ألمُ الحرِ ووجعُ الشريف

بقلم: مصطفى يوسف اللداوي

إن من أشد ما يؤذي الحر الشريف ويؤلمه، ويحز في نفسه ويحزنه، ويوهن نفسه ويضعف جسده، ويبلي صحته ويحل بسلامته السقم، ويصيب روحه بالبِلى، وحياته بالبَلى، ويحل به عِظَم البلاء، وبؤس الشقاء،

أن يرى ظالمه على الأرض يمشي، وبين الناس يسير، على قدميه واقفاً، سليماً معافى، مالكاً لأمره قوياً، متمكناً عصياً، يدك الأرض، ويجر الذيل، ويتطلع إلى الجبال طولا،

سعيداً فرحاً، فخوراً مغتراً، متكبراً متعجرفاً، متعالياً مباهياً، غيرَ خائفٍ ولا وجل، ولا يضطرب ولا يرتبك،

ينعم بخيراته ويستمتع بما سرق، يوزع ويفرق، ويقسم ويعطي، ويظهر البذخ، ويتعمد الترف،

يضحك لؤماً، ويبتسم حقاً، وتنفرج أسنانه عن خبثٍ،

لا يخاف انتقاماً، ولا يخشى ثأراً، ولا يتوقع الهزيمة، ولا يتصور أن تبور تجارته، وتغور في الأرض أمواله،

ولا يتحسب من انقلاب الأحوال وتغير الظروف،

يعتمد على قوته، ويتستظل بالظلم، ويحصن نفسه بالاعتداء،

يستكثر من الظالمين، ويحيط نفسه بجوقاتٍ من الفاسدين، ويورث أولاده ظلماً أشد، ويحملهم أمانةً أسوأ،

اطمأن من قلق، وارتاح من تعب، وخلد من سهر، ونام ضميره وقد سكر،

ولكن الحر الشريف لا ينسى حقه، ولا يفرط فيما كان له، ولا ينسى ظالمه، ولايعفو عن قاتله، ولا ينام عن ضيمٍ حل به، أو خديعةٍ وقع فيها، أو مصيبةٍ دبرها له شانئوه، أو صنعها له الكائدون.

فلا يركنن ظالمٌ أن الزمان سيبقى له أبداً، ولا تطمئن نفس غادرٍ أن سيف العدل لن يطوله،

ولا يستشعرن القوة شاب، وإن بدا فتياً جلداً، ولا يغترن بعقله أنه ماكرٌ أريبٌ، وأنه يقظٌ ودوماً حذرٌ،

ولا يستهينن بالعدل والقصاص من ظن نفسه على الأرض متجبراً، وبين الناس بمن حوله محصناً،

فقد علمنا الزمان، وكذا كانت سنن الحياة ونواميس البشر،

أن الحيوان لا ينسى من يخيفه، ولا يأمن له ولا يخفض له جناحه، كما أنه لا يغدر بمن يحنو عليه ويعطف،

ولا الإنسان يقبل بأن يصعر الخد دوماً، ولا أن يطأطئ الرأس أبداً، ولا أن يعيش بين الحفر عمراً،

قد علمنا الزمان، وحفظ لنا التاريخ، وبقيت بيننا العبر والحكم،

يدركها العالمون، ويتعلم منها العاقلون، ويتجنب عاقبة أمرها ذوو الأحلام والنهى،

أن الحق لا يموت، وأن الصفعة لا تنسى، وأن الحر لا يستطيب عيش العبيد، ولا يرضى برغدٍ ذليل، وعيشٍ مريرٍ، ومهانةٍ في كنف ظالمٍ لعين، وأنه إن انتقم فليس بغادرٍ، وإن ثأرَ فليس بخائنٍ، وإن استعاد حقه ورد الصفعة بأقسى منها وأشد فليس بظالمٍ ولا معتدي، فرد الاعتداء عدل، وصد العدوان شرف، وطعن الباطل شجاعةٌ ونبلٌ وشهامة.