في واقعنا الفلسطيني المعاش في كل يوم حدث وقضية،بل في كل ساعة،أحداث تتسارع وتتلاحق ولا تعرف عن ماذا تكتب ولماذا تكتب ولمن تكتب وهل الكتابة مجدية في واقع ومحيط لا يلتفت الى الكتابة ويغلق كل نوافذ العقل والفكر ويمتهن الدروشة والشعوذة والاتكالية والعيش على الهامش وردات الفعل،لا نمتلك لا خطط ولا برامج للمواجهة ولا نرسم استراتيجيات،نتقاتل ونتصارع على سلطة مقيدة الصلاحيات والمسؤوليات،ليس لقادتها حق التقرير في امورها وشؤونها الإ بإذن من المحتل المتحكم في كل مدخلاتها ومخرجاتها.
في نيسان تتكثف كل مأساة فلسطين وشعبها،في نيسان ولدت وقامت دولة الإحتلال على انقاض شعب تآمر عليه،ليس فقط المستعمرون الغربيون،بل كان للعرب نصيب في تلك المؤامرة،تلك المؤامرة التي ما زالت مستمرة على شعبنا وحقوقنا وقضيتنا حتى يومنا هذا والمشاركون نفسهم،وإن اختلفت الأدوات والأدوار.
في نيسان كانت الثورات والمؤامرات كانت ثورة القسام التي إستمرت ثلاث سنوات،تلك الثورة التي اجهضتها الخيانات المحلية والعربية،وفي نيسان استشهد القائد عبد القادر الحسيني وهو يلعن كل الزعامات العربية التي لم تهب لنصرة فلسطين،ولم تقدم له السلاح،وكانت تشارك في المؤامرة بصمت مطبق ومريب،فآثر ان يستشهد على أبواب مدينة القدس في معركة القسطل،وفي نيسان ولد الشهيد غسان كنفاني الذي عاش الثورة وكتب عنها واستشهد من أجلها،حينما اغتالته المخابرات الصهيونية"الموساد" بتفخيخ سيارته في قلب بيروت،اغتالته لكونها تدرك بان الكلمة المقاتلة كالطلقة المقاتلة،وان الفكر والوعي خطران على دولة الكيان الغاصب،وفي نيسان اغتيل مهندس إنتفاضة الحجر أبا جهاد في قلب العاصمة التونسية،إغتيل ابا جهاد لكي لا يكون حجر عثرة أمام ما تخطط له الدوائر المعادية من مشاريع سياسية في المنطقة تستهدف قضيتنا وحقوقنا،فأبا جهاد قائد ميداني ملتحم مع الجماهير ويتحسس نبض الشارع،ولدية القدرة الكبيرة للتأثير عليه،وكذلك هو عامل توحيد في الساحة الفلسطينية وفي حركة فتح نفسها كعمود فقري للثورة الفلسطينية،فكان لا بد من اغتياله...وفي نيسان استشهد في عملية الفردان الكماليين كمال ناصر وكمال عدوان وابا يوسف النجار،والإغتيال مرتبط بالدور عن عملية ميونيخ الشهيرة،وكذلك عن تصعيد العمل العسكري الفلسطيني ضد دولة الكيان الصهيوني من لبنان على مستعمرات العدو المقامة على شمال فلسطين...وفي نيسان تم ذبح الفلسطينيين في لبنان على الهوية،في الهجوم على الباص الذي كان يقل فلسطينيين في حادثة عين الرمانة الشهيرة 13/نيسان/1975،والتي نفذتها ادوات عميلة مجرمة،من اجل جر لبنان الى مستنقع الحرب الأهلية، تلك الحرب التي استمرت ثمانية عشر عاماً،حيث حصدت عشرات ألآلاف الأرواح ودمرت وخربت لبنان وقسمته طوائف ومذاهب وكانتونات ومربعات أمنية تحكمها مليشيات وعصابات ومافيات.
وفي نيسان سقط الراعي أسطورة ورمز الصمود والتحدي شهيداً مغتالاً في أقبية وزنازين الإحتلال بعد فترة تحقيق زادت عن ستة شهور،هزم فيها كل اجهزة مخابرات الإحتلال وجلاديه.
في نيسان الان تجري محاولات جادة من قبل الإحتلال والأمريكان والغرب الإستعماري وعربان ومشيخات النفط والكاز،من اجل تصفية القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني،حيث نشهد هجوماً غير مسبوق من أجل إقتناص الفرصة وحالة الضعف والإنهيار العربي،والضعف والإنقسام الفلسطيني،من اجل دفن القضية الفلسطينية الى الأبد.
نيسان تتكثف فيه كل المصائب والويلات والجرائم بالنسبة لشعبنا الفلسطيني،من ينقذنا مما يخطط لنا ولشعبنا في نيسان هذا العام،فالمؤامرة كبيرة،وواقعنا يعتريه الكثير من الضعف والإنقسام،وحواضننا العربية،تئن تحت وطأة حروبها الداخلية،وجزء منها شريك في المؤامرة على هذا الشعب،والبعض رغم كل الخطر الداهم حتى اللحظة،ما زال يراهن بانه بالإمكان "حلب الثور"على الرغم بان كل الوقائع والمعطيات أصبحت واضحة أمامنا، يريدون منا ان نقايض حقوقنا الوطنية،بمجموعة رشاوى وتسهيلات حياتية ومعيشية واقتصادية،وإطلاق سراح دفعة او اكثر من اسرى الحرية،أي شرعنة الإحتلال لا إنهائه،وكأن كل نضالاتنا وتضحياتنا ودماء شهداءنا التي سالت غزيرة على مذبح الحرية،ليست من اجل ان يزول وينتهي الإحتلال؟؟
الان نحن امام حقيقة عارية تماماً،لم يعد مجدٍ معها مواصلة التجريب والتفاوض،فهذه المفاوضات،هي تجري في ظل مواصلة الإحتلال لمشاريعه ومخططاته أسرلة وتهويد وتطهير عرقي في القدس،ومواصلة للإستيطان في الضفة الغربية،إحتلال يريد ان تكون هناك سلطة بدون سلطة،فقط يستفاد منها في تقديم الخدمات له على الصعيد الأمني،وأن تضمن له بقاء الإحتلال بدون كلفة،وبقاء قطاع غزة خارج الجسد الفلسطيني.
علينا ان نجعل نيساننا الحالي مختلفاً عن ما مضى،علينا أن نحدث إنقلاباً في رؤيتنا وفي تفكيرنا،لم يعد يجدي إستمرار إجترار الكلام عن عدالة قضيتنا،ولم يعد يجدي كذلك الندب والبكاء.
الخطر جدي وداهم،وهم يريدون واد قضيتنا الى الأبد،وعلينا أن نستمر في نضالنا ومقاومتنا،فالحقوق لا تسقط بالتقادم مع الزمن،فقد تكون المرحلة مجافية،ولكن مهما كانت مجافية،فهي ليست مبرراً لأي كان أن يقدم التنازل عن حقوق شعبنا وثوابتنا الوطنية،عودوا للشعب والشعب صاحب القضية،وهو يعرف جيداً كيف يدافع عن حقوقه ووجوده،فهذا الشعب ضحى وما زال يضحي،عبروا عن حس ونبض الشارع والتحموا مع همومه،فستجدون السياج والدرع الحامي لكم،لا تثقوا لا بوعودهم ولا بمفاوضاتهم،فأنتم جربتم هذا النهج والخيار،ولم يحصد شعبنا من خلاله غير الوهم وإستمرار الإستيطان والقمع والإعتقالات والمصادرات،فهم يريدون منا ان نكون مشرعين لإحتلالهم ولوجودهم.
في نيسان هذا حصنوا البيت الداخلي الفلسطيني،وإعيدوا اللحمة والوحدة لجناحي الوطن،إرسموا إستراتيجية جديدة موحدة يلتف خلفها الجميع،إستراتيجية عنوانها المقاومة والصمود،لا التنازع على السلطات البائسة،غيروا قواعد اللعبة معهم،وأخرجوا المفاوضات من دائرة الرعاية الأمريكية،فأمريكا هي من تتولى تسويق كل البضائع الفاسدة التي ينتجها الإحتلال،وهم يجملونها ويريدون تصديرها إلينا على انها بضائع ذات جودة عالية،وعلينا ان نغتنم فرصة الحصول عليها،قولوا لهم شعبنا لا يريد بضائعكم فهي تقتل الشعب وتنهب الأرض.