وكأن وزير الاقتصاد الإسرائيلي اليميني، نفتالي بينيت، كان حاضراً عندما نصح وزير الخارجية الامريكي الاسبق هنري كيسنجر صديقه رئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين، بتكسير الكاميرا، و منعها من تصوير الجنود الاسرائيليين وهم يكسرون عظام الاطفال الفلسطينيين في الانتفاضة الفلسطينية الاولى.
بينت في تضامنه مع الجندي الاسرائيلي الذي اطلق عليه المتضامنين الاسرائيليين "دافيد النحلاوي" نسبة الى كتيبة ناحل و الذي تصرف بعنف حسب وصف وسائل الاعلام الاسرائيلي ضد شابين فلسطينيين في مدينة الخليل وأشهر سلاحه في وجههما واستعد لإطلاق النار عليهما، بينيت قال "لو كنت مكانه لتصرفت مثله و الجندي تصرف بشكل صحيح، ولو لم يكن هناك من يصور لما وقع الحادث اساساً".
المعادلة الاسرائيلية هي أقتل ولا تسمح لأحد يرى كيف تقتل، لإخفاء الجريمة وحماية المجرم، ويستمر القتل من دون دليل، فالصورة وقعها أوجع و أكثر تأثيراً من الكتابة الإنشائية التي تكون مجردة و تفتقر للمشاعر الانسانية ولا توجع القلب وتؤثر في العقل.
فالكاميرا في الانتفاضتين الاولى والثانية فضحت جرائم الاحتلال، وفي عدوان 2008، 2012، دفع الاحتلال ثمناً غالياً لان الكاميرا كانت حاضرة في كل مكان في قطاع غزة، ومن اجل ذلك تعمل إسرائيل بكل قوتها من اجل تغييب الكاميرا والصورة.
بينت مع القتل ويشرعه بغياب الكاميرا لان الكاميرا هي تعري النظام المجرم القائم على القتل والعنصرية، فالصورة و شبكات التواصل الاجتماعي في اسرائيل كشفت زيف و ادعاء وكذب اسرائيل بان الجيش الاسرائيلي هو جيش اخلاقي.
الكاميرا كشفت الجرائم و العنف الذي يمارسه جنود الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية من دون محاسبة ومساءلة، وما التأييد والتضامن الكبير في المجتمع الاسرائيلي مع الجندي الاسرائيلي وما يقوم به جنود الاحتلال من ممارسات وعنف تصل حد الجرائم ضد الفلسطينيين، يعري حقيقة اسرائيل والمجتمع الاسرائيلي.
وسائل الاعلام الاسرائيلية وكأنها لا تعلم بممارسات الجيش الاسرائيلي والعنف والقتل بدم بارد الذي يقوم به الجنود في الضفة الغربية وقطاع غزة، فصور آلاف القتلى من الفلسطينيين غطتها كل شاشات التلفزيون وما زالت، فالادعاء أنها ذهلت من حملات التضامن وحجمها الكبير وغير المتوقع مع الجندي الاسرائيلي الذي تصرف بعنف مع الشابين الفلسطينيين، هو إدعاء كاذب فهي تعلم ان المجتمع الاسرائيلي ينزاح نحو اليمين والتطرف بشكل مستمر.
ولقيت أصداء واسعة في الإعلام الإسرائيلي، حيث انتشرت صور لوحدات في الجيش وجنود ورجال شرطة ومواطنين يحملون لافتة مكتوب عليها "أنا مع دافيد هنحلاوي". ورغم إعلان الجيش الإسرائي أن اعتقال الجندي لا علاقة له بالشريط المصور بل بسبب سلوك عنيف حيال الضباط المسؤولين عنه، ألا أنه لا زالت حملة التضامن متواصلة إلى درجة «اذهلت قيادة الجيش".
سلوك الجندي الاسرائيلي هو فيض من غيض من الجرائم التي تلتقطها الكاميرا و آلاف الجرائم والاعتداءات من الجنود والمستوطنين وحملات "تاج محير" ( دمغة الثمن) التي تغيب الكاميرا عنها، ويتم تغييبها وتحاول اسرائيل اخفاء جرائمها التي ترتكبها قوات الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة وضد الفلسطينيين من عرب الداخل، والاشتباك اليومي مع الفلسطينيين.
الكاميرا غائبة عن حصار غزة ومآسيه ومليون وثماني مئة الف من الناس يعانون الفقر والبطالة والمرض وعدم صلاحية مياه الشرب و أزمة الكهرباء، والمئات من الضحايا دفنوا احياء في الانفاق، وآخرين قضوا جراء اغلاق المعابر ومنعهم من العلاج، والعدوان المستمر ضدها والقتل قصفاً بالطائرات.
الكاميرا غائبة عن جرائم سياسة الفصل العنصري والجدار الفاصل، وتعامل الجنود بعنف وعنصرية في الخليل و القدس اليومي و التعامل العنيف وبعنصرية على الحواجز في الضفة الغربية وفي كل الاماكن و اثناء الاعتقال، وإسرائيل تتهم الفلسطينيين بالتحريض على الارهاب والعنف والمجتمع الاسرائيلي ينحو للتطرف والعنصرية بشكل مخيف.
فالكاميرا تخيف اسرائيل و المسؤولين والتي دأبت على اخفاء جرائمها ومطاردة الصحافيين ومنعهم من تغطية الاحداث وما يقوم به جنود الاحتلال من ممارسات اثناء عملياتهم العسكرية من الاعتقالات والمداهمات وغيرها من الاعمال التي تحرص ان تكون بعيدة عن الكاميرا.
الكاميرا فضحت كثير من الجرائم، وعلى أهميتها فهي لا تطلق الرصاص، ومقاومة الاحتلال لا تعتمد على الكاميرا، واستغلالها في فضح الجرائم هو الى حين، فستة عقود من الاحتلال والقتل والاستيطان وتهويد ما تبقى من فلسطين بحاجة الى الوحدة الوطنية، ومواجهة الاحتلال بجميع وسائل النضال المتاحة.