يبدو أن الوصول إلى الفردوس الأوروبي حلم يراوض الآلاف من سكان قطاع غزة للبحث عن مكان آخر يتوفر فيه الأمن والرخاء وعن حياة أفضل، وأصبح الشاب الغزاوي يحلم ويراوده حلم الهجرة وتحقيق هذه الأمنية حتى لو أزهقت روحه في سبيل ذلك، خاصة بعد انتهاء الحرب الضروس على غزة التي طحنت كل شيء على وجه الأرض، قبل الحرب كان تفكير الشاب الغزاوي محصور بأن الأبواب مقفلة أمامه فلا يكون لديه خيار سوى الهجرة بحثا عن فرصة عمل تناسبه، وبعد الحرب واثنائها هناك افراط في بناء الشباب أحلامهم الوردية بحياة كريمة فأصبحت الهجرة مفتاح البقاء على قيد الحياة ليس إلا، والاصرار لدى الشباب في الهجرة اكبر من أي شيء اخر، فالوضع صعب للغاية لا يعلمون متى ستصبح الأمور جيدة في غزة، فالحياة من وجه نظرهم في غزة غير مريحة من كل الجوانب، حتى أنه لا شيء يصلح للحياة، يروادهم الشعور بغياب الأمن والأمان في وطنهم، لذا عندما يعيش في دولة أوربية ويحصل على تصريح بالإقامة لأسباب إنسانية حتما سوف يشعر بالسعادة والأمن، ولكن إذا ساد السلام غزة فإن الغالبية تفضل العودة إلى غزة للعيش فيها، لكن الملفت في الأمر هي الطريقة الغير شرعية للهجرة وخطورتها، ولما العديد من المهجرين هم أناس يمتلكون الأموال والبيوت الفاخرة ومنهم من هو موظف حكومي ويتقاضى راتبا محترم، لذا أصبح حلم رواد الهجرة كيف يوفر مبلغ الأربعة آلاف دولار لرحلة الهجرة الغير شرعية، وهناك من يستغل الفرصة بالسفر الى الخارج بطريقة شرعيه واتجاه النيه نحو الهجرة، وأصحاب شركات السياحة على دراية كاملة بنوايا الناس من خلال تلقي استفسارات عديده حول الموضوع، ولكن هل يعلم الشباب بأن الهجرة غير الشرعية ملاذ غير امن لهم وان من يلقى بنفسه في يد سماسرة البشر كي يعاونوهم على تدمير مستقبلهم بالسفر بطرق غير آمنه يفتقد القدرة على استشعار أهميه الحياة بالنسبة له .
لا أخفى عليكم حاورت عدد من الشباب حول موضوع الهجرة الذي أصبح حديث الناس وخاصة الشباب وان نثنيهم عن ذلك ولكن دون جدوى، أحدهم قال لي بنبرة غضب " انت ترى الحياة هنا تشعرك بانك تنتظر الموت فقط سواء بذل او بشرف، نحن نريد ان نعيش حياة، انظر كيف نرى العالم يحلم ويتطور ويحقق اماله ونحن ننظر ونتمنى فقط، تفاءلنا خيرا بالمصالحة بأن تأتى ومعها الخير ولكن الواقع كما هو وكل سنتين هناك حرب، كيف لا تريد لي ان اهاجر واذهب إلى بلد اقل شيء تحترم الانسان وتهتم به وتعطيه راتب شهري وليس بها واسطة ومحسوبية، انا شخصيا اكاد ابكي كل يوم على حالي وباقي الشباب هنا في غزة".
من الواضح أن الشباب الفلسطيني بات يشعر بحالة من الإحباط والملل نتيجة الواقع الذي يعيشه وفقدان الأمل للمستقبل واستمرار المناكفات السياسية وغياب القرار الوطني الموحد بالسلم أو الحرب، فالمواطن الذي لا ينتمي إلى أي فصيل سياسي بدأ يدرك بأنه ضحية هذا الواقع والشعور بعدم وجود قيادة حقيقة وغياب حكومة الوفاق وعدم قدرتها على استيعاب وحل مشاكل الناس وخاصة الشباب وترك الجميع في حيرة من أمره، وإذا سكنت الهجرة عقول الشباب فإن نتائجها غالبا ما تكون سيئة، ويبقى كيف نفسر صمت الجهات الرسمية وعدم الكشف عن أعداد المهجرين الغير شرعيين، ولمصلحه من يبقي ملف الهجرة غير الشرعية خارج السيطرة ؟! فهذه ليست ظاهرة عابرة بل إنها خطر يداهم شبابنا ومستقبلنا، وان أرادت الجهات الرسمية القضاء على مثل هذه الظاهرة عليها إيجاد بديل حقيقي جاد للشباب بدلا من تركهم في يد سماسرة البشر، الذين يلقون بهم في براثن الموت .