كلنا نعرف أن القيادة المتنفذة في م.ت.ف تتصرف حيال أهم مؤسسة فلسطينية ( م.ت.ف ) باعتبارها مزرعة خاصة " للرئيس" وجوقته ومن لديهم الاستعداد للولاء والطاعة .هذه هي الحقيقة التي لا يستطيع أحد أن ينكرها. ولا نقول أي جديد حين نذكرها ذلك لأن الساحة الفلسطينية ، ليست استثناء ، ولا هي بعيدة عن واقع الأنظمة العربية المهترئة التي يحكم فيها الزعيم والملك والأمير ويعتبرها ملكاً وأن الشعب هو رعية ، وفق منطق الملك لويس الرابع عشر حين قال في العام 1655 " أنا الدولة " * . هذا بالضبط هو حال رئيس اللجنة التنفيذية مع منظمة التحرير الفلسطينية ، وجوهر العلاقة بينه وبين النظام السياسي الفلسطيني، الرجل اليوم يحكم وفق منطق لويس الرابع عشر بعد أن أصبحت م.ت.ف في حالة موت سريري ، وجرى تحويلها من منظمة للتحرير والعودة أسسها اللاجئون والفقراء والمثقفين الثوريين إلى منظمة لتغطية عورات النظام العربي الرسمي وتمرير مشاريع المفاوضات . لم يكن هذا هو حلم الفدائيين الأوائل من تأسيس المنظمة، كان من المفترض أن تكون صوتاً للشعب، لا صوتاً يجلده، عوناً له، لا مطية للذين باعوا حقوق وطحين المخيمات.
يستفرد " الزعيم " الفلسطيني في المؤسسة ويعتبرها مزرعة له، ورثها ويستحقها، أما البقية الباقية من موظفين وقوى وفصائل وشركات فهي رعية من عبيد لا حول لها ولا قوة ، أما الشعب فلا علاقة له في الأمر ولا يشارك في صنع قرارها . إن حالة الإقصاء الشامل للجماهير الفلسطينية أصبحت هي الحالة العامة المعروفة، كلنا نعرف هذه الحقيقة أيضاً. ونعرف أكثر : أن قيادة المنظمة لم تعد تملك الشرعية الأخلاقية ولا الشرعية الشعبية ولا القانونية، ويغضب صغار القوم حين نقول هذا الكلام ويدافعوا عن شرعيتهم لا عن شرعية المنظمة . وحين نقول أن م.ت.ف هي الانجاز التاريخي الأهم يجب أن نقول أيضاً أنه انجازاً لم يصنعه " الرئيس " بل صنعه الفدائيين الأوائل والثوار والفقراء والشهداء والاسرى. صنعته إرادة شعبنا وليست حركة أو تنظيم أو حزب.
أحوال منظمة التحرير لم تعد تسر صديق ولا تغيظ عدو ، وهي في الواقع مفرغة من جوهرها ومن اسمها ومن ميثاقها الوطني. يافطة متروكة للريح على قارعة الطريق. والأنكى من كل هذا أن السلطة الفلسطينية التي أسستها م.ت.ف لتكون ذراعاً لها صارت اليوم هي التي ترسم سياسات المنظمة ، لأنها باختصار سلطة اسرائيلية وأمريكية . تغولت على ( الدولة = م.ت.ف ) تماماً مثلما تتغول أجهزة الأمن في " الدول " العربية على مؤسسات الشعب وتحكم وترسم وتصوغ السياسية الداخلية والخارجية ومناهج التعليم ، ويحدد الجنرالات، أصحاب الأموال والبدلات الثمينة ماذا تقول الدولة وكيف يتصرف" النظام " !
إننا نشهد اليوم مرحلة أفول الفصائل الفلسطينية الصغيرة التي قبلت واقع م.ت.ف الراهن ، مقابل الحصول على مخصصاتها الشهرية ، تماما كما يقبل العبيد منطق سيدهم ، لم تسعَ لتغيير الواقع بل هي لا تريد تغيره أصلاً لأنها استمرأت سياسة العبودية والوظيفة . والمخصص الشهري ، وباستثناء الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، فلا يوجد أي فصيل فلسطيني يجرؤ على قول الحقيقة والتصدي لسياسات اليمين الفلسطيني المتنفذ في مؤسسة م.ت.ف ، وإلا كيف نفسر للناس أن موقع السيد ياسر عبد ربه في المنظمة أهم من صوت اللاجئ الفلسطيني ومن الأسير ومن الحركة الوطنية وقيادتها، بينما هؤلاء هم النواة الصلبة للحركة الوطنية الفلسطينية ومن يدفع الدم ويحيا العذاب الفلسطيني اليومي في السجون والمخيمات ؟
لقد دمرت القيادة المتنفذة كل مؤسسات م ت ف وفرّغتها من جوهرها ، ألغت المجلس الوطني الفلسطيني، أفسدت الاتحادات الشعبية والنقابية ، عماد المنظمة وقواعدها الشعبية ، واليوم صار من الواجب الوطني أن يعاد تاسيس المنظمة - للمرة الثالثة - بعد التاسيس الاول . 1964 والتاسيس الثاني عام 1968 وهذه هي مهمة وأولوية الثوريين وهي مهمة تاريخية لا تقبل التأجيل والتسويف والانتظار. منظمة التحرير كانت لفترة قصيرة منظمة للشعب وللمخيمات، ويجب أن يستعيدها الشعب مرة أخرى طال الزمن أم قصر ..