عشرون عاماً على الرحيل: توفيق زياد حضور أقوى من الغياب

بقلم: شاكر فريد حسن

في الخامس من تموز قبل 20 عاماُ رحل الشاعر والمناضل الفلسطيني والشخصية الجماهيرية الكارزماتية المحبوبة توفيق زياد (أبو الأمين) ، الذي يعتبر أحد أعلام الفكر الفلسطيني الحر ورجالات الحركة الوطنية والشيوعية الفلسطينية في الداخل ، ومن فرسان الشعر المقاوم والكلمة الوطنية الفلسطينية المقاتلة والملتزمة ، حيث لاقى مصرعه اثر تعرضه لحادث سير وهو في طريق العودة من أريحا .

ولتوفيق زياد مكانة خاصة في القلب ولدى فلسطينيي الداخل والخارج ، وحظي باحترام وتقدير بين أوساط القوى والشخصيات الوطنية والتقدمية الفلسطينية والجماهير الشعبية الفلسطينية العريضة ، وذلك بفضل نضالاته الدؤوبة، ومواقفه السياسية والوطنية والثورية الجذرية، ونشاطه الحزبي والبرلماني، وابداعه الشعري المقاوم الملتزم بالرؤية الجمالية الماركسية والهموم الوطنية والطبقية . وقد تركت وفاته أثراً بالغاً في نفوس وأفئدة محبيه وأصدقائه وأبناء شعبه ، ولم تتوقف الكلمات ولم تجف الأقلام والمحابر حتى اليوم عن رثائه وتأبينه واستحضار ذكراه . ويومئذ كتبت صحيفة "الاتحاد " العريقة أن "ارحموا توفيق زياد "عملاً بمقولته "ادفنوا أمواتكم وانهضوا".

ورغم مرور 20 عاماً على فقدانه ورحيله لكنه لا يزال أمام الذين عرفوه وخبروه منتصباً في الساحة بقامته الفارعة ، خارق النظر ، بعيد الرؤية ، لطيف المعشر ، منهلاً لوضوح الموقف السياسي، ومصدراً للاستقامة والنقاء الثوري ونظافة اليد والشجاعة والجرأة والإخلاص للقيم العليا.

كان توفيق زياد مناضلاً ثورياً لا تلين له قناة منذ نعومة اظفاره ، عرفته السجون والمعتقلات وأقبية الزنازين ، فلم تنحن هامته ولم تضعف عزيمته وإرادته بل ازدادت صلابة وعناداً في التمسك بالمبادئ والقيم الوطنية والإنسانية والثورية التي حملها. عاش متمرداً ومات متمرداً ، مخلصاً للقيم والمبادئ الرفيعة . وهو جمل المحامل في حياته ومماته ، وقد نذر حياته لأجل بناء الإنسان الجديد المحب لوطنه وشعبه وأرضه ، الفخور بانتمائه وبهويته ، والمكافح من اجل انتصار مبادئه .

اختار الراحل توفيق زياد المبدأ الثوري الماركسي الجدلي عن ايمان راسخ وقناعة تامة ، ولم يداهن او يرائي ، ولم ينافق أو يتملق ، بل كان صادقاً بحق وحقيق ، فكراً وممارسة . تحلى بالحكمة والرزانة والمبدئية وسرعة الخاطر والانفتاح على الآخر ، وكان مثال الإنسان المثقف العضوي الحيوي النشيط والدينامي . وبمسيرته وفكره وسلوكه ونهجه يمثل ويجسد القيم العليا ، الوطنية والاجتماعية والأخلاقية ، التي أمن بها، ونؤمن بها، نحن أصحاب الفكر التنوري العقلي والنقدي . وهذه المسيرة هي ملحمة نضالية وقتالية من أجل سعادة وحرية شعبه وجميع الشعوب المضطهدة ولاجل العدالة الاجتماعية والسلام العادل والشامل ، سلام الشعوب بحق الشعوب . وستبقى هذه المسيرة الغنية تراثاً ثورياً ملهماً للأجيال الفلسطينية القادمة .

توفيق زياد كان شاعراً صادقاً متألقاً اقتحم عالم الشعر والأدب في شبابه المبكر ،والكلمة الشعرية عنده عفوية صادقة غير متكلفة وغير متقعرة أو متحذلقة ، وانما نابعة من صميم القلب والروح والوجدان العاطفي ، وتحمل مشاعره وأحاسيسه الفياضة تجاه أرضه ووطنه واتجاه العمال والفلاحين والناس البسطاء . وشعره الوطني اللاهب والغاضب هو من" السهل الممتنع" ويتصف بالبساطة والفطرة الإنسانية والطبقية والانحياز لجموع الفقراء والجياع والمعذبين وجميع الكادحين . ويطغى عليه الالتزام السياسي والخطابية والمباشرة والغنائية ، وصوره الشعرية مستمدة من عالم الريف الفلسطيني والقرية الفلسطينية والمكان الفلسطيني ومن واقع الفلاح والعمال . ولذلك لاقى الاستجابة السريعة من اوساط الجماهير التي كان ينتمي إليها ويذود عنها وينافح من أجل مستقبلها وغدها المشرق الجميل والوضاء .

وفي النهاية ، توفيق زياد سنديانة إبداعية خالدة ضاربة جذورها عميقاً في تراب الوطن ووجدان الشعب وذاكرته الجماعية ، وصوت فلسطيني مؤثر ومجلجل ، امتاز بحضوره الكثيف ومساهماته الفاعلة في تحريك المشهد الفكري والسياسي الإبداعي الفلسطيني ، بآرائه وأفكاره النيرة المخلخلة للخطابات المقننة والمكررة ، ويبقى حضوره أقوى من غيابه .