الاهداف الاستراتيجية للتقارب الايراني التركي في ظل غياب الامن القومي العربي

بقلم: علي ابوحبله

لا احد ينكر حقيقة التنافس بين ايران وتركيا من اجل لعب دور اقليمي في المنطقه في ظل غياب للموقف العربي من حقيقة الصراعات القائمه ، وفي ظل الصراعات والخلافات العربيه ، والانخراط من قبل البعض من النظام العربي في المخطط الامريكي الصهيوني الذي هدفه تدمير كل مقومات الامن القومي العربي ، لا احد ينكر ان هناك شوائب تشوب العلاقات بين ايران وتركيا حول ما تشهده سوريا ، الا ان حقيقة المصالح المشتركه ضمن استراتجيه ايرانيه لكيفية تحقيق اهداف ايران لتحقيق مصالحها في المنطقه يدفعا للتلاقي مع تركيا ، ان تطور العلاقات الايرانيه التركية كان مع بداية عام 2000 الا انه من الخطأ الاعتقاد بان الدولتين قد قامتا بتعاون شامل فيما بينهما ، وان هناك عدد من القيود قد حالت دون تطوير العلاقات الثنائيه ، اذ ان كلا الدولتين تمثلان نموذجين مختلفين في المنطقه من حيث طبيعة النظام السياسي ، حيث ان ايران تقف موقف المعادي للغرب وترى نفسها في صراع دائم مع الغرب والصهيونية وتسعى لمواجهة سعيهما للهيمنة على الشرق الاوسط في حين ان تركيا تحتفظ بعلاقات وثيقة مع الغرب وهي عضو في حلف الناتو وان علاقة تركيا بالولايات المتحدة التي تعد احد اهم اعمدة السياسة التركية.

هناك توجهات واختلاف في الرؤى بين ايران وتركيا فعلى سبيل المثال تدعم ايران لوقت ما حركة حماس لأنها ترى فيها قوة مقاومه لمواجهة الغرب وإسرائيل إلا ان دعم تركيا لحماس يرجع عن قناعتها بان انخراط حماس في العملية الديموقراطيه سوف يساعد على التطبيع مع اسرائيل ومن ثم تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقه ، وبينما تنظر ايران لإسرائيل على انها عدو للإسلام والمسلمين وتنظر اليها على انها كيان استعماري توسعي ، تعترف تركيا بشرعية اسرائيل ، خضعت العلاقات التركية الايرانيه لتطورات امنيه معينه لم تكن تنبع اساسا من التزام استراتيجي وهي تحتكم لمصالح استراتجيه وفق المنظور الاستراتيجي الخاضع لرغبة البلدين ، خضعت علاقة البلدين للتوتر بفعل الموقف التركي من سوريا حيث دعمت تركيا المجموعات المسلحه ضد سوريا وعبثت بالأمن القومي السوري وسمحت للمعارضة السوريه بالإقامة على اراضيها وانشات لهذا الغرض معسكرات للتدريب وشجعت على التدمير والتخريب للاقتصاد السوري.

واتهمت ايران تركيا بأنها تتدخل في الشؤون الداخليه السوريه وتسعى لخدمة المصالح الامريكيه الصهيونيه ومما زاد في ضبابية العلاقات التركية الايرانيه بعد القبض على مراد كارايلان احد قادة حزب العمل الكردستاني حيث انه في اغسطس 2011 ابلغت تركيا ايران بمكان وجوده في الاراضي الايرانيه من جبال قنديل ، وقد تمكن من الفرار بعد القاء القبض عليه مما اشعر تركيا بان ايران ابرمت معه اتفاقا ضد تركيا ، وازدادت العلاقات سوءا بين البلدين بعد نشر رادارات امريكيه على الاراضي التركية كجزء من منظومة الدرع الصاروخي لحلف شمال الاطلسي ، وان ايران مستهدفه من هذا الدرع الصاروخي لان المنطقه التي يتم فيها نشر الصواريخ لا تبعد عن طهران سوى حوالي 1200 كيلوا متر تقريبا مما يسهل على قوات حلف الاطلسي مراقبة تحركات الجيش الايراني وتتخوف ايران من الدور الاسرائيلي في نشر الرادارات وإمكانية المشاركه في المعلومات الاستخبارات بين الناتو وإسرائيل حول ايران.

مما زاد في توتر العلاقات بين البلدين في ظل عهد الرئيس الايراني احمد نجاد ووزير خارجيته ووزير الدفاع بانتقاد الموقف التركي في حينه ، ضمن التغيرات الدوليه والاقليميه التي تشهدها المنطقه اصبح هناك حاجه ملحه لإعادة العلاقات التركية الايرانيه وفق منظور استراتيجي يضمن مصالح البلدين خاصة وان الدول العربية تفتقد لإستراتجية امنيه تحفظ الامن القومي العربي وان ايران وتركيا يسعيان لإحداث تقارب فيما بينهما لاقتسام مصالح النفوذ وبما يحقق اهدافهما في التنمية وتطوير العلاقات ألاقتصاديه خاصة وان سياسة حسن روحاني تختلف عن سياسة احمد نجاد وان ايران تسعى لتحسين علاقاتها بدول الجوار وأنها تستعد لمرحله جديدة بعد رفع الحصار عن ايران وهي منطقة جذب اقتصادي وان الاتفاق حول برنامجها النووي مع الدول خمسة زائد واحد في جنيف يعيد لإيران انفتاحها الاقتصادي على مختلف دول العالم ، زيارة الرئيس حسن روحاني الى تركيا تعد الزيارة الاولى لمسئول ايراني رفيع المستوى منذ ما يقارب 18 عاما.

وليس مستغربا ان تتزامن زيارة روحاني الى تركيا مع المباحثات المباشره في جنيف التي تجري مع مسئولون ايرانيين مع كبار نظرائهم الامريكيين بشان الملف النووي الايراني وذلك لأول مره منذ قيام الثورة الايرانيه عام 1979 ، ان حقيقة وجوهر زيارة روحاني لإيران تعبر عن حقيقة تلاقي المصالح حيث صرح الرئيس الايراني انه سيبحث مع القادة الاتراك تطورات الوضع في سوريا وهو موضوع خلاف بين البلدين وان تحركات ايران تصب في ايجاد حلول تضمن وقف الحرب على سوريا ، وان روحاني في زيارته سيبحث في اقامة علاقات مثمره على الصعيدين التجاري والأمني ، وان الرؤيا الايرانيه ترى من الضروري لإيران وتركيا التعاون في كل المجالات وفي مواضيع متعلقة في مناطق القوقاز وشمال افريقيا وفلسطين والشرق الاوسط ضمن المصالح التي تجمع بين البلدين وان أي تقارب ايراني تركي يؤدي الى تحقيق انفراج في ألازمه وهو بوجهة النظر ألاستراتجيه الايرانيه الامريكيه تعد جوهر استقرار للشرق الاوسط ، وبحسب رؤيا وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ان تركيا جار لإيران وان العلاقات مع الجيران ذات اولويه قصوى في السياسة الخارجية لإيران ، وان احداث سوريا قد استحوذت على محادثات الرئيسين التركي والإيراني ، وان مسائل الطاقة والعلاقات التجاريه والاقتصادية قد استحوذت اهتمام الفريقين ، وقد ترأس الرئيس حسن روحاني ورئيس الوزراء التركي رجب طيب اردغان اجتماعا للمجلس الاعلى للتعاون الاستراتيجي المشترك وقد استحوذت تعزيز العلاقات الثنائيه محادثات الرئيسين.

وقد تم التوصل لعد من الاتفاقات والتوقيع على عدد من الوثائق التي تساهم في تعزيز التعاون بين البلدين ،وقد شارك الزعيمين في مراسم التوقيع على ستة وثائق للتعاون المشترك في مختلف المجالات الثقافیة والسیاسیة والاقتصادیة وكذلك في مجال الانتاج المشترك للأفلام السینمائیة الی جانب التعاون في قطاع السیاحة والجمارك والبرید ،وقبيل مغادرته طهران أكد روحاني في تصريح للمراسلين «أهمية الموقع الجيوسياسي لإيران وتركيا في ألمنطقة معتبرا العلاقات بين البلدين بأنها «فائقة الاهمية لتنمية المنطقة بأسرها». وأضاف: «يمكن بسهولة ربط الخليج العربي وبحر عمان بالبحر الابيض المتوسط او المحيط الهندي بالمحيط الأطلسي ومن هنا فان العلاقات بين البلدين تحظى بأهمية فائقة

واشار الى العلاقات السياسية والاقتصادية الجيدة بين البلدين خلال الاعوام الأخيرة مؤكدا اهتمام الحكومة بتطوير العلاقات مع الدول ألجارة وتم البحث خلال الزيارة العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية خصوصا النفط والغاز والكهرباء فضلا عن قضايا كالطرق والجمارك والسياحة والثقافة الى جانب التوقيع على وثائق للتعاون السياسي والأمني ولفت روحاني الى انه جرى الاتفاق خلال الزيارة الاخيرة لرئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الى طهران على التطوير النوعي للعلاقات ألثنائية مبينا انه خلال الزيارة الحالية عقد اول اجتماع للجنة المشتركة العليا المؤلفة من وزراء ايرانيين وأتراك للبحث في القضايا المهمة وتحدث عن مجاورة البلدين للعراق ومجاورة تركيا لسوريا، وقال «لحسن الحظ فقد شهدنا خلال الاشهر الاخيرة تطورات ايجابية في المنطقة ما يستوجب البحث في هذا ألمجال ومن اهداف ايران مكافحة العنف والتطرف والإرهاب وأنها تتباحث مع جاراتها لأجل ارساء التعاون الميداني وإجراء التنسيق اللازم بين البلدين حيث تم البحث خلال الزيارة بشان مكافحة الارهاب والعنف ولا شك ان الاهداف ألاستراتجيه لهذه الزيارة هو في كيفية حماية مصالح ايران في القوقاز واسيا الوسطى نظرا لأهمية تلك المنطقه والتنافس القائم عليها نتيجة صراع المصالح حيث ان التواجد الاسرائيلي في تزايد في القوقاز واسيا الوسطى ، حيث ان الاهمية ألاستراتجيه للمنطقة تدفع ايران لتوثيق علاقاتها مع تركيا ومنطقة القوقاز تحوي ثلاث دول هي ارمينيا وجورجيا واذريبجان ، واسيا الوسطى تحوي خمس دول هي اوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان ، وتركمنستان ، وهذه الدول منطقة تنافس استراتيجي بين الولايات المتحده وكل من روسيا والصين وان التنافس يدفع لتشكيل تحالف اقتصادي من قبل روسيا ويشمل الدول المتنافس عليها.

وان هذه الدول تشترك في حدودها مع روسيا وإيران والصين وتركيا وتطل على بحر قزوين الغني بالنفط ، وان اسرائيل تولي اهتمامها بهذه المنطقه بحيث يتم توسيع منطقة اوراسيا في الخارجية الاسرائيليه لان الاهمية ألاستراتجيه لمنطقة القوقاز واسيا الوسطى تنبع من المحاور التاليه حيث انها تقع في موقع متوسط بين روسيا وتركيا والصين وإيران وبحر قزوين مما يجعل منها منطقة جذب حساسه ، وان هذه المنطقه تنبع اهميتها في انها ممر مهم لخطوط الطاقه القادمه من اسيا الوسطى وبحر قزوين والواصلة للبحر الابيض المتوسط ، وعي تعتبر سوق تجاري مهم وسوق متعطش للاستثمارات واسواق مفتوحه للمنتجات ، وهي سوق مفتوح لاستيراد السلاح والخبرات العسكريه والامنيه وتعد مخزون هائل من النفط والغاز والفحم واليورانيوم والذهب والفضه وباقي المعادن الاستراتجيه ، وان التوجه الاستراتيجي الايراني في تدعيم علاقته في تركيا هو للحد من التعاون التركي الصهيوني الذي ساعد اسرائيل في التوغل في تلك الدول ، اضافة لدعمها المالي لدول المنطقه التي تتماشى مع السياسه الاسرائيليه وان هناك رغبة امريكيه في محاصرة روسيا والصين وايران وتامين موارد النفط في المنطقه اذ ان الولايات المتحده الامريكيه تمتلك 44 % من اصول شركات النفط في منطقة القوقاز وبحر قزوين وان امريكا تسعى الى تقليص اعتمادها الى اقصى حد ممكن على نفط الخليج ، ان اهداف الكيان الاسرائيلي في التغلغل في تلك المنطقه يهدف للظهور كقوه اقليميه تلعب دور مؤثر في المنطقه معززة بذلك نفوذها العالمي ، وكذلك العمل على اضعاف الامن القومي العربي وعزل العرب عن الامتداد للدول الاسلاميه في تلك المنطقه وعزل تلك الدول عن محيطها العربي ومحاصرة وتطويق ايران ، وان الدور الوظيفي المنوط بالكيان الاسرائيلي هو بكيفية العمل لاجل الحفاظ على مصالح الغرب وامريكا وذلك بالعمل والحيلوله دون عودة روسيا كقوه عظمى ومنع التوسع الايراني والصيني والعربي في المنطقه والعمل على تامين خطوط بديله لخطوط النفط المارة بروسيا والمتوجهة الى اوروبا ، ان ايران وهي تدرك ابعاد التغير في موازين القوى الدوليه والاقليميه حيث تتلاقى المصالح الايرانيه التركيه بابعاد استراتجيه ضمن مصالح اقتصاديه متكامله بين البلدين فان العلاقات الايرانيه التركيه تكتسي اهمية استراتجيه في مختلف ابعادها وذلك في ظل الغياب للموقف العربي الموحد والتفكك العربي والذي من ضمنه الحرب على سوريا وهدفها اسقاط الدوله السوريه لاضعاف روسيا ومحورها في المنطقه والحيلوله دون التمكن من اقامة تحالف اقتصادي لمنطقة اوراسيا حيث تسعى روسيا والصين لذلك ،ان اسرائيل وهي تسعى لتعزيز تواجدها في المنطقه تعمل لتامين خط جيهان النفطي حيث تسعى لتامين منابع النفط التي تغذي خط الانابيب الذي يمتد من اذربيجان ثم جورجيا حتى ميناء جيهان التركي ثم الى ميناء عسقلان ، وينقل النفط الاذريبجاني والكازاخستاني الذي يزود اسرائيل بما يقارب 40 % من جاتها النفطيه وتسعى اسرائيل مستقبلا لعمل خط انابيب يصل عسقلان بايلات على البحر الاحمر وذلك لتصدير النفط من ايلات لدول اسيا كاليابان والهند والصين بحيث تصبح اسرائيل واحدا من ممرات الطاقه العالميه ، وهي تسعى من مخططها هذا للتقليل من الاهمية الاستراتجية لقناة السوريس والحد من الهيمنه الروسيه على ممرات النفط وكذلك الى اضعاف تاثير روسيا على اسيا الوسطى والقوقاز وعزل الصين وايران عن الثروات النفطيه لتلك المنطقه ، هناك اهداف استراتجيه للتقارب الايراني التركي وهناك ابعاد استراتجيه للتحرك الروسي الصيني في منطقة اوراسيا وان الصراع الدولي والاقليمي يتمحور في منطقة اوراسيا التي تشكل منطقة الثقل الاقتصادي ومنطقة جذب للاستثمارت وهي في معادلة التغير الدولي والاقليمي ، ان الدعوه الايرانيه لضرورة التلاقي بين تركيا ومصر هي ضمن الرؤيا لما يجب ان تكون عليه المنطقه وفي كيفية محاصرة التمدد الاسرائيلي والتصدي للمخطط الامريكي الصهيوني ومن اولى اولويات الاستراتجيه الايرانيه بتلاقيها مع تركيا هو بكيفية الحفاظ على محور ايران العراق سوريا وحزب الله وذلك ضمن اهمية الحفاظ على خطوط الغاز والطاقه وضمان المنافسه في ظل ما تشهده المنطقه من تغيرات وان حقيقة ما يواجهه العالم من صراعات يعود الى هذا التنافس للاستحواذ على المكاسب والمغانم والتي هي في محصلتها على حساب الحق العربي والامن القومي العربي وذلك ضمن الاهداف الاستراتجيه الايرانيه وتلاقيها مع تركيا بغياب الموقف العربي الموحد وغياب الامن القومي العربي.