عدت.. يا يوم مولدي.....!!

بقلم: توفيق الحاج

عدت يا يوم مولدي... عدت يا ايها الشقي...اوالغبي.....!! لا فرق.. مع الاعتذار لفريد الاطرش واغنيته الموجعة التي اسمعها وانا اكتب ما يشبه كشف حساب والحساب يوم الحساب عند صاحب الحساب...!!

نعم في ايلول ولدت... شهر ايلول ورقه الاصفر ..ذهب مشغول ..على رأي فيروز ..فيه بدء الخريف وبدء صبرا وشاتيلا وبدء العام الدراسي وبدء قصة حياتي .. قصة لا تستحق حتى ان تكتب رغم ما فيها من مضحكات ومبكيات.. وهي باختصار فيلم هندي فلسطيني مشترك ..ربما تتكرر للمرة المليون...!!

ولدت في يوم السلام العالمي ويوم حقوق الانسان ... ولادة نكته هههههه..فلا سلام ولا حقوق انسان..!!

ولدت لاجد نفسي تحت سماء سوداء عرفت فيما بعد انها الخيمة..والخيمة تدل على اللجوء وهذا هو الوعي حد الخرافة ...!!ثم كسيحا لابوين فقيرين اميين... قالت لي امي الباكية دائما : اشفق عليك الموت يامسخمط مرتين.. في الاولى دفناك و(امل) بنت جارتناعلى شط البحر وصوتنا عليك وعليها ثم زغردنا حسب التعويذة .. لتعود انت ولا تعود امل..!! وفي الثانية عندما قرر اطباء مستشفى الحميات ان لافائدة،ثم سجدوا جميعا لصاحب المعجزة !!

كبرت يرافقني صديقي المرض..وتعثرت بي المدرسة... ولكني تفوقت على معاناتي واقراني... وبدأت افتح عيني على حزن امي وفاقة ابي وقسوة جدي واعمامي..واسم قريتي والطعمة ..والحليب المالح للبط والحلو للبيع بقرش وكرت المؤن و صرة الاواعي وطحين ورز وسكروفول وحمص وكاز وعلب لحمة ...!!..كانت امي تبيع معظمها لكي نعيش بعد ان صرفت اخر حلق تملكه !!

كبرت اكثر ..وعيت اول ما وعيت صوت عبد الناصر من راديو خشب وهو يخطب في جامع الازهر(حنحارب ) وتساءلت..لماذا ارى دموعا تتلألأ في عيون ابي والسامعين يفترشون السافية؟!!

ولاول مرة اسمع (الطخ) وارى اليهود في المخيم. واحدهم يلاطفني بقطعة ليخم يابسة.يا الهي انهم بشرمثلنا .!! ثم ارى في ليل تشرين واهلي الهاربين قتلى ودم وبلح اصفر واحمر.. لنخيل يرقد في حضن السافية .. احببت جمال،وكنت ادس اسمه في كل اذاعة صباحية لمدرسة (الحوراني) الصارمة كي انال التصفيق والاعجاب!!

رايت المعلمين يتنافرون فيما بينهم ويتشاتمون، وعرفت في حينه ان هناك ناصري وبعثي وقومي واخواني. وحبتي..!! حلمت مع الحالمين بتحرير فلسطين ونحن نسترق النظر الى تلفزيون (جلود) في عيد الثورة منبهرين بالقاهر والظافر..لنستيقظ على هزيمة العمر..!! انطفا الامل بعدها في عيني ابي..واصبح فيما بعد ساداتيا.خالصا.!!

كبرت اكثر واكثر وانا انظر الى احذية المارة..واسمع عن الكرامة وفتح مرت من هنا.. ومحمد الاسود..ترعرع الامل من جديد لكنه سرعان ما دفن مع من دفنوا في البقعة والوحدات بسبب فرعنة السلاح!!

وتكرر المشهد تماما في بيروت وكان السنين لم تعلمنا.. لتقذف الامواج مقاومتنا المراهقة الى تونس!!

اشفق على الموت مرة ثالثة في جامعة الخليل ... وكانت دقيقة واحدة تفصل بيني وبين اصدقائي الذين قتلوا تحت اشجارالزيتون على ايدي مستوطني كريات اربع..!!

قاربت على الاربعين وانا استقبل الانتفاضة الاولى...ليشفق على الموت مرة رابعة وانا اد فع جنديا عن زميلي ومرة خامسة وانا احاول منع الجنود من ضرب ابنائي الذين يقذفون الحجارة..!! وكم شهيد علمت وحملت ونعيت وبكيت....كانت الانتفاضة هذه مهرة عفوية ..سرعان مااثقلتها الفصائل الرعناء بالاخطاء والخطايا فماتت قهرا

وجاء مدريد..فالواي ريفر فاوسلو....وعرفت من الخبايا مايقشعر له البدن..وعرفت اكثر ان السياسة لادين لها ولاضمير.. تسلق من تسلق..وتملق من تملق.فمات حيدر عبد الشافي قبل ان يموت وتحولت قعدة ضيافة حضرتها لعبد الله الحوارني في خان يونس ...بوحي من مناديب الوقائي الى محاولة انقلاب..!! وربنا ستر

ويحاصر الرمز في المقاطعة ويتخلى عنه الجميع ويموت مسموما..فيتولى عباس ..تترهل السلطة اكثر ويزداد الفساد وتشرق الانتخابات بحماس..فياتي ماهو العن ليعظم الخلاف ويحدث الانقلاب فتتجلى سورة يوسف في ليل الجفاف..!! وكان الانقسام ...رفعت الاقلام وجفت الصحف..!!

اصبحت محاصرا في حصار ومطاردا في وضح النهاروالقيد يزداد ضغطا على الرسغين..فالي اين الفرار!!

قاربت على الستين..وانا ازرع الامال.. لتتحطم على صخور غزة البائسة.. فلا تحرير...ولاعودة ولاكرامة .. ولا مصالحة.. وتقزمت طموحاتنا .. الى نفق .. وسولار مصري رخيص وكوبونه من عطايا امير الجامع..

اصبحت غزة قفصا كبيرا للدجاج... به بعض الديوك التي تصيح كل صباح بالمقاومة..!!

ثلاثة حروب في5 اعوام وثلاثة انتصارات....ارجعتنا وبدون تجن الى ما وراء الصفر في كل شيء..

واللي مايشوف بالغربال يا مسطول ...احول بعيون عمصاوية..!!

هكذا حاولت ان اختصر كذبة عمري ما استطعت ...ولازال عندي امل بان تعود امل وحبيبها عمر و فريد يواصل النواح والبكاء..(الصبا ضاع من يدي ..وعزا الشيب مفرقي..ليت يا يوم مولدي.. كنت يوما بلا غد ..!!)