مر على نكستنا سبعة وأربعون عاماً...ولا أعرف لماذا سميت بالنكسة وليس بالهزيمة الساحقة،فالنكسة تطلق على من كان معاف وسليم وانتكس...أما من هو غارق في النكسات والهزائم..فكيف لنا ان نسميه منكوساً وليس مهزوماً بإمتياز؟؟؟...نعم في حزيران هزمنا بإمتياز والهزيمة لم يستكمل بها احتلال بقية فلسطين التاريخية فقط...بل وأراض للعديد من الدول العربية...ما زالت ترزح تحت الإحتلال المباشر(الجولان المحتل) وغير المباشر سيناء ووادي عربة،وكيف لنا ان نسمي ذلك نكسة وليس بشيء أكبر من النكبة؟؟!!.
منذ هزيمتنا في عام 1967 وحتى اللحظة الراهنة،لم نستطع ان نجسد حلمنا في تحرير ارضنا واستعادة حقوقنا الوطنية المشروعة،لم ننجز لا المرحلي منها بإقامة دولة فلسطينية على حدود الخامس من حزيران/1967ولا الإستراتيجي بإستعادة فلسطين التاريخية...أي باختصار فشلنا في نقل مشروع الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية الى الإمكانية الواقعية.
كانت لنا فرصة في الإنتفاضة الأولى- إنتفاضة الحجر- كانون اول/1987 بأن نحقق إمكانية إقامة دولتنا المستقلة،ولكن تسرعنا وعدم قدرتنا على الإستثمار الصحيح،أضاعت علينا تلك الفرصة،ولندخل بعدها في ظل غياب حاضنة عربية ودولية وضعف العامل الذاتي في دهاليز المفاوضات التي قادتنا الى أوسلو وسلطة بدون سلطة،سلطة ليست لها سيطرة لا على أرض ولا حدود ولا على أجواء ولا معابر ولا مخارج،ومنذ توقيع أوسلو وحتى اللحظة الراهنة مستمرين في مفاوضات عبثية وعقيمة،جربناها بكل أشكالها مباشرة وغير مباشرة،علنية وسرية،عن قرب وعن بعد،يرى فيها البعض المشروع والطريق الوحيد كنهج وخيار،من اجل تحقيق جزء من حقوقنا الوطنية(دولة مستقلة على حدود الخامس من حزيران)،ولكن هذا الخيار قادنا ويقودنا نحو الشرذمة والإنقسام،يقودنا الى فرض المحتل للمزيد من الحقائق والوقائع على الأرض،وفرض سياسة الأمر الواقع،فالإحتلال يتكرس ويتمدد فوق كل ارضنا إستيطانأً وتهويداً وأسرلة،وليبلغ الإستيطان مع تلك المفاوضات حد ال"تسونامي" في القدس،حيث سياسة التطهير العرقي،والسيطرة على المسجد الأقصى،الذي أصبح مقسم زمانياً بفعل إجراءات الإحتلال وممارساته بحقه،وما جرى في القدس أمس الثلاثاء من إغلاق للمسجد الأقصى في وجه المصلين المسلمين والمرابطين وطلاب العلم وموظفي الأوقاف،من اجل تسهيل دخول المتطرفين الصهاينة بقيادة أعضاء كنيست وحاخامات،وفي مقدمتهم ميخائيل بن آريه والحاخام المتطرف "يهودا غليك"حيث إقتحموا صباح هذا اليوم المسجد الأقصى من جهة باب المغاربة،يرافقهم (250) من زعرانهم المستوطنين،وتحت حماية عناصر الشرطة التي وفرت لهم الدخول،مارسوا طقوسهم التلمودية وشذوذهم في ساحات الأقصى،والحاخام المتطرف"يهودا غليك" شارك ثلاث مرات في نفس اليوم في عمليات الإقتحام ،وكان في كل مرة يدعو الى هدم مسجد القبة وإقامة ما يسمى بالهيكل المزعوم مكانه.
نعم من حزيران/1967 وحتى حزيران/2014 نكساتنا وخيباتنا تتعاظم...ويبدو ان كل برامج الفصائل الفلسطينية الوطنية التحررية والديمقراطية الإجتماعية لم تثبت صحتها في أرض الواقع،كما يحلو دائماً للفصائل القول ب"سوبريتها" وصحتها.
عانينا طويلاً من اوسلو وما جلبه من تقسيمات للأرض والشعب،ولم يكن اوسلو كما قال مهندس السياسة الإسرائيلية وثعلبها "شمعون بيرس" النصر الثاني لدولة الإحتلال بعد النكبة،بل كان الإنقسام المدمر الذي قاد الى تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ،حيث بفعل سموه ما شئتم الإنقلاب او الحسم العسكري الحمساوي في القطاع، حزيران/2007،حيث فصلت الضفة عن القطاع ليس بفعل الجغرافيا فقط،بل سياسياً وإدارياً،وأصبح لدينا حكومتان واحدة مقالة في القطاع واخرى في رام الله،وهذا الإنقسام زاد في ضعف العامل الذاتي الفلسطيني الضعيف أصلاً،ولتاتي التطورات اللاحقة لكي تفرض علينا إتفاق ومصالحة الضرورة،حيث حماس تعمقت ازمتها بفعل سقوط نظام مرسي والإخوان وتشديد الحصار على القطاع وإغلاق معظم الأنفاق من قبل النظام المصري الجديد،شريان حماس المالي والتجاري الرئيسي،في تمويل سلطتها واجهزتها وأفرادها،وكذلك رهاناتها الخاسرة على الحلف المعادي لسوريا وايران وحزب الله،هذا الحلف من جماعة "التتريك" ومشيخات النفط الخليجية،دفع بها للإنقلاب على حلفائها ومحورها لكي تصطف ضده،ولتكتشف بأن هذا الإصطفاف والوعود لم تقدم لها شيئاً لا على صعيد الدعم المالي ولا العسكري،وكذلك السلطة الفلسطينية،والتي عادت للمفاوضات متعارضة مع قرارات مؤسسات المنظمة واغلب مكونات الشعب الفلسطيني،وجدت بأن تلك المفاوضات لم تقدم لها شيئاً،بل هي غطاء لمواصلة اسرائيل لإستيطانها وإجراءاتها وممارساتها القمعية بحق الشعب الفلسطيني.
تلك التطورات والأزمات لحكومتي حماس في غزة والسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية،دفعتهما الى عقد لقاءات المصالحة في 23/4/2014 ،والتي تمخضت عن تشكيل حكومة الوفاق الوطني في الأول من حزيران الحالي،هذه الحكومة الإنتقالية والتي لا تحمل برنامجاً سياسياً والمنوط بها رفع الحصار عن القطاع وإعادة إعماره وحل مشاكله وازماته والتحضير لإجراء الإنتخابات التشريعية والرئاسية،هي تشكل اتفاق إطار لا اكثر،فهي المقدمات لمرحلة جديدة قد تؤدي الى طي صفحة الإنقسام،وتساهم في تقوية وتصليب العامل الذاتي الفلسطيني..ولكن ما هو قائم على الأرض وما هو مطلوب منها قد يطيح بما تحقق،وبالتالي يزيد من نكساتنا وخيباتنا،فالمطلوب ان يجري توافق فلسطيني على برنامج سياسي وعلى إستراتيجية فلسطينية موحدة،وكذلك شراكة حقيقية في القيادة والقرار السياسي لكل ألوان الطيف السياسي والمجتمعي،حتى لا نكون امام خيبة اكبر وازمة اعمق من شأنهما تبديد حقوقنا الوطنية وتفكك مشروعنا الوطني.