من ينبغي أن يعتذر للآخر

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

هل يعقل أن يقدم الفلسطينيون اعتذارهم للإسرائيليين على ما اقترفوه بحقهم من جرائم عبر التاريخ وفي هذا الزمان، نيابةً عن غيرهم، أو بالأصالة عن أنفسهم،

وهل يتحمل الفلسطينيون مسؤولية تيه اليهود وسبيهم، وضياع ملكهم، وشتات شعبهم، وتدمير هيكلهم، والصغار الذي لحق بهم في تاريخهم، ونظرة المجتمعات الدونية لهم، واحتقارهم لهم، لسوء أخلاقهم، وفحش معاملاتهم، وطمع نفوسهم، وجشع طباعهم،

أم أنهم يتحملون مسؤولية معاناتهم في أوروبا وطردهم منها، وهم الذين أفسدوا فيها، واستنزفوا خيراتها، وسيطروا على أموالها، وتحكموا في تجارتها، وحركة رأس المال فيها، كما تآمروا على أهلها، وعمدوا إلى استخدامهم أدواتٍ في مشروعهم، ودمىً يحركونها بين أيديهم،

أم أن الفلسطينيين هم الذين نصحوا هتلر بمعاقبتهم وحرقهم، ونفيهم وإبعادهم، خوفاً منهم، وعدم ثقةٍ فيهم، تجنباً لشرورهم وأحقادهم، وإنقاذاً لشعبه منهم،

أم أن الفلسطينيين هم الذين غزوا فلسطين واحتلوها، وهم الذين طردوا اليهود منها، وأجلوهم عنها، وسيطروا على بيوتهم ومزارعهم، وسكنوا في مدنهم وقراهم، واستوطنوا في أرضهم وبلادهم،

أم أن اليهود هم أصحاب حقً في فلسطين، فنازعهم الفلسطينيون عليها، وضيقوا عليهم العيش فيها، فصادروا أرضهم، ودنسوا مقدساتهم، واعتدوا على حرماتهم، وزجوا بأبنائهم في السجون والمعتقلات، وساموهم فيها سوء العذاب، وحرموهم من أهلهم واسرهم، وأبعدوهم عن ذويهم وأطفالهم،

كأن الإسرائيليين لم يخطفوا شعبنا، ولم يحتلوا أرضنا، ولم يسلبوا خيراتنا، ولم يدمروا بلادنا، ولم يعيثوا في ديارنا فساداً، ولم يتسببوا في شتات شعبنا، ولجوء أبنائه، وتمزق أهله، وكأنهم لم يقتلوا ولم يعتقلوا، ولم يطردوا ولم يبعدوا، ولم يصادروا ولم يحرموا، ولم يتسببوا في جريمة العصر الكبرى بحق البشرية والإنسانية كلها،

نحن لا نريد منهم اعتذاراً لا يفيد، ولا نقبل منهم أسفاً لا يغني، ولا ننتظر منهم ذلك أبداً، بل نريد استعادة أرضنا، وتحرير أبنائنا، وعودة أهلنا، وإقامة دولتنا، وهذا ما سنحققه بأيدينا إن شاء الله، لكن بعزمٍ وإيمانٍ، وصدقٍ ويقين،

كما لا اعتذار لهم عن مقاومةٍ هي لنا حق، ولا عن سعيٍ للحرية هي لنا هدف، ولا عن محاولةٍ لتحريرِ أسرانا هي عندنا حلم، ولا عن صمودٍ هو فينا أصل، ولا عن ثباتٍ هو لدينا عقيدةٌ ويقين،

فهل تعتذر أمٌ لقاتل ولدها، أو يعتذر طفلٌ لمن حرمه من والده قتلاً أو أسراً، وهل يعتذر شعبٌ لعدوٍ قتل عشرات الآلاف من أبنائه، وما زال يقتل، وهل يعتذر لاجؤون طردوا من ديارهم، أو مشردون هدمت بيوتهم، أو منكوبون في وطنهم وشعبهم، أم يعتذر أصحاب الحق للمستوطنين المغتصبين، وللوافدين الغرباء،

لا اعتذار لهم، وليس منا من يعتذر إليهم أو يتأسف، ولا ندم على فعلٍ قمنا بها، ولا على مقاومةٍ سبقنا بها، ولا أسى على ما قدمنا من ضحايا أو شهداء، ولا تأنيب لمقاومين حاولوا الثأر والانتقام، أو سعوا للضغط والإكراه، ليجبروا العدو على الخضوع والقبول، بتحرير أسرانا وهم الأبطال، وعودة أبنائنا وهم الأعزاء، واستعادتهم وهم الغر الميامين،

لا اعتذار لنبقى كباراً، ولا أسف لنبقى كراماً، ولا ندم لنبقى محترمين، ولا احساس بالذنب لنبقى أعزة، ولا لعن لماضينا وتجريم لتاريخنا، ولا تنكر لشهدائنا ولا تخلي عن أبطالنا، لا اعتذار إلا لشعبنا الذي قصرنا في حقه، وللأسرانا الذين الذين عجزنا عن تحريرهم.