لم اتناول هذا الحي من قبل في كتاباتي إلا مرورا سريعا في بعض الكتابات ، لكني اجد نفسي اليوم مندفعا لبعض الكلمات التي تأتي بعد زيارتي الاولى بعد خروجي القسري منه ، حيث توجهت اليه صباحا ، بعد سريان الهدنة المعلنة ،وبصعوبة بالغة تمكنت من الوصول اليه بسبب زحام الطريق حيث خيل الي ان جميع سكان قطاع غزة متجهين الى الشرق حيث حي الشجاعية ، وما ان دخلت الحي حتى داهمتنا رائحة الخراب وراحة الموت ، كان مقصدي شارع المنطار، حيث منزلي وحياتي من الطفولة الى الان ، في هذا الشارع ولدت واكتشفت ان ابي وجدي وأجدادي قد سبقوني للعيش في هذا الحي ، حي الكرامة والعزة والشهامة ، بوابة غزة ان لم يكن قطاع غزة ، حيث كان خط الدفاع الاول عن مدينة غزة طيلة صراعنا مع عدونا وعلى مر التاريخ، الالاف من الشهداء من ابناء هذا الحي ذهبوا فداء لفلسطين والأقصى والقدس ، كان لابنائة وعلى مر تاريخ هذا الحي دورا كبيرا في صياغة حضارة غزة وسكانها ، ولعب ابنائها دورا في تعزيز السلم الاهلي ، فكثيرا ما يتدخل بعضهم في فض النزاعات التي تنشب بين العائلات ، ليس في غزة بل في جميع قطاع غزة ، الشجاعية تسيطرعليها العادات والتقاليد الفلسطينية الاصيلة ، حيث ما زال سكانه يحتفظون بها الى يومنا هذا ، وتلمس ذلك في نمط حياتهم الاجتماعية والثقافية ، التي لن تندثر مهما طال الزمن .
اطلت السيارة على اول شارع المنطار ، واذا ارى الطريق المعبد ذو الارصفة على الجانبين وقد تحول الى تراب ، وبدأت المنازل المدمرة بفعل قصف طائرات الاحتلال الحربية لتحولها الى ركام ، بيوت اقاربنا وجيراننا اعرفها بيتا بيتا ، توقفت عند احد البيوت التي اعتقد ان الطائرات قد صبت جام حقدها على هذا البيت التي حولته الى قطع كبيرة ومن شدة قوة القصف او قوة الصاروخ الذي ضرب هذا البيت جعل المنازل التي امامه تتهدم ، وصلت بيتي واحمد الله رايته واقفا هناك بعض الاضرار لكن لا يهم ، الي الشرق حيث جبل المنطار هذا الجبل الاشم التي مرت عليه العديد من الجيوش والقوى عبر التاريخ ، بل ان تسميته بهذا الاسم كما ذكرت كتب التاريخ جاءت من وظيفة المنظار حيث كان يقف احد الجنود ليراقب الجيوش الغازية او المعتدية ، تم تحريف الاسم من المنظار الى المنطار ، لم يفعل به كما فعلت طائرات العدو الحربية ، حيث دمرت عليه اكبر خزان للمياه في مدينة غزة وربما القطاع ، والى جانب المنطار الى الشرق هناك فرع لشارع المنطار مؤدي الى منطقة كرم القبة، وهي منطقة سكنية انشئت في اعقاب حرب 1967 ، حيث ظهر حجم الدمار والخراب عشرات المنازل اصبحت ترابا وأثرا بعد عين ، وتجد نفس المشهد على الجانب الاخر في الفرع الثاني لشارع المنطار الذي يسمى محليا طريق الحاجة حمده حيث انتشر الدمار على طول الطريق حتى الطريق الشرقي لحي الشجاعية .، كل هذا بالإضافة الى تحطم الاشجار الخضراء على جانب الطريق وأسلاك الكهرباء وقطع الواح الزينكو وقطع الحجارة المختلفة الاحجام .
وفقت قليلا في الشارع لأري جموع المواطنين من سكان الشارع في منظر محزن ومؤسف اعادني الى صور النكبة الاولى التي لم نراها إلا عبر الصور الارشيفية او الكتب والأفلام الوثائقية ، تجسدت امامي هذا يحمل كيسا يحتوي على بعض ملابس لأسرته وآخر يحمل فراشا وثالث يحمل بعض الادوات المنزلية ، ويرجع السبب في ذلك وحمل هذه الاشياء أن ان معظم الذين خرجوا من بيوتهم كانوا ليلا ونهارا يفترشون الارض ويلتحفون السماء طيلة ايام الاسبوع الذي سبق .
ومع كل هذا توقفت مع عدة مجموعات من سكان الحي نتبادل اطراف الحديث عن هذا الظرف الذي احاط بنا وإذا بالقوة والصبر والصمود وعدم المبالاة ، الجميع قالوا سنبني بيوتنا كما كانت وأحسن ، الجميع مصر على الانتقام من هذا العدو الغاشم ، لم ارى احدا يبكي ، حتى اختي الذي دمر بيتها ذو الاربع طوابق عندما قمت بمواساتها وزوجها لم يبدوا لي منها أي حزن او اسف على تدمير المنزل ،وكذلك البقية ، بقدر الرغبة في العودة الى اعادة بناء البيوت ، هذا هو شعبنا ، وهذا هو سر بقائة التشبث بالارض ، ولعل هذا الصمود يكون درسا يصل الى قادة بني صهيون بانهم مهما قتلوا ومهما دمروا فلن ينالوا من عزيمة شعبنا ،
ان ما حدث في حي الشجاعية حدث في مناطق اخري في قطاع غزة في بيت حانون الابية ، وفي خزاعة البطلة ، وفي جميع انحاء القطاع ،
رأيت هذه المشاهد وتذكرت ما قرأته في بعض كتب التاريخ ، التي تناولت اسفار بني اسرائيل المليئة بارتكاب الجرائم ضد الانسانية ، حيث قصص الحرق والتدمير والقتل في العديد من المدن التي دخلوها عبر التاريخ هذا هو ديدنهم وسلوكهم ومنهجهم عبر التاريخ ،
امام هذه التضحيات التي يبذلها شعبنا من دماء ابنائه ومن مقدراته ، وأمام هذه الجرائم التي يرتكبها عدونا بحق الشعب الفلسطيني ليس في قطاع غزة بل في الضفة الغربية التي سقط فيها العديد من الشهداء لا لشيء لا لأنهم خرجوا للتضامن مع اهلهم في قطاع غزة ، على القيادة الفلسطينية التوجه بسرعة للانضمام الى المنظمات الدولية ، والتوجه الى محكمة جرائم الحرب لملاحقة هؤلاء المجرمين ، كما من الضروري ولان هذا هو وقته التسامي فوق كل خلاف، فالدماء التي تسيل غالية والوطن اغلى من الجميع ، لا بد من توحيد المواقف السياسية ، وعدم ترك قضيتنا للتلاعب في يد الغير ، لان ما حدث في مؤتمر باريس الاخير وتجاهله القيادة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية مؤشرا خطيرا لمحاولة العبث في فضيتنا ومصادرة قرارنا الفلسطيني المستقل ، لذلك يجب على كل القوى الفلسطينية ان تتفق بسرعة على وحدة القرار الفلسطيني وليكن قرار منظمة التحرير الفلسطينية ، والإصرار على ان لا قرار الا القرار الفلسطيني المستقل .
أكرم / أبو عمرو
غزة- فلسطين
28/7/2014