بسم الله الرحمن الرحيم
نراقب ونتابع بجدية وحرص التحركات الوطنية والدولية التي تعمل وتنظر لأولوية إعادة إعمار ما دمره الاحتلال في عدوانه الدموي على محافظات غزة، والذي طال جميع مناحي الحياة من البشر والارض والحجر كالمنازل والمصانع والورش والمدارس والمستشفيات...الخ، فلم تكتفي آلياته العسكرية وطائراته ودباباته وقذائفها الصاروخية بتشتيت وتمزيق الاجساد البشرية من أطفال ونساء وشيوخ آمنين بل مزقت الكثير من مكونات وبنى المجتمع الفلسطيني الاقتصادية والاجتماعية، فقد كان للعدو( الاسرائيلي) العديد من الاهداف التي تسعى لنشر التفرقة وإحداث أكبر نسبة من الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية لتعزز التخلف بكل أنواعه في محاولة لتحطيم المجتمع الفلسطيني وإغراقه في مستنقع من الفقر والحاجة والعوز لتغيير الاولويات الوطنية لديه بأولويات الاعاشة والاغاثة وأساسيات الحياة الاولية، وما هذا العدوان إلا للنيل من الانسانية وقتل المبادرات وأي محاولة للنهوض بالشعب الفلسطيني، وخاصة باستهداف الانسان والذي يمثل القيمة الحقيقية للمجتمع الفلسطيني باعتباره هو الثروة الاساسية فيه، فنحن لا نملك المواد الخام؛ ولكن نملك السواعد والايدي التي تبني وتعمر، وهم العمال بكل فئاتهم وتصنيفهم في المجتمع الفلسطيني، فهم من كان الهدف الاول لدى العدو الصهيوني فمن إغلاقات المعابر منذ عام 2000م، وحرمان العمال من التنقل للوصول الى أماكن عملهم والانفصال الاحادي من الاحتلال عام 2005م، ونسب البطالة ترتفع بين صفوفهم، والحرمان من فرص العمل والاجور والمتأخرات والكثير من الحقوق العمالية التي عمل الاحتلال بخطط مبرمجه منه ومن مؤسساته العمالية ( الهستدروت) بحرمان العمال منها، واستمر الاستهداف للعمال من خلال الحصار الذي ساهم في إغلاق العديد من المصانع الانتاجية لصعوبة وصول المواد الخام مثل: الصناعات التحويلية في الخياطة والنسيج وصناعة الاحذية بالإضافة للمهن التي ترتبط بالإسمنت والبناء والتعمير.... الخ؛ فالاحتلال الصهيوني استخدم ذرائعه الامنية والعدوان، فطال من العمال ما طال من شعبنا، وجرف الاراضي الزراعية والمنشآت، وقصف المصانع والمحلات التجارية والابراج......، وشرد الأُسر وأغلقت أبواب الارزاق أمام العمال الذين قصفت أماكن عملهم، فالمسلسل الدموي للتدمير أصبح يكرر نفسه من العدو بشكل تصعيدي كل عامين على الاكثر، وما محاولات الاعمار المتكررة الا محاولات للبقاء والحفاظ على كيان المجتمع الفلسطيني، وهنا يكمن التحدي الحقيقي والانجاز الذي ينسب لشعبنا في قدرته على الصمود، وما يدعوني في هذا المقال إلا أن أحاول تسليط الضوء على شريحة مهمة من المجتمع تحتاج للإعمار والاستهداف بشكل حقيقي ومهني، ففئة العمال حتى اللحظة ليست في أولويات أي عملية إعمار أو تعمير برغم أنها الاساس في العملية التعميرية، وذلك من باب الانصاف وتوضيح الرؤية وتسليط الضوء عليهم ليكونوا جزء من عمليات التعويض والاستهداف في الخطط وإعادة الاعمار التي تقوم بها الجهات المسئولة، فقد رصدنا بعد كل عدوان على شعبنا الفلسطيني اغلاق مئات المنشآت والمصانع ومواقع عمل لأسباب تتعلق بتعرضها للقصف أو التجريف أو حتى الحصار لمنتجاتها، ولا أحد يتذكر او يضيف لخسائرها خسائر عشرات الالاف من عمالها الذي يلتحقون بسوق العاطلين عن العمل، فقد أصبح يعاني من البطالة أكثر من 200000 عامل وعاملة أي بنسبة تزيد عن 50% من حجم العمالة الفلسطينية، وزادت على وجه الخصوص خلال 51 يوم من العدوان على غزة، فقد تم رصد عدد 33 الف عامل وعاملة تقريبا حرموا من العمل نتيجة لتدمير مواقع العمل كليا أو جزئيا، فأصبحوا يصطفوا على طوابير المساعدات والكابونات، من المسئول عن تعويضهم ؟؟؟!!، فالمستغرب أنه عند تصنيف المتضررين لا نجد تصنيف بين المتضررين لدى الجهات التي تقدم مساعدات نوعه - عامل تعطل - بسبب العدوان الصهيوني أو الحصار؛ فأصبح العامل يتسول المساعدة، فما يمنع أن يتلقوا كغيرهم مساعدات ويكونوا جزء من أي عملية إعمار؟؟!! لذا يتحتم على الجميع العمل باتجاه هذه الفئة لاتقاء الشر قبل وقوعه، فالإنسان الفلسطيني يحتاج أيضا للإعمار كالحجر والشجر، فقد دمرت الكثير من أجزائه، كقوته في العمل والتفكير وما لحقها من مشاكل نفسية ومادية وغيرها...، فهي تُشكل ضرر وضغوط على الانسان العامل الذي يعتبر الأساس في العملية التعميرية والتنموية إن وجدت الخطط لذلك نرى ضرورة العمل على التالي:
- أن يتم تصنيف العمال المتضررين والذين تقدر خسائرهم من أجور منذ العدوان 7/7/2014 حتى اللحظة بالملايين من الشواكل، وذلك من خلال نقاباتهم العمالية وبالشراكة مع مؤسساتهم التشغيلية أو اتحادات أصحاب العمل، لتكون حقوقهم وأجورهم جزء من خسائر منشاة العمل حتى يتم تعويضهم كغيرهم .
- ضرورة العمل على إعادة تأهيل العمال وتدريبهم مهنياً ليكونوا مستعدين للاندماج في عملية التعمير والبناء؛ خاصة أن عملية إعادة الاعمار تحتاج لكادر مهني وفني بأعداد كبيرة إن بدأت عملية ادخال المواد الاولية للبناء بشكل حقيقي وفق احتياجات التعمير في محافظات غزة.
- ضرورة إشراك النقابات العمالية الفلسطينية في كل الهيئات التي تعمل على مساعدة المتضررين من العدوان الصهيوني وضرورة الاستماع لآراء العمال عبرهم ليكونوا شريك حقيقي، فالمعركة القادمة للتعمير تحتاج جهود مضاعفة وشراكة حقيقية.
- ضرورة وجود هيئة وطنية لإعادة الاعمار في محافظات غزة تكون جامعة لكل مكونات المجتمع المدني والحكومة، فتوسيع دائرة المشاركة يساعد في تذليل كل العقبات ويساهم في تلمس الواقع المستهدف، ويفسح المجال للتفكير الجمعي ضمن الخطط والبرامج التعميرية.
لا أريد ان أطيل فالعمال كغيرهم من أبناء هذا الشعب الجريح الذي دفع فاتورة العدوان والصراع الاقليمي في المنطقة، وهو صاحب حق وقضية يدافع عن شرف الامة والمقدسات الاسلامية والمسيحية في ظل الصمت الدولي الذي يكيل بمكيالين لصالح العدو بما يشكل من دموية وحقد وكره وعنصريه اتجاه شعب أعزل يحاول البحث عن الحق في الحياة في عالم يفتقر للإنسانية والعدالة بما تحمل من معنى حقيقي على الارض، وحصانتنا هي وحدتنا وشراكتنا المبنية على أصول العدالة بعيداً عن الفئوية والتعصب والحزبية التي تهدد النسيج الاجتماعي والمجتمع فبالأيدي البيضاء والانتماء للوطن والعمل الجدي المنظم والهادف نستطيع أن نؤكد صمودنا ونصر إرادتنا للجميع.
• بقلم/ د. سلامه أبو زعيتر
• عضو الامانة العامة للاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين