سقى الله أيام زمان، عندما كان مصطلح الأمن القومي العربي يزين أدبيات السياسة العربية، وتلهج به ألسنتنا في كل مناسبة وعند كل تهديد أو وعيد أو منعطف تمر به الأمة العربية.
اليوم تتواتر الأخبار عن محور سعودي إماراتي مصري يحيي فكرة الأمن القومي العربي، برز بقوّة في الخطاب الدبلوماسي والإعلامي الذي رافق زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى السعودية.. قبل محاولة سبر غور عوامل وأسباب وتداعيات هذا المحور، من الضرورة بمكان العودة إلى بعض مما جاء في الأدبيات المذكورة من باب تنشيط الذاكرة وليس البكاء على أطلال السياسة العربية.
تقول الأمانة العامة لجامعة الدول العربية: إن قطاع الأمن القومي العربي يعتبر أحد أهم قطاعات الأمانة العامة، وإن الاهتمام بموضوع الأمن القومي العربي يعد من أولويات العمل العربي المشترك، نظرا للأهمية المتزايدة لمجالات الأمن القومي علي الصعيد الدولي. ونظرا لحساسية وخطورة الظروف الأمنية التي يجتازها الوطن العربي في وقتنا الراهن وهو ما يتطلب تحديد مجموعة أهداف واضحة ومهام محددة سيعمل قطاع الأمن القومي العربي علي تحقيقها وتنفيذها. أما هذه الأهداف فهي:
- العمل على استعادة روح الأمن القومي العربي من خلال تفعيل نصوصه بعقد الندوات والمؤتمرات لتوضيح مفهومه الشامل.
- تحديث آليات وإستراتيجيات العمل العربي بكل قطاعات الأمن القومي العربي لتصبح قادرة على مواكبة المستجدات والتحديات الإقليمية والعالمية.
- تنسيق وتوحيد الجهود العربية سواء منها التشريعية أو العملية للحفاظ على الأمن القومي وتبادل الخبرات في هذا المجال.
ولكي يحقق قطاع الأمن القومي العربي هذه الأهداف المنوطة به لابد من وضع خطط عملية وإستراتيجية وأمنية لتحقيقها والنهوض بها في سياق مهام منها:
- اقتراح إستراتيجيات الحفاظ على الأمن القومي العربي الشامل والعمل على تعزيز القدرات العربية في مجال العمل الوقائي بالتنسيق مع المؤسسات العربية والتنظيمات الداخلية للأمانة العامة التي تعنى بذلك.
- اقتراح التدابير الجماعية المناسبة إزاء أي دولة عضو تعتدي على دولة عربية أخرى أو تهدد بالاعتداء عليها، وكذلك إزاء حالة تعرض دولة عربية لاعتداء خارجي أو تهديد به.
- تقديم المقترحات حول القيام بالوساطة والتوفيق والمساعي الحميدة بين الأطراف العربية المتنازعة لتحقيق التسوية السلمية.
- اقتراح الآليات اللازمة لحفظ السلام بين الدول العربية واقتراح تكوين قوات حفظ السلام بين الدول العربية.
ما أكثر الاتفاقيات البينية العربية في شتى المجالات منذ عدة عقود خلت، بقيت حبيسة الأدراج على هزالة أكثرها والخلاف حولها وتحفظ البعض على عدد من بنودها، تأتي في مقدمتها اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي تم توقيعها في دور الانعقاد العادي الثاني عشر لمجلس الجامعة العربية بتاريخ 13 نيسان عام 1950 وانضمت لها الدول العربية على التوالي فيما بعد.
الاتفاقية جاءت استنادا إلى نص المادة 15 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص على حق الدول منفردة وجماعة في الدفاع عن نفسها ضد الاعتداء الخارجي، كما استندت الاتفاقية أيضاً إلى الدفاع الجماعي التي اتبعتها التحالفات الدولية المختلفة.
يقول المثل الشعبي (عيش كتير بتشوف كتير) بمعنى إننا شهدنا كثيراً من المطالبات العربية بضرورة الإجماع العربي وتفعيل اتفاقيات الدفاع المشترك وتطويرها وإصلاح البيت العربي من الداخل وإعادة النظر في المواثيق العاملة في هذا الإطار بما في ذلك اتفاقية الدفاع العربي المشترك انطلاقا من أن التحديات التي تواجه الوطن العربي هي تحديات جد خطرة وعلينا أن نعي ما يدور حولنا وان تكون حساباتنا مبنية على أساس علمي وليس التمني.
السؤال الآن: كيف يمكن تفعيل اتفاقية الدفاع المشترك وإصلاح البيت العربي اليوم في ظل «الربيع العربي» وما يمثله من تحد جد خطر على راهن ومستقبل أمتنا العربية من المحيط إلى الخليج؟
الإرهاب الدولي وصل إلى عقر دارنا بإدارة صهيو أميركية صرفة وبأدوات عميلة ورخيصة منذ سنوات طويلة، يدمر ويحرق ويقتل ويقطع الرؤوس ويأكل القلوب في سلسلة دموية، طالت سورية والعراق ولبنان وتونس والجماهيرية الليبية والجزائر واليمن ومصر والسودان ومن قبلها وحتى الآن وربما بعدها فلسطين، حيث المقصلة تفعل فعلها مستهدفة البشر والحجر والشجر.
أرقام الضحايا والخسائر لا شك مخيفة وتدمى لها القلوب، بينما تبقى اتفاقية الدفاع العربي المشترك طي النسيان، ولا ندري من نشكو، العروبة أم العربا؟ (رحم اللـه نزار قباني).
السؤال هنا أيضا: هل ستشهد اتفاقية الدفاع العربي المشترك مجدداً صخبا شديدا بين مؤيد لها ومعارض حتى لمجرد التفكير فيها؟
يعتقد مراقبون أن الزيارة الخاطفة التي قام بها، وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتّحدة إلى السعودية بالتزامن مع زيارة السيسي، ولقائه وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، سوّغت التأكيد على بروز ملامح محور سعودي إماراتي مصري للعمل بشكل جدّي على استعادة زمام مبادرة حماية الأمن القومي العربي، في ظلّ تعاظم التهديدات، وتنوّعها وخطورتها بحيث أصبحت دول عربية مهدّدة بالفشل والانهيار والتحوّل إلى أوكار للتشدّد والإرهاب، ثم تصديره إلى باقي الدول. وكان الرئيس المصري دعا قبيل توجهه إلى السعودية إلى تشكيل «حلف عربي» لمواجهة خطر تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» المتزايد، في حين تسعى القاهرة إلى تثبيت هدنة طويلة في قطاع غزة مع استمرار حرب الإبادة التي يشنها العدو الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.
أخيراً كيف سيوفق المحور السعودي الإماراتي المصري في استعادة زمام مبادرة حماية الأمن القومي العربي، إن بقيت أنظمة هذه الدول وغيرها متمسكة باتفاقية كامب ديفيد وغيرها من الاتفاقيات التي جلبت الذل والعار للأمة العربية، مترافقة اليوم مع دعم الإرهاب الهادف إلى مزيد من التقسيم والتفتيت تكريسا لمقولة «العربي الجيد هو العربي الميت».
المصيبة العربية كبيرة وعلى الراشدين وصل ما انقطع وعقد قمة المقاومة والعودة إلى لاءات الخرطوم. وما عدا ذلك يبقى مجرد خنوع وانكسار وموت محتم للعروبة وللعرب.