الـ ‘كاش’.
بعض المجموعات داخل حماس لديها فائض مالي وجزء كبير منه يخصص لحماية الحدود وللأجنحة العسكرية وللمقاومة وأولوياتها لكن في المستوى السياسي والإداري لدى حماس بعض السماسرة والوكلاء الذين يستفيدون بدورهم من الواقع.
شعبية حركة حماس تضعف بشكل لافت في اوساط العامة بسبب الإخفاق الشديد في إدارة البلاد وتفكيك الحصار وتمكين الناس من لقمة الخبز في واحدة من أكثر المناطق في العالم فقرا وإزدحاما.
يحلف بعض أبناء القطاع أغلظ الأيمان بأن حماس في حال حصول إنتخابات اليوم في القطاع ستواجه نفس المصير الذي واجهته حركة فتح عندما هزمتها حماس بسبب أجواء الإحباط العام ونمو التيارات السلفية والحصار المصري وعدم وجود آفاق لأي معالجات ووجود طبقة محدودة من المستفيدين من كل الوضع.
على هذا الأساس تبدو المسألة صعبة ومعقدة في غزة خصوصا عندما تتعلق بشرعية السلطة الأمنية بدون الإدارية ومن الواضح ان الحصار المفروض على اهل القطاع ينجح في فرض هذه المفارقة حيث يتمتع الناس بالسلم الداخلي المبني على القوة فقط وليس على دولة مؤسسات بدون اي من مظاهر الأمان الإجتماعي والإنتاج.