ما يسمى بمشروع الربيع العربي،واضح انه في مراحله الأخيرة،ومأزقه يتعمق ليصل حد الإنهيار،ولذلك نجد انه أصبح اكثر دموية،فالأنظمة التابعة والهجينة عندما تستشعر الخطر الداهم الجدي على وجودها،مستعدة للقيام بأي شيء من اجل حماية هذا الوجود والدفاع عنه،تقتل،تفجر،تعيث الخراب والفساد،تغير تحالفاتها وتتحالف مع الشاطين،المهم بقاء نظامها وإنقاذه وحماية ممالكها وإقطاعياتها.
وهذا المأزق لهذا المشروع الذي راكم الفشل تلو الفشل منذ بداية عدوانه على سوريا قبل ثلاث سنوات واكثر،حيث كان الهدف النظام،الدولة،الجيش ،الموقف والجغرافيا السورية،الحرب بدات وكان خلفها دعماً وتمويلا مالياً وصل حد المليارات من الدولارات وتسليحا بأحدث انواع الأسلحة المدفوعة الثمن خليجيا(قطرياً وسعوديا) وتركياً ومداً بالرجال من مختلف الجماعات الإرهابية،قاعدة،جبهة نصرة،سلفية،داعش،إخوان مسلمين،ناهيك عن توفير قواعد واجهزة العمل الإستخباري المتطورة والدعم اللوجستي والحضانة والغطاء السياسي والإعلامي لأكثر من (130) دولة بما يطلقون على انفسهم أصدقاء سوريا،الذين كانوا على احر من الجمر ينتظرون سقوط النظام ورحيل الرئيس السوري المقاوم بشار الأسد،والذي دأبت وسائل الإعلام والفضائيات الصفراء والماجورة وفي المقدمة منها"الجزيرة" و"العربية" على القول بان الرئيس السوري موجود على ظهر بارجة روسية في عرض البحر،وكانوا مثل الكلاب المسعورة ينتظرون لحظة نهش سوريا وإقتسامها،وبسط نفوذهم وسيطرتهم وتسييد مشروعهم الظلامي التكفيري الفوضوي في المنطقة.
حالة الإستعصاء والصمود السوري أربكتهم وأخرجتهم عن طورهم اكثر من مرة،وجعلتهم يتهاون ويتساقطون على مذبح الصمود السوري،غيروا أنظمة وأقصوا قادة على خلفية الفشل في معالجة الملف السوري،ولم يحصدوا سوى المزيد من الفشل المتراكم،والنظام السوري كان يحقق المزيد من الإنتصارات عسكرياً وسياسياً،ولم يعد خيار رحيل النظام مطروحاً او على اجندته،حيث شهدنا مدى الإلتفاف الشعبي والجماهيري حول القيادة السورية من خلال الزحف الجماهيري الكبير على السفارات السورية الموجودة في بيئة ودول معادية للنظام من اجل المشاركة في الإنتخابات،تلك الإنتخابات التي كما كان متوقعاً جددت الثقة بالرئيس السوري بشار الأسد لولاية ثانية.
بعد إنهيار دول المنظومة الإشتراكية وفي المقدمة منها الإتحاد السوفياتي،بسبب بيروقراطية الأحزاب الشيوعية وفسادها،خلقت امريكا لتوابعها من العرب وتحديداً ما يسمى بمعسكر الإعتدال العربي،عدواً إفتراضياً جديداً ألا وهو ايران،ايران التي تتحول الى قوة إقليمية وتصر على إمتلاك التكنولوجيا النووية،وأصبحت تلعب في ملعب واشنطن في اكثر من ساحة وتشكل منافس قوي لها وخطر جدي على مصالحها،ولذلك كان لا بد من تصوير ايران على انها العدو المركزي للعرب والمسلمين وليست اسرائيل،في إطار حرف الصراع عن أساسه من صراع عربي- صهيوني الى صراع عربي- فارسي،وليس مطلوب تجند العرب وقياداتهم المتهالكة وتحديداً من ما يسمى بمعسكر الإعتدال،بل المطلوب نقل الفتنة شعبياً،فتنه مذهبية سني- شيعي،بحيث تشارك فيها المؤسسات والمراجع الدينية والمؤسسات والقوى الشعبية،ورأينا كيف أصبح التحريض المذهبي في اعلى درجاته وتم شيطنه ايران وتكفيرها...وتم توظيف كل هذا الحقد والتحريض المذهبي والطائفي فيما يسمى ب"الثورات العربية" و"الربيع العربي"،بحيث لم تشهد منطقتا العربية مثل هذا التحريض والفتن المذهبية والطائفية لعقود خلت،وانتشرت الجماعات الإرهابية والتكفيرية والقتلة انتشار النار في الهشيم موظفة الدين لخدمة جرائمها وإرهابها ووجود حاضنات ترعاها وتمولها وتدافع عن جرائمها،ولذلك أصبحت تمارس عمليات قتل الناس بطرق وحشية وبوهيمية وهمجية في ليبيا والعراق وسوريا ومصر ولبنان دون أي وازع ديني او اخلاقي.
الدول التي فرخت واوجدت البيئة والحاضنة ودعمت ومولت وسلحت تلك الجماعات،تجد نفسها اليوم تعيش حالة رعب وكابوس،ليس من خلال إرتداد إرهاب تلك الجماعات على دولها واستقرارها وانظمتها،بل عريها وخوفها ناتج عن أفول تلك الجماعات،ودفع الفاتورة للمنتصر،وما هي الشروط والإستحقاقات التي سيطلبها؟؟،وكذلك من الهام جداً قوله لكي تختفي وتندثر تلك الجماعات،ويجري استئصالها ليس فقط بالمعنى البشري،بل كنهج وفكر وحواضن وبيئة،فلا بد من قيام انظمة وطنية تحمل مشروع تقدمي نهضوي،وليس بمعزل عن ديمقراطيه حقيقية،وكذلك مصالحات بين مجمل مكونات المجتمع،وتنمية مستدامة وإصلاح جذري،وهذا المشروع الكبير بالضرورة ان يكون لديه حوامل قادره على النهوض به،ونحن هذا المنجز والمشروع المتحقق لن يكون قادر على حمله وقيادة لواءه في هذه المرحلة الحالية سوى النظام السوري،النظام السوري الذي يرسي قواعد جديدة لنظام جديد على انقاض ما يسمى ب"الربيع العربي" الذي يندحر ويتراجع.
ان قيام الدولة الوطنية المقاومة المتزاوجة مع الديمقراطية والإصلاح،ستكون منجز بالمعنى التاريخي يتفوق على غزوة "الربيع العربي،هذا المنجز الذي بقيت الأمة العربية تحلم به منذ زمن بعيد،حيث دائماً كانت تتكالب قوى إستعماريه غربية وبادوات عربية تابعة وماجورة،لمنع تبلور أي حالة نهوض وطني وقومي عربية من شأنها ان تهزم تلك المشاريع،وان تعيد الحقوق العربية المغتصبة من أراض واوطان،في المقدمة منها فلسطين،وان تعيد للمواطن العربي كرامته وحريته المسلوبتين،وان تنهض باوضاعه وتخرجه من حالة الضعف والفقر والجهل والتخلف،وبما يمكن ويجعل قيام حالة نهضوية تقدمية وتنموية عروبية شاملتين ممكنة التحقيق.
إن نجاح سوريا في صد الحرب الشاملة التي شنت عليها،وصمودها وإنتصارها،بفضل حكمة قيادتها وصلابتها وثباتها،وكذلك وطنية جيشها وعمق إنتماء شعبها،والتربية الوطنية وليس الفئوية،شكلت العوامل الأساسية في تحقيق هذا النصر،وكذلك لم يتحقق ذلك بمعزل عن الدعم والمساندة من الحلفاء وفي المقدمة منهم ايران وحزب الله وكل قوى المقاومة العربية،وروسيا والصين ودول البركس.
ما يحصل من تطورات في المنطقة سواء في العراق،حيث"داعش" تقوم بالقتل الجماعي على الهوية،ليس له علاقة بالثورة،بل ما تقوم به داعش مرتبط خلقها ودورها امريكياً وخليجياً وتركياً في إيجاد كيان سني يباعد سوريا عن العراق ويكسر إمتداد الهلال الشيعي الى الشام ولبنان،وكذلك الضغط على النظام السوري،وما يحصل كذلك من عدوان على الشعب الفلسطيني له إرتباطات عميقة بالتطورات الحاصلة في المنطقة.
صحيح بأن سوريا أصبحت تفرض معادلات كبيرة في المنطقة،تطال اكثر من ساحة،حتمت على الحلف المعادي ان يعترف بإنتصارها،فحتى أوباما،سلم بالإنتخابات الرئاسية السورية،وبأنه لم يعد ممكناً إسقاط الأسد،وانتصاره عزز من دوره ومكانته كرئيس عربي مقاوم،وحقق إنجازاً غير مسبوق للمشروع القومي العربي،وفتح آفاقه على إنتصارات كبرى لاحقاً،ولكن الحلف المعادي ما زال رغم كل خسارته يحاول ان يثبت قوته ووجوده،فتارة يضرب في العراق وأخرى في لبنان،ولكن لم يعد قادراً ان يفرض شروطه،بل الان دور الأسد كمنتصر وقائد مشروع مقاوم في فرض الشروط.