بعد مضي اثنان وثلاثون عاما ، على حادثة انتحار الشاعر اللبناني المبدع خليل حاوي بإطلاقه النار على نفسه من مسدسه الشخصية عقب مجزرتي صبراوشاتيلا ، التي ارتكبهما العدو الصهيوني المجرم ضد مخيمات الفلسطينيين في لبنان في ايلول /سبتمبر ١٩٨٢، وإثر الاجتياح الصهيوني للبنان، وشن الكيان الصهيوني للحرب والعدوان ضد لبنان وضد قوات منظمة التحرير الفلسطينية يونيو/حزيران١٩٨٢، وإحتلال العدو الصهيوني لأول مرة في تاريخ الصراع العربي / الإسرائيلي للعاصمة العربية الأولى / مدينة بيروت عاصمة لبنان ، تمكنت أخيراً من فهم الدوافع الإنسانية النبيلة ، والتي جعلت هكذا شاعر عربي / ثوري ، يساري ، مبدع ، ومتألق أن يقرر الانتحار ، فلقد ادرك انه لم تعد هناك فائدة ترجى من العرب والمسلمين ، وانه لاتوجد في هذا العالم الظالم عدالة ، ولاضمير انساني،ولارحمة ،ولاتوجد لاقوى ثورية ولا تقدمية ولااي شيء من واقعبة الشعارات الثورية البراقة التي كانت تملأ دنيا العرب ومجلاتهم وصحفهم ضجيجيا ونفخا وجعجعة ،شاهد كيف يقاوم الفلسطينييون ببسالة لمدة ثمانية وثمانين يوما ويصمدون صمودا لامثيل له ،بينما العرب في حالة موت سريري ، وشاهد كيف يذبح الفلسطينيون في مخيمي صبرا وشاتيلا ، دون ان يحرك بحر الدماء لالاف الشهداء المظلومين ساكنا ،لذلك قرر بمنتهى الشجاعة الانسحاب الثوري من هذه الدنيا بالانتحار ،لعل انتخاره يوقظ بعضا من ضمير وبعضا من امة ، وهي نفسها الأمة التي صرخ فيها الشاعر الفلسطيني / الثوري / العربي / الانساني محمود درويش، وهو يقول ، في قصيدته الشعرية الشهيرة ( أحمد الزعتر ) ، التي كتبها عقب مجزرة مخيم الزعتر ، وإبادته من قبل المليشيات المارونية المسيحية المتطرفة العنصرية ، والكتائب والقوات اللبنانية العميلة للعدو الصهيوني سنة1976، تاريخ 12 / 8 / 1976 الذي استشهد فيه قرابة 3000 آلاف فلسطيني ولبناني في مذابح " تل الزعتر " في مجزرة همجية بشعة عرفت بعملية " وليم حاوي " وكان عضو في المكتب السياسي لحزب الكتائب اللبناني حيث ترأس أكثر من 2000 مقاتل انعزالي وقام بقصف وقتل الآمنين واللاجئين الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر ........
وقد تضمنها ديوانه الشعري ( أعراس ) الذي صدر سنة 1977:
و كنت وحدي .... ثم وحدي ... آه يا وحدي ؟ !!
و أحمد..... كان اغتراب البحر بين رصاصتين
ثم يواصل الرائع محمود درويش تشخيصه للحالة الفلسطينية والعربية قائلاً :
مخيّماً ينمو ، و ينجب زعتراً و مقاتلين
و ساعداً يشتدّ في النيسان
ويضيف :
و من المحيط إلى الخليج ، من الخليج إلى المحيط
كانوا يعدّون الرماح
و أحمد العربيّ يصعد كي يرى حيفا ...و يقفز .
أحمد الآن الرهينه
و من الخليج إلى المحيط ، و من المحيط إلى الخليج
كانوا يعدّون الجنازة ، وانتخاب المقصلة
وعن الصمود الفلسطيني والحصار يقول درويش ، كما لوكان يصف غزة وخصارها والتفرد الصهيوني بها اليوم :
أنا أحمد العربيّ - فليأت الحصار
جسدي هو الأسوار - فليأت الحصار
و أنا حدود النار - فليأت الحصار
و أنا أحاصركم ....أحاصركم
و صدري باب كلّ الناس - فليأت الحصار
يا أحمد العربيّ... قاوم !
وقال أيضاً ، في قصيدته الشهيرة ( مديح الظل العالي ) ، عن الإجتياح الصهيوني للبنان ، وإحتلال عاصمته بيروت ، وعن محاصرة ، وصمود قوات وقيادة الثورة الفلسطينية في بيروت وضواحيها والجنوب اللبناني لثلاثة أشهر متتالية ، وعن مجزرتي صبرا وشاتيلا ، في ظل صمت عربي ، إسلامي ، إقليمي ، ودولي ، شبيهاً بما تعيشه غزة الآن:
بحر لأيلول الجديد
كم كنت وحــــدك ، يا ابن أمّي
لحمي على الحيطان لحمك ، يا ابن أمي
كم كنت وحـــــــــــــــــــــدك ! .....كم كنت وحـــــــــــــــــــــدك !
ويضيف :
كم كنت وحــدك ! أيوب مات ، وماتتِ العنقاءُ ، وانصرفَ الصحابة
ثم يضيف :
ووحـــدي …. كنت وحدي
عندما قاومت وحــدي … ســــقط القناع عن القناع عن القناع
ســـقط القنـاع
لا إخـوةٌ لك يا أخي ، لا أصدقاءُ يا صديقي ، لاقــلاع
لا الماء عنـدك ، لا الدواء ولا الســماء ولا الدمــاءُ ولا الشـــراع
ولا الأمـــام ولا الــــوراء
حاصـــــــــــر حصاركَ لا مفـرُ
سقطت ذراعك فالتقطها
واضــرب عدوك .. لا مَفرُ
وسقطت قربك ، فالتقطني
واضرب عدوك بي .. فأنت الآن حــرٌ
وحــــرٌ …… وحــــرُ
ويواصل كاشفاً للحالة العربية قائلاً :
سقط القناع :
عربٌ أطاعوا رومهم
عربٌ وباعوا روحهم
عربٌ …. وضاعوا
وعن مجزرة صبرا وشاتيلا/ هوية العصر ، والتي أصبحت متكررة في أماكن جديدة طيلة الوقت ، في التاريخ الفلسطيني المعاصر يقول :
صبرا ـــــ نزول الروح في حجر
صبرا ــــ لا أحد
صبرا ــــ هوية عصرنا حتى الأبد
صبرا ــــ هوية عصرنا حتى الأبد..... !!!
**********
وأمام الصمت العربي ، والاسلامي ، والإقليمي ، والدولي المخزي إزاء المجازر الصهيونية البشعة ، وحرب الإبادة المبرمجة التي يرتكبها العدو الصهيوني المجرم ، ضد المدنيين الفلسطينيين الأبرياء العزل ، في فلسطين المحتلة عموماً ، وفي قطاع غزة المحاصر على وجه الخصوص ، أقول للشاعرين المبدعين ، الثائرين الراحلين خليل حاوي ، ومحمود درويش :
أبشرا أيها الثائران / الغاضبان / الباكيان / العاشقان / الراحلان .... فلقد صَدَقَتْ نَبَؤتَكُمَا :
ــ ليست هناك أمة عربية ، وأكتشفت أنا الآخر ، مثلكما ومعكما ، أنها ماتت منذُ زمنٍ بعيد !! ، ولم يعد لها وجود ، إلا في حفلات ليلة رأس السنة !! ، ومآدب الطعام ، وأعياد الميلاد ، والحفلات الإستعراضية الأسطورية ، وفي السباق لشراء الأندية الدولية ، والعلامات التجارية ، وآخر ما أنتجته دور الأزياء و( الموضة ) في الغرب !!، وكذلك في مسابقات الأغاني والرقص والتهريج ، وكازينوهات القمار ، وبارات الخمر ، والمراقص ونوادي العراة في لندن وباريس وجنيف وروما ، وغيرها من كبريات العواصم والمدن الغربية ، وفي مباريات سباق الهجن ، وصراع الديوك ، وإنشاء الفضائيات ومحطات التلفزة ، من أجل التطبيع الإعلامي مع العدو الصهيوني ، وإدخال الوجوه الكالحة لقادته والناطقين بإسمه (عنوةً ) ، إلى كل بيتٍ فلسطين وعربي وإسلامي ، وإثارة الخلافات والفتن والنعرات المذهبية والطائفية في صفوف الأمة ، وتخريب الكيانية العربية / الإسلامية ، وتدمير ماتبقى من النظام العربي والإقليمي ....!!!
ـــ وليست هناك أمة اسلامية ، فقد حلّت بديلاً عنها ( دولة الخلافة الداعشية ) ، بالإضافة إلى عشرات المسميات الإسلامية المتطرفة ، التي تسعى لإظهار المسلمين على أنهم حاملي السيوف ، قاطعي الرؤوس ، وآكلي الأكباد والقلوب البشرية ، وقد أعادونا ـــ بحمدالله ــ إلى زمن العبيد ، والجزية ، والجواري ، والسبايا ، والرزايا ، وتخصصوا في " نكاح الجهاد"، وهامو أميرٍ المؤمنين المزعوم !! ( الخليفة الداعشي ) ، يأمر بهدم مقامات الأنبياء ( عليهم السلام ) ، وقبور الصحابة والتابعين وفرسان الإسلام ، وقادة الفتح الإسلامي ( رضوان الله عليهم أجمعين ) ، وتفجير المساجد ، ويفتي بأكل أكباد وقلوب البشر ، والتمثيل بجثث القتلى والموتى ، و رغم أن الأمة الإسلامية تفوق المليار ونصف المليار مسلم ، إلا أنها غائبة تماماً عن الحضور الفاعل للتماس مع فلسطين ، وتركت هؤلاء الدواعش والعصابات المتطرفة التي ترفع لافتات إسلامية مختلفة لمسمياتها الوهمية ـــ وماهي بالأساس إلا أدوات لأجهزة المخابرات الصهيونية والأمريكية والغربية ــــ ، تعمل بشكلٍ منهجي من أجل الإساءة للإسلام ، وتشويه صورة الإسلام وسماحته وعدله وعدالته ، وإنسانيته ورحمته ، من أجل تسهيل مهمة العدو الصهيوني المجرم ، والمدعوم من الولايات المتحدة الأميركية ، والغرب ، في الاستفراد بالشعب الفلسطيني المجاهد ، والمسجد الآقصى المبارك ، وذبح الفلسطينيين في قطاع غزة ، وتدمير القطاع ، بل محاولة إبادته ومحوه من الوجود، بينما يتم كل يوم قتل وإعتقال وقمع العديد من الفلسطينيين في القدس المحتلة والضفة الغربية والداخل الفلسطيني المحتل ، عداعن استمرار التهويد والاستيطان ، وسرقة الأراضي والخيرات والمقدرات والحقوق الفلسطينية....
ـــ وأيضاً ، تأكدت يقيناً ، أنه ليس هناك ضميرٌ إنساني ، أو عالمي ...!!!!
ـــ ودعني أصارحك أيها الشاعر المبدع ، المتألق ، الإنسان ، الحر ، المرهف ، الثائر ، المتفرد خليل حاوي ، أنا لا أملك مثلك ( جرأة الانتحار !!) ، والا لكنت فعلتُ مثلك ، لمغادرة هذا العالم الظالم ، المتوحش ، البشع ، القاسي ، والشريك بالجرائم ضد فلسطين وأهلها الطيبون ، الأطهار ، المجاهدون البواسل ، الأبطال ، الصامدون ، المرابطون ...
ــــ وياشاعر الثورة الفلسطينية ، وشاعر الثوار ، والأحرار ، شاعر المقاومة ، شاعر فلسطين والعرب والأمة ، شاعر الإنسانية ، وشاعر كل الأحرار والمناضلين على مستوى العالم ، يا أيها المتفرد بالإبداع والتألق والفرح ، في زمن الغربة والهجرة واللجوء ، يا محمود درويش أنت الحاضر دوماً ، ولاتغيب !! ، لا أملك مثلك القدرة الهائلة ، على مداورة الكلمات ، وإمتلاك زمام اللغة الساحرة ، والسيطرة عليها ، وخلق قصائد تجعل الحجر مسكوناً بالإحساس ، والثورة والتمرد ، والقوة ، والرغبة في الإستشهاد ، أو الإنتحار عشقاً أو ثورةً ، أو انتصاراً ، فأنت وحدك المتفرد بالجمال...!!
ـــ لكن الله ابتلاني بالتفاؤل الدائم !! ، ووزرع بداخلي الأمل ، والرغبة في البحث بين ثنايا الزمن ، والألام ، والأوجاع ، والمعاناة ، والتضحيات ، والصعاب عن الفرح ، وعن أي لحظة أو لمحة للإنتصار ، أو بريق انتصار، والنهوض والتحدي ، على أمل أن تكون هذه الأمة المسكينة، يوماً ما موحدة ، متماسكة ، منتصرة ، وقوية ، وأمام هذا الواقع المر ، المأساوي ، والصعب ، والتضحيات ، والخسائر التي تفوق الوصف ، أجد نفسي مضطراً للصراخ ، والبكاء، والعويل ، وسكب بحاراً من دموع الوجع ، واللهب المشتعل بداخلي غضباً وحرقة ونزيفاً وألماً ، لكني والله ـــ مثلي مثل كل فلسطيني متواجد في قطاع غزة ، أو في القدس والضفة الغربية المحتلة ، أو في الداخل الفلسطيني المحتل ـــــ ، لا أشعر أبداً بأية لَحْظِةْ أو مشاعر يأس ، أو إنكسار ، على العكس تماماً ، أشعر كما يشعر كل أبناء شعبنا الفلسطيني الصامد البطل ـــ أننا بمشيئة الله تعالى ــــ قادرون بعد على الصبر والرباط ، والصمود، والصبر والتحدي والتصدي، والمقاومة ، وصنع الإنتصار الحقيقي ــــ بإذن الله تعالى ـــــ ...
سامحوني ، فرغم عنادي وتفاؤلي الدائم ، ويقيني المطلق بحتمية النصر الفلسطيني / العربي / الإسلامي / الإنساني ـــ بإذن الله تعالى ـــ على الكيان والإحتلال والمشروع الصهيوني العنصري المدعوم من الولايات المتحدة والغرب ــــ إلا أنني ، وبسبب المرارة الشديدة جداً ، والحزن والوجع والألم الطاغي ، والأسى، والغضب ، والغليان ـــ نتيجة العدوان الصهيوني الإجرامي البربري ، وحرب الإبادة الصهيونية ضد قطاع غزة الصامد ، لم أعد ــــ في الوضع الراهن ـــ أؤمن بوجود شيئ أسمه ( الأمة العربية والإسلامية ) !!! ، وأجد نفسي مضطراً لتأييد ما خرج به المفكر والفيلسوف البحراني / العربي / الإسلامي ؛ من رؤية ونظرية خطيرة ، إعتبر فيها أن :( الأمة الإسلامية والعربية تحولت إلى ظاهرة صوتية !! ) ، وتأييدي لهذه الرؤية والفكرة والنظرية ، جاء بعدما بِتُ أعتقد ـــ وأرجو أن أكون مُخطئاً ـــ أن الأمتين الإسلامية والعربية إنتحرتا ( على الأقل مؤقتاً !! ) على بوابة فلسطين ، عندما أعلنت الحركة الصهيونية العالمية ، المدعومة من الغرب الصليبي ، إنتصارها ، وهزيمة العرب والمسلمين ، وإقامة دولة الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين المقدسة على الجزء الأكبر من فلسطين المقدسة ، يوم الخامس عشر من مايو/ آيار ١٩٤٨ ، وبهذا كانت النكبة الكبرى للفلسطينيين ، والعرب والمسلمين !!!! ، وبدأت دورة تايخية جديدة لفلسطين والأمة ، أهم ملامحها التراجع والإنكسار العربي / الإسلامي ، أمام تقدم ووحشية ودموية المشروع الصهيوني / الغربي ، مقابل حالة فريدة متميزة من الكفاح والصمود والتضحية والثبات الفلسطيني ، بدأت منذ التسلل والتغلل الصهيوني إلى فلسطين نهايات القرن التاسع عشر ، مع الإعلان عن المشروع الصهيوني ، ومخططات الحركة الصهيونية العالمية لإغتصاب أرض فلسطين ، وإقامة ( دولة للكيان الصهيوني تمتد من الفرات إلى النيل ) ، وإستمرت حالة الصمود والرباط والصبر والمقاومة الفلسطينية ، لأكثر من مائة وثلاثين عاماً متواصلة ، قدم خلالها الشعب الفلسطيني ملايين الشهداء والجرحى والمعتقلين والمبعديين والمطاردين ، ومنذ إحتلال بريطانيا لفلسطين ، وإعلانها تحت الإنتداب البريطاني سنة1916، ثم تقديمها ( وعد بلفور المشئوم سنة1917) ، للعصابات والحركة الصهيونية ، بتمكينهم من إقامة وطن قومي لليهود فوق أرض فلسطين ، كان قطاع غزة ( بمساحته الأصلية المعروفة (550 كلم مربع ) الحاضنة الأساسية للثورة الفلسطينية الحديثة والمعاصرة منذ اللحظة الأولى لإنطلاقتها بشكلٍ منظم سنة 1916 ، على يد الشيخ عز الدين القسام ، والمئات من علماء الدين وقادة الجهاد المقدس في فلسطين وبلادالشام ، ومنذ الثورة الفلسطينية الكبرى التي تفجرت سنة 1935بقيادة الشيخ القسام ، ثم الموجة الثانية من الثورة الفلسطينية الكبرى عقب إستشهادالشيخ القسام في شهر نوفمبر / تشرين ثاني 1935، بقيادة رفيق دربه ، ونائبه في قيادة ( الجهادية ) ، الشيخ الشهيد فرحان السعدي والتي إستمرت طيلة سنة 1936، ثم لتتوالى الثورات والهبات وموجات المقاومة بقيادة الشيخ الشهيد نمر السعدي ، ثم الشهيد الشيخ ابو ابراهيم الكبير ، وغيرهم الكثير من رفاق درب الشهيد الشيخ القسام الذين تولوا تباعاً قيادة المقاومة والثورة الفلسطينية من شمال فلسطين ، حتى جنوبها ، إلى أن تولى مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني ، وقائد ( الجهاد المقدس ) الشهيد عبد القادر الحسيني قيادة المقاومة والثورة الفلسطينية ، حتى جاءت النكبة الكبرى لتكرس حالة التخلي والإنكسار والتراجع العربي / الإسلامي عن فلسطين وشعبها المظلوم ، الذي بقي يقاتل وحيداً ، طريداً ، عقب نكبتي 1948و1967 ، ثم نكبة الخروج الفلسطيني من الأردن سنة1970، وتبعتها نكبة الخروج الفلسطيني من لبنان سنة1982 ، لتتوالى المذابح والنكبات التي تلحق بالشعب الفلسطيني تباعاً ، ورغم حجم ماقدمه الشعب الفلسطيني في الوطن المحتل والمنافي ، من تضحيات هائلة لايمكن لشعب من شعوب الأرض إحتمالها في مواجهة إحتلال عنصري إحلالي ، إلا أن قطاع غزة ، بقي على مدار التاريخ الفلسطيني هو الخزان البشري الذي يمد الثورة الفلسطينية في كل مراحلها موجاتها المتتالية بالطاقات البشرية والكوادر والإمكانيات ، والقيادات ، والتضحيات التي لاحدود لها ، وقد سطرت غزة في مواجهة العدوان الصهيوني الأخير( تموز/ يوليو ــ آب / أغسطس 2014) مرحلة جدية ومهمة في التاريخ الفلسطيني والعربي عموماً ، وفي تاريخ الثورة الفلسطينية خصوصاً ، رغم أن التضحيات التي لايمكن لشعبٍ من الشعوب إحتمالها ، فكيف بقطاع غزة المحاصر ، الشريط الساحلي الصغير ، والذي قضم العدو جزءاً كبيراً من مساحته ، فأصبحت مساحة القطاع ، إثر نكبة 1948محكوماً بما تم الإتفاق عليه خلال ،
( مفاوضات الهدنة ) بين مصر والكيان الصهيوني برعاية الأمم المتحدة ، وماعُرف حينها بأنه ( علامات تحديد خط الهدنة ) ، وهو ماعمل الإحتلال على ترسيخه من خلال ( خطة الإنسحاب الأُحادي سنة 2005) ، فأصبحت المساحة الحالية للقطاع فقط ( 360كلم مربع ) ، وبهذا يكون الإحتلال قد صادر من أراضي القطاع ، ما مساحته ( 190كلم مربع ) ، ولكن القطاع البطل تصدى للعدوان الصهيوني ببطولة فريدة ومتميزة ، ورغم كثافة حجم النار التي إستعملها العدو الصهيوني في عدوانه البربري ضد القطاع ، وإعتماده على أسلوبه ومخططه القديم / الجديد ( الأرض المحروقة) ، لإيقاع أكبر خسائر ممكنة في صفوف المدنيين الفلسطينيين ، ودفعهم للفرار من الموت إلى الموت ، مما جعل الخسائر هذه المرة في صفوف أهالي القطاع كبيرة للغاية ، وحوّل العدو قطاع غزة ، إلى كتلة من اللهب والدمار والخراب والموت ، وكان المشهد في غاية الصعوبة والقسوة والتعقيد ، ولقد بات واضحاً أن ماقام به العدو الصهيوني المجرم ، من عدوان نازي ضد شعبنا الفلسطيني ، كان عملية إبادة منظّمة ، وقتل جماعي ، وحشية ، بربرية ، مجازر بشعة ، قصف ، حرق ، تدمير ، حالة من الجنون الصهيوني صبت حممها على إمتداد قطاع غزة من رفح جنوباً حتى بيت حانون شمالاً ، وأصيب جيش العدو بالهستيريا والجنون ، مما تسبب بسقوط آلاف الشهداء والجرحى ، وأصبح الموت والحياة متساويان في قطاع غزة ، ولم يعد هناك فرق أن تعيش ، أو أن تصاب بجراح ، أو أن تسشتهد ، فالشهادة نصر وكرامة وعزة ، وإستمرار الحياة في ظل هكذا وضع ، الذي هو من اصعب مايمكن أن يتخيل الانسان أو يتوقع ، ولذلك مجرد البقاء حياً للفلسطيني في قطاع غزة ، الذي أصبح أسمه رديفاً للموت والشهادة ، هو إنتصار ، واحساس عميق بالفخر والكرامة والعزة والنصر ، وأما الشهادة فهي أمنية كل فلسطيني أولاً إبتغاء مرضاة الله ، ثانياً دفاعاً عن شعبه وأرضه ، ومن أجل تحرير وطنه ، وحماية قضيته ، وثالثاً للحاق بمن يحب من أهله وأقاربه واصدقاءه الذين سبقوه بالشهادة ، والنبي الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) والصحابة ( رضوان الله عليهم ) والصديقين والشهداء والأنبياء ، وحسن أؤلئك رفيقا ....
*********
غزة الرائعة الصغيرة بمساحتها الجغرافية / الكبيرة ببطولتها بتضحياتها ، المحاصرة/ الصامدة ، تعيش الآن أصعب اللحظات والأيام ، بين الألم والأمل ، تتناثر فيها دموع الثكالى والأيتام والمكلومين ساخنةً ، بعضها ألماً من شدة الوجع ، وبعضها أملاً في صناعة مستقبلٍ أفضل للشعب الفلسطيني ، وبينما إخوانهم المسلمون والعرب ، يقضون وقتهم في شراء الملابس الجديدة لأبنائهم ، وأما أهل غزة، وبعدأن يتوقف العدوان الصهيوني الإجرامي، فسوف يخرجون من بين الدمار والخراب والركام ، وبقايا بيوتهم ومساجدهم ، يبحثون عن ( أكفان نظيفة) ، ومساحة من القبور ليتمكنوا من دفن شهداءهم فيها ، لأن غزة لم يعد فيها مساحةً من الأرض ، تكفي قبوراً لشهدائها !!!
غزة ... صبراً يا عنوان عزة وكرامة الأمة ،
يادرة العالم ،
يا أطهر البشر،
ويا أشرف الناس ،
وأروع الناس ،
وأعظم الناس ،
وأطيب الناس ،
وأكرم الناس ،
صبراً أهل غزة .....صبراً ..صبرا ،
فقد اقتربت تباشير الفجر، وموعد النصر والحرية ...
لك الله ياغزة، فأنت كربلاء عصرنا ، وهاهو الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) يذبحُ من جديد في فلسطين ، وغزة على يد جيش العدو الصهيوني ، المدعوم من الولايات المتحدة الأميركية ، ومن الغرب الصليبي الحاقد ، وأمام صمت الضمير الغربي والعالمي ، وصمت غالبية الأشقاء العرب والمسلمين...!!!
يا الله كن مع غزة ، فلم يبق أحد أعرفه ، قريبٌ ، أو صديق ، أو نسيب ، أو جار ، أو زميل دراسة ، و زميل عمل ، أو زميل سجن ، إلا وإما أستشهد ، أو أصيب ، أو أستشهد أو أصيب له قريب من الدرجة الأولى ، أو قصف بيته ، أو بيت جيرانه ، أو أنسباءه ، وقد فُجعنا في الكثير... الكثير من أقاربنا وأصدقائنا وأنسبائنا ومعارفنا وأحبابنا وزملائنا ، وفاقت صعوبة الوضع كل القدرة على الوصف ، ولا نقول إلا الحمدلله على كل حال ، والحمدلله على نعمة الرباط والجهاد فوق أرض فلسطين ، ونعمة الصبر ، ونعمة الابتلاء ، ولقد أثبت الشعب الفلسطيني ، أن قدرته على الصبر والتحمل تفوق قدرات جميع شعوب الكرة الأرضية ، ولكن حزن شعبنا أيضاً يفوق الحزن الذي عرفته كل شعوب الكرة الأرضية ، ورغم أن مايحدث من عدوان صهيوني إجرامي ، هو عبارة عن ( عملية إبادة منهجية منظمة ) ضد شعبنا الفلسطيني الصامد البطل ، ورغم الخسائر الهائلة والتضحيات العظيمة ، إلا أن شعبنا يقف خلف المقاومة الفلسطينية الباسلة دون أدنى تردد ، فهي التي مرغت أنف العدو الصهيوني في الوحل ، وإستطاعت أن تجعل العدو الصهيوني يقفُ مذهولاً أمام الانجازات والعمليات الفدائية النوعية ، والبطولة الباهرة للمقاومين الفلسطينيين ، وسيبقى شعبنا صامداً أمام العدوان الصهيوني الوحشي الهمجي ، ورغم الصمت العربي / الاسلامي ، والدعم الأميركي / الغربي للعدو ، سيكون النصر حليف شعبنا ومقاومته الباسلة ، وليسمح لي كل المقاومين الأبطال في ساحة المعركة والمواجهة والصمود ، بتقبيل رؤوسهم وأياديهم الطاهرة ، ومسح غُبار أحذيتهم ، فأنتم يا أحبابنا مَنْ تصنعون لنا عزتنا وكرامتنا ، وتزرعون الأمل والتفاؤل والفرح بداخلنا .
ولقد فرض الصمودالأسطوري للشعب الفلسطيني ، والنجاحات والعمليات البطولية للمقاومة الفلسطينية ، في مواجهة العدوان الوحشي ، على الجميع أن يعيدوا صياغة حساباتهم ، وكان التطور النوعي في الموقف السياسي الفلسطيني ،الداعم للمقاومة ولصمود شعبنا البطل في قطاع غزة ، ذلك الخطاب الناري للرئيس الفلسطيني محمود عباس مساء يوم الثلاثاء22/7 /2014، وهو الخطاب الذي كان جميع الفلسطينيين ، ينتظرونه منذ الثانية الأولى للعدوان على غزة ، نعم هذا الخطاب المسؤل ، والموقف الثوري / الوطني / الوحدوي / الجرئ ، هو الموقف المطلوب ، ليقف الفلسطينييون صفاً واحداً في مواجهة العدوان الصهيوني ، وجرائم العدو ، وكان مهماً للغاية توحيد الموقف الفلسطيني والصف ، وتوحيد الأداء وتكامله ، خصوصاً في ظل العمليات النوعية والبطولية للمقاومة الفلسطينية الباسلة ، التي استطاعت أن تمرغ انف العدوالصهيوني في الوحل ، وبهذا الخطاب التاريخي للرئيس ابومازن ، تكامل الفعل الشعبي ، مع نجاحات المقاومة في التصدي للعدوان ، مع الأداء السياسي للقيادة الفلسطينية التي تسعى ، لوقف العدوان الصهيوني ، وتحقيق كافة مطالب المقاومة والشعب الفلسطيني بالتنسيق مع القيادة المصرية ، وكان التطور الهام الثاني على مستوى الأداء السياسي الوحدوي الفلسطيني ، والذي ساهم في إرباك مخططات العدو ، هو إعلان الرئيس الفلسطيني أبومازن عن تشكيل وفد فلسطيني موحد يمثل السلطة الوطنية الفلسطينية وكافة فصائل المقاومة ، وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية ، وتكليفه بالذهاب إلى القاهرة ، لقيادة المفاوضات الماراثونية الغير مباشرة مع الوفد الصهيوني برعاية وضمانة مصرية لـــ : ( إعلان التهدئة وقف العدوان الصهيوني ) ، خصوصاً أن العدو سعى وبشكلٍ مقصود ومبرمج في عدوانه الوحشي ، إلى إستهداف المدنيين الأبرياء العزل ، بطريقة غاية في البشاعة والوحشية ،والتي كانت (مجزرة الشجاعية / شرق مدينة غزة ) ، ثم بقية المجازر في خزاعة ، وبيت حانون ، والقرارة ، ورفح وغيرها من المناطق ، أحدالدلائل الحية الواضحة على هذه الوحشية الصهيونية ، وفي حي الشجاعية الذي كان هدفاً لوحشية العدو ، وطيلة الساعات المريرة التي كان جيش الاحتلال الصهيوني يحاصر فيها حي الشجاعية ( الضاحية الشرقية لمدينة غزة ) ، كان سكان الحي المحاصرون في منازلهم بسبب القصف المدفعي والجوي الصهيوني المجنون ، يوجهون النداءات تلوالنداءات للمؤسسات الإنسانية والدولية ، والصليب الأحمر الدولي للتدخل لإنقاذهم من حمم الموت التي تدمر البيوت والمنازل والمساجد والملاجئ فوق رؤوسهم ، ورؤوس أطفالهم ، وذلك منذ أن أعلن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو يوم الخميس 17/7 /2014 عن بدء الحملة البرية في محاولة مجنونة لتحقيق ، أي نصر معنوي ، أو عسكري ، أوميداني على المقاومة الفلسطينية الباسلة ، التي إستطاعت أن تحقق صموداً بطولياً، ونجاحات ملموسة ، وتنفذ عمليات نوعية في مواجهة العدوان الصهيوني الجديد على قطاع غزة الذي بدأ يوم الأحد الدامي 6/7/ 2014 ، وهذه هي الحرب الصهيونية الرابعة على قطاع غزة خلال ثمانية أعوام ، وبمعدل حرب على غزة مرة كل عامين ، وإثر محاولات العدو المستميتة للتوغل البري ، شرق حي الشجاعية منذ مساء الخميس 17/7، إستعمل سياسته وخططه القديمة/الجديدة في العدوان( سياسة الأرض المحروقة) ، فإستهدفت حمم مدفعيته بقصف عشوائي ، إجرامي ، ومجنون غالبية بيوت حي الشجاعية ، ومدارسه ، ومساجده ، ومستشفياته ، والمحال والمراكز التجارية ، والورش الصناعية ، بينما إستهدف طيرانه الحربي من طراز f15,f16 ،والطيران المروحي من نوع أباتشي ،وطائرات الاستطلاع بدون طيار الهجومية،كل شخص يتحرك في أي حي اوشارع ، أومنطقة ، أوحتى داخل ساحة أي منزل ، كما تم إستهداف كل سيارة اسعاف أودفاع مدني ، أو إطفاء ، حاولت التقدم لانتشال الجرحي والشهداء ، وإخلاء المدنيين الذين يستنجدون بهم ، لإنقاذهم ، وشهدالحي حالة جنونية من القصف والقتل والتخريب والتدمير الصهيوني لكل شيئ ، بشكلٍ لم يسبق له مثيلاً من قبل ، وفي ظل حمم الموت التي تساقطت بشكلٍ متواصل فوق رؤؤوس النساء والأطفال والرجال والشيوخ ، والمرضى والعجزة والمسنين، حتى (مستشفى الوفاء لرعاية العجزة والمسنين ، وتأهيل المعاقين ) شرقي حي الشجاعية، تعرض هو الآخر للقصف مرات عدة ، وأستشهد وجرح فيه العشرات من المعاقين والمرضى والمسنين والعجزة والممرضين والأطباء والعاملين ، إلى أن إضطرت إدارة المستشفى ،لإخلائه بالكامل من المرضى والطواقم الادارية والطبية والاسعافية ، وإستطاعت هيئةالصليب الأحمر الدولي ، عمل تنسيق خاص لإخلاء المستشفى ظهر الخميس 17/7، لتواصل لاحقاً قوات العدو البرية ، وطائراته الحربية قصف المبنى ، حتى تم تدميره كلياً ، وتمت تسويته بالأرض يوم الأحد ، ومع هذه الصورة المأساوية للعدوان الصهيوني ، الذي استهدف حي الشجاعية وكافة أحياء مدينة غزة ، وكافة مدن ومخيمات وبلدات وقرى قطاع غزة ، كانت النداءات والمناشدات من الأهالي ، ومن المؤسسات الطبية الفلسطينية ، وخصوصاً الهلال الأحمر الفلسطيني ، والدفاع المدني الفلسطيني ، والصليب الأحمر الدولي ، تتوالى من أجل السماح لهم بإخلاء المدنيين من كافة المناطق المستهدفة بالقصف الصهيوني البري ، البحري ، والجوي ، وعلى وجه الخصوص حي الشجاعية الذي بات واضحاً ، أنه يتعرض لعملية إبادة منهجية من قوات العدو ، ولكن كل تلك النداءات ذهبت بلاجدوى .... إلى أن إنتهت قوات العدو من مهمتها في إرتكاب مذبحة بشعة في حي الشجاعية ، لاتقل بشاعة عن مجزرتي صبرا وشاتيلا الشهيرتين ، فسمحت قوات العدو بهدنة إنسانة لمدة ساعتين فقط !!! ، لتقوم الهيئات الإنسانية الفلسطينية والدولية بإخلاء المدنيين ، والجرحى ، وإنتشال الشهداء ، ولكن المشهد كان أصعب كثيراً من أن يحتمله العقل الإنساني ، فهذا الحي العتيق ، تم إبادته بشكلٍ شبه كاملٍ ، كانت الصورة أصعب من أن تستطيع الكلمات وصفها ، آلاف البيوت دمرت إما كليةً ، او جزئياً ، مدارس ، مساجد ، مستشفيات ، محال ، طرقات وأزقة وحواري ، تم محوها تماماً ، سقط أكثر من مائة شهيد تم أنتشال جثث أكثر من ثمانين منهم ، ومازالت قوات العدو تعيق إنتشال جثث البقية منهم ، والتي مازالت موجودة تحت انقاض منازلهم التي قصفت فوق رؤوسهم ، بالإضافة إلى خمسمائة جريح ، جراح أغلبهم غاية في الخطورة ، وكان غالبية الشهداء والجرحى ، هم من النساء والأطفال الرضع ، والأطفال صغار السن ، والمسنيين والعجائز ، وكانت هناك العشرات من جثث الشهداء ملقاة وسط الشوارع ، من الذين تم إغتيالهم وقتلهم أثناء محاولتهم الهروب ، بالإضافة إلى المئات من الجرحي الذين كانت تنزف جراحهم ، على جوانب الطرقات والشوارع ، والأزقة ، أو داخل بيوتهم المدمرة ، كان مشهداً صعباً للغاية ، كما لو أن هذا الحي تعرض لزلزال شديد ، وقاسٍ ، وتسبب في دماره ومحوه من فوق الأرض ، وقد أبادت قوات العدو في هذه المجزرة البشعة عائلات وأسر بكاملها ، مثلما أيضاً قامت بإبادة عائلات كاملةً في رفح وبيت حانون ، وبيت لاهيا ، وجباليا ، وخانيونس ، وبني سهيلا وخزاعة ، والمعسكرات الوسطى ، وفي العديد من أحياء مدينة غزة ، ومعظم مناطق القطاع ، ومازالت أرقام الشهداء والجرحى والمنازل والمساجد والمستشفيات والمؤسسات الفلسطينية التي يستهدفها جيش العدو في عدوانه المستمر ضد قطاع غزة ، هي في إرتفاع كل دقيقة ، وكانت الفاجعة كبيرة للغاية على جميع الفسلطينيين في الضفة والقطاع والداخل الفسلطيني المحتل ، وفلسطينيي الشتات عموماً ، وعلى أهالي مدينة غزة وحي الشجاعية على وجه الخصوص ، ما تم كشفه من حجم المأساة التي تعرض لها حي الشجاعية عقب الهدنة الانسانية ، والتي خرقها العدو بعد دقائق من بدئها ، ولكن تلك الدقائق كانت كافية لاكتشاف المصيبة والكارثة والمأساة ، ما دعى أحد أقاربي الذين كتب الله لهم النجاة من المجزرة ، ولكن بيتهم تم تدميرهم ، وتمكن من الخروج من الحي مع أسرته يوم الأحد ، ليقول لي : ( لاتسألني عن حي الشجاعية ، لقد استشهد حي الشجاعية ، لم يعد موجوداً ، دمره نتنياهو وجيشه ) ، ولهذا وبعد إنكشاف حال المصيبة والمأساة الفلسطينية في هذا الحي الباسل، كان لسان حال المؤسسات الانسانية الفلسطينية والعربية والدولية العاملة في غزة ، يقول :( شكرا للمؤسسات الإنسانية ، والحقوقية ، والإغاثية ، والدولية: لا داعي لتلبية المناشدة ، لإنقاذ أطفال حي الشجاعية، لأن الدولة العبرية قتلتهم جميعا ) !!!
مجزرة, كارثة , فاجعة, إبادة جماعية ، لاأجد في لغتنا العربية (الكلمة المناسبة) لوصف بشاعة ووحشية ونازية وإجرام العدو الصهيوني ، لما فعله من مجازر غاية في البشاعة طالت البشر والشجروالحجر ، وحتى الحيوانات والدواب في حي الشجاعية ومدن ومخيمات وقرى وبلدات قطاع غزة ، وحي الشجاعية هو الحي الأكثرفقراً ، وإكتظاظاً بالسكان في قطاع غزة ، وهو أكبرأحياء مدينة غزة، وينقسم إلى قسمين : الشجاعية الشمالية (إجديدة) و الشجاعية الجنوبية (التركمان) ،ويسكنه أكثر من 300 ألف نسمة، ويعمل معظم سكانه في مجال الحرف والصناعات الخفيفة ، والتجارة ، وهو أيضاً منطقة تجارية ، وتتواجد فيه العديد من الأسواق اليومية والأسبوعية ، والمتاجر والورش، وبه أربعة مقابر تاريخية للشهداء ، وتقع فيه أكبر منطقة صناعية قي غزة ، ويقع على إمتدا شرق مدينة غـزة ، وينسب في تسميته إلى القائد الكردي- شجاع الكردي - الذي استشهد في إحدى المعارك البطولية بين الأيوبيين والصليبيين سنة637هجري/1239 ميلادي ، وكان حى الشجاعية قاعدة لعمل(الكتيبة الفدائية 41) ، والتي أسسها قائد المخابرات الحربية المصرية في قطاع غزة الشهيد العقيد مصطفى حافظ ، بتكليف من الزعيم العربي / القومي الخالد الرحل جمال عبد الناصر ، عقب ثورة 23 يوليو 1952 ، وعرف الفدائيون الذين عملوا تحت لواء هذه الكتيبة الفدائية من الفلسطينيين بـاسم : ( فدائي مصطفى حافظ ) ، وهم أرعبوا الاحتلال الصهيوني لفلسطين المحتلة فى بداياتة ، وشكلوا بدايات المقاومة الفلسطينية والعربية المسلحة المعاصرة ، عبر تسللهم للمستوطنات الصهيونية والمدن الفلسطينية المحتلة ، للاستطلاع وجمع المعلومات عن العدو ، وتنفيذ العمليات الفدائية ، وتمكنوا من قتل آلاف المستوطنين وجنود وضباط العدو خلال فترة وجيزة ، وكان الحى محطة وقاعدة إنطلاقهم وعودتهم ، وفي نفس الحي تأسست ( الجبهة الوطنية المتحدة ) ، وولد فيه القائد الوطني ، وشاعر الثورة الفلسطينية معين بسيسو ، وهو مفجر انتفاضة مارس/ آذار 1955 التى أفشلت ( مشروع توطين اللاجئين الفلسطينيين فى سيناء ) ، وشهد حي الشجاعية بداية النقاشات والحوارات والأسس الأولى لتشكيل منظمة التحرير الفلسطينية ، وتأسيس جيش التحرير الفلسطينى ، وكان ولازال ، يعتبر أكبر تجمعاً للثوار والوطنيين والمجاهدين الفلسطينيين ، ومنه إنطلقت وبدأت أوائل العمليات الفدائية ضدالاحتلال الصهيوني عقب نكبة5 يونيو/حزيران 1967، وفيه تأسست الخلية الأولى لجيش التحرير الوطني الفلسطيني ، والذي تولت الشقيقة مصر تدريبه وتأهيله ، وألحقت كوادره في الكليات الحربية المصرية ، وفيه أيضاً تأسست الخلية الفدائية الأولى لحركة فتح ، وهو الحي الثائر الذي أذل المجرم موشي دايان ، والمجرم آرئيل شارون ، والمجرم في التراب ، وهو الذي كسر شوكة جميع قادة المنطقة الجنوبية في جيش العدو، ويمتاز أهله بالشجاعة ، والأصالة ، والطيبة ، والكرم ، وحب التضحية ، والفداء ، وقدم هذا الحي الباسل منذ ماقبل عام 1948، وحتى اللحظة عشرات آلاف الشهداء ، والجرحى ، والأسرى ، وهدمت ودمرت الآلاف من منازله ، وقدم أهله على الدوام تضحيات جليلة وعظيمة في مواجهة المحتل الصهيوني الغاصب ، ولذلك فالعدو المجرم يعتبر نفسه في حالة ( ثأر ومواجهة دائمة ومستمرة ) مع هذا الحي الثائر، وهو يعلم جيداً أن هذا الحي الباسل ، سيكون العائق الحقيقي والسد المانع أمام تقدم دباباته وقواته البرية نحو بقية أحياء مدينةغزة ، فهو ليس فقط ( الضاحية الشرقية ) ، و( بوابة غزة الشرقية ) ، إنما أيضاً ( بوابة قلب المدينة الصامدة ) ، و( بوابة المقاومة ) ، لذلك أراد الإنتقام من سكانه المدنيين الأبرياء العزل ، ودمر بيوتهم فوق رؤوسهم ، وقتل منهم في يومٍ واحد أكثر من مائة شهيد ، وتسبب بجراح متفاوتة بين الخطير والخطير جداً ، لما يزيد عن خمسمائة جريح ، ولقد كانت مجزرة الشجاعية ، هي الشاهد الحي على حجم إجرام العدو الصهيوني ، بينما كانت بطولة المقاومة الفلسطينية ، وعملياتها النوعية ، وصمودها الرائع ، خير شاهد على بسالة وقدرة الشعب الفلسطيني على الصمود والتحدي ، لقد منعت المقاومة دبابات العدو من التقدم متراً واحداً ، بإتجاه الحي ، وتمكنت من قتل وإصابة عشرات الضباط والجنود الصهاينة ، وتدمير العديد من الدبابات والآليات العسكرية الصهيونية ، وارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين في قطاع غزة ـــ حتى الآن ـــ إلى قرابة الأفي شهيد ، وعشرة آلاف جريح ، أغلب جراحهم خطرة ، وتدمير أكثر من عشرين الف منزل ، وعدة مئات المساجد والمدارس ، والمؤسسات والمستشفيات ، والمصانع والورش والمحال ، بالإضافة إلى قصف كنيستين ، ورغم ذلك فلسان حال جميع الفلسطينيين ، جماهيراً ومقاومة : ( نحن الدم الفلسطيني المبارك ، الذي هزم وسيهزم ويكسر سيف الاحتلال ، وسوف ينتصر الدم الفلسطيني على السيف ) ، وستبقى غزة على الدوام هي كربلاء العصر ، بينما أصبحت المجازر والمذابح الفلسطينية ، مثلما تنبأ شاعر فلسطين محمود درويش : هوية عصرنا حتى الأبد .