القدس كانت دائماً بوصلة النضال الوطني الفلسطيني.....والقدس هي من تتصدر المشهد الفلسطيني،تعطي بلا حدود،تدفع الثمن وتضحي ولا تنتظر الثمن من احد... تنتصر لقضاياها بطريقتها.... تفجر وتشعل لهيب الهبات الشعبية والجماهيرية وتقودها وتوجهها نحو انتفاضة شعبية عارمة...والإحتلال يستخدم كل اساليبه ووسائله من اجل كسر إرادتها ...قمع ومداهمات واعتقالات بالجملة ومحاكمات بالجملة أيضاً واحكام وغرامات "قراقوشية" بمئات الألاف بل وحتى بملايين الشواقل من اجل تطويع المقدسيين وكسر إرادتهم،فهم منذ جريمة حرق الفتى الشهيد ابو خضير حياً وقدسهم مشتعلة على كل الجبهات،وتخوض حرب شوارع مع قوات الإحتلال واجهزته الأمنية والشرطية ومستوطنيه....وأهل القدس يقولون هذا وقت المغارم لا وقت المغانم...ولن ننزل عن الجبل.. ويسطر المقدسيون أروع أشكال النضال والكفاح الشعبي...وتتصدر هذا المشهد المقدسي المقاوم قرية العيساوية الباسلة،والتي تمرس اهلها فصائل وأحزاب وجماهير في معمان النضال الشعبي والجماهيري والكفاحي،ويخوضون حرباً حقيقية مع قوات الإحتلال وأجهزتها الشرطية والأمنية وقواتها الخاصة ومستعربيها على مدار الساعة،ولا يرهبونها ولا يخوفون لا السجن ولا السجان،بل أصبحوا اكثر جرأة وصلابة في كفاحهم ونضالاهم،ويزدادون وعياً وثقة بمشروعهم الكفاحي والنضالي،وهم متقدمون على القيادة السياسية في وحدتهم الكفاحية والنضالية والسياسية،بل تتولد لديهم قناعة راسخة بأن هذه القيادة دون مستوى التحديات وهي اعجز بشكلها الحالي عن ان تشكل عنواناً وثقة لهم،ولذلك خلقوا اجسامهم الخاصة بهم،التي تمكنهم من نظم وهيكلة أطرهم وعملهم.
العيساوية نموذجاً يجب ان يدرس ويعلم في النضال الشعبي والجماهيري...كما هو حال غزة في العمل المقاوم،فكما هي غزة محاصرة فالعيساوية محاصرة أيضاً ولكنها تقاوم وتقود المقاومة في القدس وتتصدرها بإمتياز،ويبدو بأن الحصار في كلا الحالتين،يلعب دوراً بارزاً في غرس مفاهيم وقيم المقاومة عند أبناء وجماهير غزة والعيساوية.
العيساوية ممثلة بعدد لا بأس به من المناضلين في سجون الإحتلال بشكل دائم من مختلف الوان الطيف السياسي الفلسطيني،وعدد منهم بحكم الوعي والتجربة والخبرة والفاعلية والنشاط،يتصدر قيادة المنظمات الإعتقالية لأكثر من فصيل فلسطيني،وهم ايضاً جزء فاعل من قيادات منظمات الأسر في مختلف المجالات والميادين،واللافت للنظر بأن الكثير من معتقلي العيساوية الذين يخرجون من المعتقلات الصهيونية،يواصلون نضالهم ومقاومتهم للإحتلال،وبما يؤكد على مبدئيتهم وثقتهم بخيار المقاومة والكفاح،ولنا في المناضلين سامر ومدحت وشادي ورأفت وأختهم شيرين،خير مثال ودليل،حيث أن هذه العائلة المناضلة،بإستمرار وعلى مدار سنوات،كان في المعتقلات الصهيونية ثلاثة من أبنائها،وهذا لم يفض من عزيمتهم ولا عضدهم، ولا من عضد وعزيمة والديهم،الذين دائماً يعتزون ويفخرون بابنائهم،ويحثونهم على مواصلة الكفاح والنضال،ولديهم من الإرادة والمعنويات ما يشحن معنويات جيش باكمله،ونحن خبرنا ذلك من الأم المناضلة " أم رأفت" والدتهم،فعندما كان ابنها القائد سامر العيساوي،يخوض اطول إضراب مفتوح عن الطعام (280) يوماً،لم تهن او تضعف او تطالبه بإحساس ومشاعر الأم بفك او كسر إضرابه،بل كانت دائماً تقول هذا خياره،وعلينا ان نقف معه وندعمه،فإنتصاره هو إنتصار للحركة الأسيرة باكملها ولكل أبناء شعبنا،وحتى لو إستشهد فإنه سيكون أرسى قواعد جديدة في النضال والكفاح،يبنى عليها في المعارك النضالية القادمة ضد إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية واجهزة مخابراتها،وعندما إنتصر سامر في معركة الأمعاء الخاوية،كان نصره نصراً لكل أبناء شعبنا الفلسطيني،حيث تحول الى رمز وقائد وطني إلتفت حوله كل جماهير شعبنا الفلسطيني على طول وعرض فلسطين التاريخية.
والعيساوية لا يمكن لنا ان نختزلها في هذا المناضل او القائد،بل والحق يقال العيساوية،ابدعت وما زالت تبدع في النضال والكفاح الشعبي والجماهيري،وكانت سباقة في ميدان الفعل والمواجهة على صعيد العيساوية والقدس،ولذلك إستحقت لقب ستاليننغراد القدس بجدارة.
لا مشروع وطني ولا دولة فلسطينية بدون القدس،فالقدس هي البوصلة التي يجب ان تكون حاضرة في كل برامج احزابنا وقيادتنا،ليس فقط على الصعيد النظري والشعاري،بل يجب ترجمة الأقوال والبرامج والشعارات الى خطط وبرامج عمل،من شأنها أن تسهم في تدعيم ثبات المقدسيين وصمودهم وبقائهم في قدسهم وعلى ارضهم،فالإحتلال يتحدث عن سحب الهوية الإسرائيلية من (14250) مقدسي،تحت حجج وذرائع ان مركز حياتهم ووجودهم ليس في القدس،في الوقت الذي لا تسحب فيه أية هوية مستوطن،ليس له علاقة بالقدس سوى بالأسم او العنوان.
الإحتلال يسابق الزمن ويريد قادته ان يصحو،وقد اصبحت القدس فارغة وخالية من سكانها العرب الفلسطينيين،وهم يخوضون حرباً معهم يستخدمون فيها كل الطرق والوسائل المشروعة وغير المشروعة لطردهم وترحيلهم،وهاجس العامل الديمغرافي يقلق الإسرائيليين،فالعرب في القدس في تزايد وليس تناقص،فلا الضرائب الباهظة بأشكالها وعناوينها المتعددة،ولا الحصار ولا المصادرة للأراضي ولا الإجراءات البيروقراطية والمبالغ الخيالية المفروضة على رخص البناء ولا الغرامات الخيالية على البناء غير المرخص،ولا الإستيلاء على المنازل والممتلكات ولا جدران العزل والفصل العنصري ولا الأحزمة الإستيطانية في الأطراف وفي قلب البلدات الفلسطينية وكل إجراءات التهويد والأسرلة قد افلحت في طردهم وتهجيرهم،بل يزدادون صلابة وقوة وتصميماً على الدفاع عن وجودهم وبقائهم ومجابهة ومقارعة الإحتلال في كل الساحات والميادين.
القدس موحدة على صعيد القاعدة وبكل ألوان طيفها السياسي في مقاومة ومقارعة الإحتلال،وهي تفرز قياداتها من خلال الفعل في الميدان،والشباب المقدسي يتصدر المشهد في الكثير من المعارك التي يخوضها المقدسيون ضد المحتل،وهم على قناعة بأن إعادة قضية القدس للصدارة وواجهة الأحداث والإهتمام،فقط ممكنة من خلال قيامهم بدورهم ومهامهم ومسؤولياتهم،فقد ملوا الشعارات وبيانات الشجب والإستنكار وحرف"السين" من العرب والمسلمين،فالأرض تضيع والأقصى يقسم،والعرب والمسلمين جزء منهم متآمر وآخر متفرج،وما تبقى جريح ويئن من وطأة الإحتراب والإقتتال الذي فرضه العرب عليهم.