ثقافة البلطجة ونهب المال العام

بقلم: راسم عبيدات

لا أعرف كيف لنا ان نبني مجتمعات سوية،ونخلق بشراً منتمياً للوطن والمصلحة العامة،ونحن نعاني من خلل جوهري في التربية والثقافة ومنظومة القيم والمبادىء والأخلاق،وليس مطلوباً منا ان نصل الى مرحلة ما شاهدناه في كوريا الجنوبية،حيث رئيس الوزراء قدم اعتذاره للشعب الكوري ولأهالي الضحايا،فقد غرقت عبارة كورية،ونتج عن ذلك وفاة وإصابة (300) مواطن كوري جنوبي،ولم يكتفي بالإعتذار،بل اعلن عن تحمله المسؤولية والإستقالة من منصبه،لعدم نجاحه في منع الكارثة،واكثر من ذلك قام والد احد الضحايا،ووجه له صفعة قوية على وجه أثناء خطابه،ورغم ذلك استمر في خطابه واعتذاره لهذا الوالد ولكل أهالي الضحايا،ولا تقولوا لي بأن مثل هذا السلوك او تلك الثقافة مرتبطة بالقرب من الدين او البعد عنه،بل هذا نتاج تربية وثقافة ووعي وشعور عال بالمسؤولية والإنتماء،فأغلب مجتمعاتنا العربية،مجتمعات متدينه والدين مرتكز اساسي في وجودها وحياتها،ولكن تشيع فيها ثقافة البلطجة والنهب والسرقة والفساد وهدر المال العام،والكثير من السلوك اللا معياري،كذب،دجل، نفاق،تملق،فهلوة وغيرها،وبما يثبت بان الخلل بنيوي وأبعد واكبر من ان يتم إختزاله بالتدين والقرب او البعد عن الدين،فالدين في جوهره تعاليمه سمحة واخلاقيه،ولكن تلك التعاليم والعقيدة،لا تترجم وتنعكس الى فعل في سلوكنا وحياتنا اليومية،حيث ترى أناس يؤدون الفروض وكل الطقوس الدينية،ولكن على المستوى السلوكي والأخلاقي،نماذج سيئة في السرقة والنهب وهدر وسرقة المال العام،وإستغلال المنصب والموقع الوظيفي،والحرام عندهم هو ما لا تطاله أيديهم،وربما تكون غياب الديمقراطية والوعي ووجود حكومات قامعة وديكتاتورية والسلطة الأبوية وثقافة تقديس الفرد،من المسببات لمثل هذه القيم اللامعياريه،ولكن القوى التي تطلق على نفسها قوى ديمقراطية وتقدمية وثورية،لم تقدم بديل جدي وحقيقي،لا على صعيد الممارسة او النموذج،او خلق وعي وتربية بديلة،بل كانت إمتداد لما هو قائم،فعلى سبيل المثال عندما نتحدث عن فساد السلطة الفلسطينية الممأسس،نجد بالمقابل بأن المنظمات غير الحكومية،فيها أباطرة وحيتان من ناهيبي وهادري المال العام،ومن حولوا تلك المؤسسات الى إقطاعيات عائلية وعشائرية.

نحن امام ازمة شاملة تلف السلطة والمعارضة وحتى الجماهير،ازمة من القمة للقاعدة،فأنت تجد من يمارس كل الموبقات،يسرق،ينهب،فاسد ومفسد،بلطجي وازعر...يتحدث عن القيم والأخلاق والمبادىء والوطن والوطنية،ويطرح نفسه كمارتن لوثر وزعيم وطني وسياسي،ويتصدر المشهد والمسرح السياسي والإجتماعي والإقتصادي،وكذلك نحن لدينا سلوكيات مرتبطة بوعي مشوه وثقافة عجيبة غريبة،لا اعرف كيف يصنفها علماء الإجتماع والنفس،فقد تعودنا على ثقافة الخوف والترهيب،وكذلك السطو على وسرقة المال العام ونهبه وهدره،نسارع الى دفع فواتير الماء وضريبة المسقفات"الأرنونا"وأية قروض نحصل عليها من بنوك ومؤسسات اسرائيلية،وبالمقابل نفاخر ونشجع على عدم دفع أية فواتير لها علاقة بمؤسساتنا الوطنية من كهرباء وقروض مجلس إسكان وغيرها،فالفكرة المتكونة عند الناس والجماهير،بان تلك الأموال هي حق لهم،وبان تلك المؤسسات فاسدة وشلل من"الحرامية"،وهذه الفكرة والقناعات ترسخت،بسبب كون السلطة القائمة لم تشكل او تقدم نموذج ايجابي للجماهير،وكذلك إعتقاد واحيان يكون صادق،بان من يحاسب او يطبق عليه القانون والعقاب،هم الناس "الغلابا" والمسحوقين،اما الحيتان ورموز السرقة والفساد،فهم يصولون ويجولون ولا احد يقترب منهم،والشيء بالشيء يذكر في إطار السرقة للتيار الكهربائي،نجد بان هناك من لا يكتفون بالسرقة لأنفسهم،بل أصبحوا يقومون بالسرقة وبيع التيار للآخرين،وكذلك العديد من أصحاب المصالح التجارية والاقتصادية والمصانع وجدوا في مناطق(ج) والعديد من المخيمات ملاذاً لهم،من اجل بناء وإقامة مصانعهم ومصالحهم التجارية هناك،والقيام بسرقة التيار الكهربائي،بحيث التيار الذي يقومون بسرقته ربما يغطي فواتير سكان المخيم او القرية التي أقاموا وانشاؤوا فيها مصانعهم ومصالحهم.

والمسألة ليس قصراً على شركة الكهرباء او غيرها من المؤسسات العامة،بل تجد ذلك في الكثير من المؤسسات العامة،وعلى سبيل المثال احد سارقي التيار الكهربائي يفاخر ويتباهى بأن المكيفات لديه شغاله طوال النهار،وصاحب مزرعة يقول بأن مزارع دجاجه مؤمنه صيفاً وشتاءاً بالتدفئة والتهوية.

نحن "جهابذة" في الطرح والتشخيص والحديث عن ما تلحقه تلك الأمراض والمظاهر السلبية من مخاطر جدية على مجتمعنا،على ثقافته وقيمه واخلاقه وسلوكياته ووعيه،ولكن لا نعمل من اجل تغيرها او تعديلها،فعلى سبيل المثال لا الحصر،الكثير منا يعرف جيداً بأن فلان او علان يقيم حفلة عرس إبنه او بنته،ويقوم بسرقة التيار الكهربائي،وغير مستعد ان يقول له بان ذلك سلوك غير حضاري وسرقة للمال العام،والكثير منا يعرف بان هناك من يتعدى على اراضي الغير يزورها ويسمسر عليها،دون ان نقول له بأن ذلك جريمة بحق الوطن والمجتمع،وهناك العديد من البلطجية والزعران من يهددون السلم والأمن الإجتماعي،من خلال الإستقواء على الاخرين وإبتزازهم،لكون هؤلاء غير مدعومين عشائرياً أو حزبياً او جهوياً،ونجد بان شعورهم بالظلم الإجتماعي،قد يدفع بهم الى خانات خطرة،او ربما يخضعون ويلجأوون لغير من اجل حمايتهم والدفاع عنهم،او يؤثرون السكوت.

من ينهب ويسرق مال عام او يمارس البلطجة والعربدة والزعرنة على الناس وأبناء شعبه،لا يمكن ان يكون امين على وطن ومصالح شعب..واللصوصية والنهب والهدر للمال العام لا تستقيمان مع مصالح الوطن او النهوض به،نحن بحاجة الى ثورة شاملة في كل مناحي حياتنا،بحاجة لتربية جديدة، لزرع قيم ومبادىء وخلق وعي،لبناء ثقافة جديدة،من اجل ان ننهض بوطننا ومجتمعنا.

القدس المحتلة – فلسطين

0524533879

[email protected]