حالة قرف جماعية

بقلم: رمزي النجار

ليس من الصعب تشخيص حال الناس هذه الأيام في ظل المعطيات والمؤشرات الواقعية لكل مكونات الحياة على هذه الأرض سواء أكانت سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، فالواقع المعاش ليس خفيا على أحد، حالة إحباط لم تسبق لها مثيل تسود كافة فئات المجتمع من الموظف والعامل والعاطل والكبير والصغير، حالة ركود والزمن ثابت لا يتحرك، فالحياة مشلولة، والافكار متزاحمة ولا تستطيع ان تستقر على رأي او فكرة، والكل يعيش حالة قرف حقيقية من كل شيء، حتى أصبحنا نخاف على مستقبل أطفالنا من المجهول، حتى أن ظاهرة الحنين إلى الماضي، أو كما أراد أن يسميها البعض بالزمن الجميل باتت ملموسة بشكل لافت، لتصبح مؤشراً مهماً يفتح الباب على أكثر من بعد، إذ يطرح تساؤلاً مثيراً حول تصنيف للماضي على أنه جميل والحاضر رديء، فمشهد اليوم ليس بحاجة إلى وصف لأنه موصوف لوحدة دون الاستعانة بالخبراء والمختصين، لذا بات يدركه الجميع من دون خفية أو مساومة، وهو ذلك الوضع الذي لطالما حذر منه الكثيرون ولكن لم ينصف إلى أولئك الناصحين بالإصغاء إليهم، وأخذ رؤاهم من منطلق حزبي بدلاً من أن يؤخذ اليوم من منطلق العجز لإدارة أمور حياتنا، فكنا نراهن على كذا حتى سقط ثم نقول في عناد وركون أما كذا فلن يستطيع أحد عليه، ولكن في نهاية هذا المطاف وصلنا إلى هذا الحال.

ففي واقعنا وبدون مقدمات ها نحن ندفع ثمن أمور كثيرة منها الانقسام والأنانية الضيقة وخلافات الأحزاب حتى أصبحنا أثواراً متلونة يسهل للعدو أن ينهش اللحوم لوناً لوناً وفصيلاً فصيلاً وجماعة جماعة، فقد غاب تماماً العمل الجماعي الجاد القائم على الأخوة الوطنية وتقديم الدعم بين بعضنا البعض بكل أنواعه ما بين المادي والمعنوي، أيضاً لم نتنازل لبعضنا البعض من أجل النصر والعزة والكرامة، فلا القادة أدوا رسالتهم على أكمل وجه ولا الساسة قاموا بما يراد منهم في أماكنهم لعزم إدراكهم حساسية الواقع ومألات المصير، ولا ذلك الحزب أيضاً أعد عدته الكاملة فسار على خطى واثقة بهدف حماية ما يستطيع حتى أو ما يملك، فأصبحت الأحزاب أيضاً هدفاً لنفس ذلك العدو الذي ينال من الشعب الفلسطيني، فهل يدرك قادة فلسطين وسياسيوها والأحزاب مدى الدور المحوري في حال تمت الموافقة على رؤية موحدة لإنهاء الانقسام بكل هدوء وراحة بال وعمل دؤوب من أجل المجتمع ككل والحفاظ على الثوابت التي لا يجوز المساس بها، وإلى متى سنظل أثواراً بيضاء نؤكل ثم آخرون لنا تأكلهم هي نفسها الأنياب تلك التي أكلتنا، متى يدركون أن التوحد وتقديم التنازلات مرهونان بالانتصار المدوي في وجه أعداء الشعب، متى نصحوا على أخبار سارة بدلاً من الأخبار تلك التي تسعى هي لتيقظنا بأخبار الإحباطات هنا وهناك، وهل ما يجري في واقعنا منطقي، وهل يقبل به العقل أو يستطيع أن يستوعبه وخاصة إذا كان صاحب هذا العقل شريفاً ووطنياً وعروبياً، لنترك الزعامة والعلو والكبرة ولنقزم انفسنا من أجل وطننا ومن نقودهم لأنهم أوكلونا المسؤولية، فبتفرقنا وتشتتنا اصبحنا غير قادرين على تحمل تلك المسؤولية ولو بشكل مقبول، فكانت النتيجة كما ترون على أرض الواقع حالة احباط وقرف، هي حالة مأساوية لا بد أن ترحل، وكل الأمل في أصحاب النوايا الصادقة في ترحيل هذه الحالة والعمل على بسط العدالة ، وعلى إزالة حالة "القرف الجماعية" في أسرع وقت.