المقاطعة الأوروبية لاسرائيل وتأثيرها على القضية الفلسطينية

بقلم: حنا عيسى

تعيش إسرائيل هاجس انتقال المقاطعة الأوروبية لمنتجات مستوطناتها المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 إلى داخل حدودها.

ويواصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مساعيه لوقف مظاهر العزلة وبوادر العقوبات، وذلك بمحاباة الاتحاد الأوروبي ومحاولة التناغم مع مواقفه وابتزاز تعهدات من رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولتز بعدم فرض المقاطعة على تل أبيب التي انضمت إلى "منظمة حلف المحيط الهادئ" حتى يمكن للاقتصاد الإسرائيلي النفاذ إلى أسواق عالمية جديدة.

وأكد محللون وباحثون أن المجتمع الإسرائيلي بمختلف معسكراته السياسية يناهض المقاطعة الأوروبية "للدولة"، ويدعو للتمييز ما بين صادرات المستوطنات ومنتجات تل أبيب.

ويشكك هؤلاء بتصريحات رئيس البرلمان الأوروبي شولتز ويستبعدون تأثير ذلك في الرأي العام الأوروبي، فيما تباينت الآراء حيال الموقف الرسمي لأوروبا من الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

مقاطعة وموازنة:

من جانبه، أكد السكرتير العام لحركة "السلام الآن" يريف أوفنهايمر أن هناك إجماعا وسطا المجتمع الإسرائيلي بمختلف أطيافه ومعسكراته السياسية التي تناهض وتعارض أي مقاطعة أوروبية أو عالمية لدولة إسرائيل.

لكنه نبه إلى ضرورة التمييز بين عزلة دولية لإسرائيل ومقاطعة اقتصاد المستوطنات، وعدم منح منتجاتها الإعفاء الضريبي أو الاستثمار بالمشاريع الإسرائيلية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن الاتحاد الأوروبي يتخذ مواقف صارمة من المشروع الاستيطاني وينحاز ضد الاحتلال مع الشعب الفلسطيني ويتعاطف مع قضيته كون أن المجتمع الدولي مقتنع بضرورة التوصل إلى تسوية سياسية بموجب حل الدولتين وإنهاء الصراع، وعليه فإن المقاطعة الأوروبية للمستوطنات أو لربما لإسرائيل ستكون مقرونة بتقدم المفاوضات والعملية السلمية، على حد تعبيره.

غير أن أوفنهايمر لا يعتقد أن تصريحات رئيس البرلمان الأوروبي بعدم فرض المقاطعة على إسرائيل، من شأنها أن تكون بمثابة ضمانات لتل أبيب للحيلولة دون اتساع دائرة المقاطعة واستبعاد انتقالها إلى نفوذ إسرائيل.

وأضاف أن الدبلوماسية الأوروبية -وإن بدت متشددة بمواقفها وتمارس ضغوطا- تتعامل مع تل أبيب بموضوعية دون انحياز، وتسعى لخلق موازنة إزاء التعاطف الشعبي بدول الغرب مع الشعب الفلسطيني.

الأضرار والإبعاد:

كشف وزير المالية الإسرائيلي " يائير لبيد " في كلمة ألقاها أمام مؤتمر مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي الذي انعقد في تل أبيب النقاب عن بحث جديد اجري خلال الأشهر الماضية بناء على طلبه في قسم " الاقتصادي الرئيسي" التابع لوزارة المالية اظهر بان انهيار المفاوضات مع الفلسطينيين ستكلف الصادرات الإسرائيلية 20 مليار شيكل ما يعني فقدان 9800 فرصة عمل سيتم إغلاقها فورا وطرد من يشغلها كما أن إلغاء اتفاق الشراكة الموقع مع الاتحاد الأوروبي سيلحق بالصادرات الإسرائيلية أضرارا بقيمة 3:5 مليار شيكل سنويا .

وفقا لتقرير أصدرته الشهر الماضي وكالة الأنباء الأمريكية " AP " تحولت الحملة الدولية لمقاطعة منتجات المستوطنات واقع اقتصادي ملموس ويثير قلق المزارعين في مستوطنات الأغوار حيث أنخفض دخل 21 مستوطنة يهودية تعتمد على الصادرات الزراعية بنسبة 14% ما يعادل 29 مليون دولار بسبب رفض الكثير من شبكات توزيع المواد الغذائية الأوروبية شراء منتجات إسرائيلية يتم إنتاجها خارج الخط الأخضر.

إن إشارات ودلائل المقاطعة باتت حاليا منتشرة في الميدان حيث أعلن اكبر بنوك الدينمارك " دينسكا بنك " عن مقاطعة لبنك "هبوعليم " الإسرائيلي وضمه إلى قائمة البنوك التي يقاطعها نتيجة نشاطات هذا البنك خارج حدود الخط الأخضر .

كما أعلنت اكبر شركة تأمين في العالم " G4s " إنهاء عقودها الموقعة مع الحكومة الإسرائيلية والمتعلقة بحماية وتأمين المستوطنات على ان يسري إلغاء العقود مطلع العام القادم فيما فتحت الشرطة البريطانية تحقيقا ضد ائتلاف شركات التامين بشبهة تزويدها إسرائيل خدمات أمنية ووسائل تكنولوجية خلافا لتعليمات وتوجيهات " OECD" فيما اشترطت الحكومة الألمانية تحويلها منح مالية لشركات " هاي تيك " الإسرائيلية بامتناع هذه الشركات عن استثمار أية أموال خارج حدود الخط الأخضر وهنا يدور الحديث عن 12 مليون شيكل إضافة لمبالغ أخرى مخصصة للاستثمار في القطاع الخاص .

وفي باب تعزيز وتشجيع المقاطعة أصدرت الحكومة البريطانية إعلانا قالت فيه "انها لا توصي الشركات البريطانية بالاستثمار في المشاريع القائمة خارج حدود الخط الأخضر وذلك خشية التعرض لمشاكل قانونية كون المشاريع قائمة على ارض محتلة".

ووصلت المقاطعة إلى رومانيا التي ترفض إيفاد عمالها للعمل في قطاع البناء الإسرائيلي إلا بشرط أن يقتصر عملهم داخل الخط الأخضر فقط لا غير كما ألغت كافة الدول الأوروبية الإعفاءات الجمركية والضريبية الممنوحة لمنتجات المستوطنات ما يعني تعويض إسرائيل للمصانع القائمة في الضفة الغربية عن الخسائر التي تلحق بها .

امتنعت شبكات توزيع المواد الغذائية تحديدا الشبكات البريطانية والاسكندينافية عن شراء الفلفل والعنب والتمر البهارات والتوابل التي يتم استنباتها وزراعتها في منطقة الأغوار المحتلة ما سبب ضررا كبيرا جدا وفقا لما قاله رئيس المجلس الإقليمي لمستوطنات الأغوار "دفيد الحياني" الذي أضاف " عمليا ، اليوم لا نبيع الدول الأوروبية شيئا ".

من يقود المقاطعة:

خرج إلى عناوين الصحف يوم 9/7/2005 حملة دولية من 171 منظمة فلسطينية غير حكومية دعت إلى مقاطعة إسرائيل أكاديميا واقتصاديا وثقافيا ودعا قادة الحملة التي حملت الاسم " BDS" وهي الأحرف الأولى من " Boycott, Divestment and Sanctio –" الى هدم الجدار والى اعتراف إسرائيل بحقوق المواطنين العرف الفلسطينيين الذين يعيشون داخلها واحترام الحقوق السياسية للفلسطينيين.

ويبدو ان المقاطعة أثارت جنون الساسة الإسرائيليين فوصف نتنياهو المقاطعة بالعمل غير الأخلاقي وغير العادل وان من يقوم عليها لن يحقق هدفه " ان التهديدات بالمقاطعة التي صدرت عن الوزير " كيري " جعلت الفلسطينيين يتمترسون خلف مواقفهم الرافضة وبالتالي أبعدت هذه التهديدات السلام ويج ان يعرفوا بان أي ضغط لن يجبرني على التنازل عن مصالح إسرائيل الحيوية وعلى رأسها امن إسرائيل " قال نتنياهو .

وإصر رئيس حزب " البيت اليهودي" على موقفه رافضا التراجع عن مواقفه الثابتة ضد المقاطعة قائلا " لم يخلق بعد الشعب الذي يتنازل عن وطنه بسبب تهديدات بالمقاطعة الاقتصادية ونحن لن نقوم بذلك أيضا وفقط الأمن هو من سيأتي بالاستقرار الاقتصادي الذي لن تأتي باه دولة إرهابية قرب مطار بن غريون ونحن نتوقع من أصدقائنا في العالم أن يقفوا إلى جانبنا ضد محاولات المقطعة اللاسامية ضد إسرائيل وان لا يكونوا بوقا لها ".

وأخيرا يبدو أن معركة إسرائيل وحكومتها ومن يؤيدها في العالم ضد المقاطعة باتت معركة خاسرة لا يمكن كسبها دون تحقيق سلام وحل الصراع مع الفلسطينيين .