وصف كريستيان كاردون مدير البعثة الفرعية للجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة، الوضع الحالي في غزة بأنه تحت الضغط ، داعيا للتوصل لحلول مستدامة يحتاجها السكان حالياً أكثر من أي وقت مضى.
وقال كاردون في مقابلة صحيفة وزعتها اللجنة الاعلامية للصليب الأحمر :"لا نزال نشهد الإفقار التدريجي الذي ظلت تعانيه الأسر المتوسطة في غزة على مدار 14 عامًا مضت تزامنًا مع استمرار فقدانها لآليات التكيف المتاحة. والأمر اللافت للنظر أيضًا في غزة هو عدم إمكانية الجزم بما قد يحمله الغد، وكيف يتعمق ذلك الشعور بصور مختلفة."
وأضاف "تعد البطالة والفقر والنقص المتكرر في الوقود وعدم توفر المواد والمعدات من معالم الحياة اليومية لسكان غزة، وينجم عن ذلك آثار سلبية على الصحة والبنية الأساسية للمياه والمرافق الصحية والكهرباء. ويوجد أيضًا نقص في المواد الطبية وفي بعض الأحيان لا تتوفر القدرة على شرائها، في حين يوجد عجز شديد في إمدادات مواد البناء الأساسية اللازمة للصناعات المحلية."
وبين مدير البعثة الفرعية بان الوضع المحلي والإقليمي الحالي ساعد في التعجيل بحدوث هذه الظواهر. وقال "فقد ظل معدل البطالة في غزة، على سبيل المثال، ضمن أعلى المعدلات على مستوى العالم في 2013، بينما ارتفع بأكثر من 10% خلال النصف الثاني من 2013 بعد فقدان إجمالي 60000 شخص وظائفهم ."
واوضح بانه "كان متوسط الأجر اليومي في غزة خلال 2013 أقل من حد الفقر الفلسطيني الذي هو نفسه أقل من ثلث حد الفقر في إسرائيل المجاورة. وانخفض بالفعل إجمالي الناتج المحلي في غزة خلال 2013 بنحو 3% ولا يزال أقل من مستوياته في فترة التسعينات. والحقيقة أن متوسط الأجر اليومي الفعلي انخفض في 2013 مقارنة بفترة التسعينات مما يعني أن الأسر المتوسطة في غزة تواجه صعوبات جمة في تلبية احتياجاتها الأساسية.
وقال "في نفس الوقت ارتفعت أسعار السلع الأساسية بصورة كبيرة. وتضاعف سعر الوقود في غزة خلال النصف الثاني من 2013 ويستطيع اقتصاد غزة بالكاد الآن تلبية نحو 15% من الطلب على وقود الديزل و 40% من الطلب على البنزين."
أما عن مواد البناء، فقال كريستيان كاردون "حرم اقتصاد غزة من الحصول على متوسط 360000 طن من مواد البناء شهريًا، أي ما يعادل 15000 شاحنة حمولتها 24 طن من مواد البناء. وتلبي مواد البناء المتوفرة حاليًا أقل من 10% من المتطلبات اليومية في غزة ويؤدي تدهور قطاع البناء للمزيد من البطالة."
"وتضعف هذه المخاوف مجتمعة صمود الخدمات الأساسية والأكثر أهمية أنها تضعف آليات التكيف لسكان غزة عامة. ان الوضع الحالي غير مستقر وسيصبح السكان أكثر هشاشة في حال ازدياد التوتر أو العنف." كما قال
ما هو المجال الذي تركزون عليه في الفترة الأخيرة؟ رد مدير البعثة الفرعية للجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة على هذا السؤوال بالقول " يعد تأثير القيود المتزايدة على انتقال السكان والبضائع من أكثر ما يثير قلقنا."
وأضاف "لقد تسبب إغلاق معبر رفح الحدودي مع مصر منذ تموز/يوليو 2013 في إعاقة تنقل السكان المحدود فعليًا. ويجب أن نقر أن تدمير الأنفاق بين غزة ومصر، وهو جزء من ممارسة مصر لسيادتها على حدودها، كان له أيضًا تأثيرًا كبيرًا على الوضع الإنساني في غزة."
وقال " كما تزيد القيود الإسرائيلية المفروضة على غزة بالفعل التحديات اليومية الكثيرة التي تواجه 1.8 مليون شخص يعيشون في القطاع." معتبرا بان إغلاق معبر رفح وتدمير الأنفاق – التي هي مصدر نحو 30% من البضائع التي تدخل غزة – عناصر جديدة أضيفت للمعادلة الصعبة القائمة التي تستدعي منا كل الاهتمام والاستعداد.
وعن الإغلاق المتكرر لمعبر رفح قال كاردون "هذا هو مصدر القلق الجديد لسكان غزة. ظل معبر رفح يعمل لنحو 9 ساعات يوميًا مما سمح بمغادرة نحو 1200 شخص كل يوم قبل إغلاقه مؤخرًا في حزيران/يونيو 2013. ".
وتابع حديث قائلا "منذ ذلك الحين، كانت هناك فترات إغلاق كامل أو إغلاق جزئي للمعبر وكان يفتح لمدة أربع ساعات يوميًا في أفضل الحالات ليسمح بعبور 350 شخص فقط. ومنذ بداية هذا العام، يفتح المعبر لمدة خمسة أيام كل شهر في أفضل الأحوال. ومع ذلك، فقد أغلق المعبر لمدة 7 أسابيع متتالية في مستهل 2014، بينما سمح فقط لعدد قليل من المعتمرين بالمغادرة متجهين إلى المملكة العربية السعودية. وإذا قمنا بعقد مقارنة سنجد أن أكثر من 59000 مسافر غادروا غزة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2013، مقارنة بنحو 9000 في نفس الفترة من 2014.
قال كاردون "وعلاوة على الحالات الطبية، فقد أثر إغلاق المعبر أيضًا في سكان غزة الذين يعيشون بالخارج الذين قد يتعرضوا لفقدان وظائفهم إذا لم يتمكنوا من العبور، بالإضافة إلى الطلاب الذين يسعون للعودة إلى مصر وغيرها من البلدان من أجل استكمال دراستهم أو العودة إلى غزة لزيارة أسرهم."
وختم بالقول" يؤثر إغلاق المعبر كذلك في السلع التجارية، والكمية الكبيرة الوحيدة من البضائع التي تدخل غزة من خلال معبر رفح هي مواد البناء التي تستخدم في إطار برنامج بناء واحد يدعمه طرف أجنبي. وتدخل جميع السلع التجارية القادمة من مصر في الوقت الحالي من خلال معبر "كرم أبو سالم" في إسرائيل.
وعن التأثير الملموس لهذه القيود الجديدة؟ اوضح بالقول "أكثر الأمور إلحاحًا هو تأثير القيود على الخدمات الحيوية الأساسية، والخدمات الصحية على وجه الخصوص. فالمستشفيات تواصل العمل، ولكن وجود القيود يعني ازدياد مخاطر انهيار الخدمات الأساسية."
واضاف "على سبيل المثال، أدت القيود المفروضة على استيراد اللوازم الطبية مثل قطع الغيار والأدوية والمواد الطبية لعلاج الأمراض المزمنة إلى وضع المزيد من الأعباء المتوسطة والطويلة الأجل على النظام الصحي الهش فعليًا. وقلت العديد من المواد الطبية والأدوية بنسبة 35% منذ حزيران/يونيو 2013."
واستطرد قائلا "أما الأمر الملح الآخر فهو البنية الأساسية للكهرباء التي تتأثر مباشرة بسبب نقص الوقود. حيث تنقطع الكهرباء في غزة في الوقت الحالي لنحو 10 ساعات يوميًا. وإذا توقفت محطة توليد الكهرباء في غزة عن العمل مثلما حدث في نهاية 2013، فسيظل قطاع غزة بدون كهرباء لمدة تصل إلى 18 ساعة يوميَا. وهذا سيزيد بدوره احتياجات الوقود وبالتالي سيكون له تأثير على المستشفيات التي لم يصبح أمامها خيار سوى استخدام المولدات، خصوصًا بعد توقع توقف محطة توليد الكهرباء الوحيدة في غزة عن العمل مجددًا وقريبًا بسبب نقص الوقود. ويؤدي نقص السلع إلى ارتفاع الأسعار في المدى البعيد وقد تختفي بعض المواد من السوق تمامًا.
وعن أعمال التجهيز لمحطة معالجة مياه الصرف الصحي في وادي غزة، قال كاردون "رغم أن السلطات الإسرائيلية تسمح بدخول كميات محدودة من مواد البناء إلى غزة، فإن هذه المواد مصممة عادة لاستخدام المنظمات الدولية ولا تلبي الاحتياجات المباشرة لسكان غزة."
وبسؤاله عن الذي يمكن فعله للتصدي لهذه الأمور المقلقة؟ قال "لا تزال بعض الأطراف الفاعلة تبذل جهودًا لتخفيف وطأة تلك القيود، غير أن هذه الحلول لا تدوم طويلاً. ولا تزال غزة عرضة لحدوث تدهور سريع وسلبي في جميع مناحي الحياة."
وتباع " ينبغي أن تتوصل جميع السلطات والأطراف المعنية الإقليمية داخل وخارج غزة إلى حلول مستدامة. فسكان غزة بحاجة إلى تعزيز الحصول على الإمدادات اللازمة لتلبية احتياجاتهم الطبية واحتياجاتهم من الطاقة والبنية الأساسية على المستويين القصير والطويل الأجل. وينبغي تخفيف القيود القائمة بشأن انتقال السكان لأغراض علاجية أو تعليمية أو اقتصادية."
وحول أولويات المنظمة الدولية في الشهور المقبلة؟ قال كاردون "إننا نرصد بصفة دائمة الوضع في مستشفيات غزة والبنية الأساسية للمياه، بينما نعزز استعدادنا للاستجابة لحالات الطوارئ في المستقبل بالتعاون مع جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني."
واضاف "نعمل أيضًا في إطار استراتيجيتنا لتعزيز خدماتنا الأساسية، من أجل تحسين علاج الجرحى والمرضى في أقسام الطوارئ بالمستشفيات الرئيسية في قطاع غزة. ويشمل هذا المشروع أعمال ترميم فضلاً عن إقامة برامج تدريبية لمئات العاملين في المجال الطبي، مشيرا الى ان اللجنة تسهل زيارات أهالي غزة لأبنائهم في السجون الإسرائيلية وكانت الزيارات الأولى مخصصة فقط للآباء والأمهات والزوجات.
واكد على انه "من المهم ضمان استمرار عمل مستشفيات غزة، لا سيما في أوقات النزاع وضمان توفر القدرة للطواقم الطبية لأداء عملهم دون أي قيود من أطراف النزاع." وقال " ومن أجل تحقيق هذه الغاية، نتعاون أيضًا مع المجتمع الطبي المحلي والسلطات وحاملي السلاح والمجتمع المدني ووسائل الإعلام في غزة بهدف زيادة الوعي بضرورة تحسين الحصول على الرعاية الصحية."
وقال ":علاوة على ذلك، فإننا نواصل العمل حاليًا من أجل تحسين المعاملة داخل السجون ومراكز التحقيق في غزة فضلاً عن استمرار جهود ضمان تيسير زيارة أفراد العائلات لأحبائهم المحتجزين داخل السجون الإسرائيلية.
