المسارات السياسية والقانونية للقضية الفلسطينية في ضوء العدوان على غزة

بقلم: حنا عيسى

القضية الفلسطينية قضية محورية في السياسة الدولية والعالمية، وهي قضية تختلف عن كل قضايا التحرر العالمية عبر التاريخ الحديث، فهي ليست قضية تحرر فقط، بل قضية وجود ، بمعنى أن قضايا التحرر كان يقر العالم فيها أن هذه الدولة أو ذلك الشعب يحتل دولة أو شعباً أو أرضاً ليس له، أما قضية فلسطين فهي قضية أحقية في الوجود، ففلسطين هي حق للفلسطينيين، وهذا الرأي تؤمن به كل الشعوب الإسلامية والعربية.

وبات من الضروري وجود إستراتيجية فلسطينية متعددة المسارات ضمن رؤية وتخطيط بعيد المدى تحيط بكل المصالح والمخاطر القومية، تربط الحاضر بالماضي وتستشرف المستقبل وتنطلق من رؤية علمية للواقع بكل مكوناته وتشابكاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية ،المحلية والدولية، إنها فن التوفيق بين الإمكانات القومية بكل مكوناتها من جانب والأهداف القومية من جانب آخر، هذه الإستراتيجية هي الأساس الذي تقوم عليه سياسات الدول والكيانات السياسية العقلانية. الإستراتيجية تؤسس على المصلحة الوطنية العليا أو ثوابت الأمة التي هي محل توافق وطني.

فالفرص السياسية تشكل رافعة وعامل مشجع للاعبين الرئيسيين يمكنهم استغلالها في حشد الجماهير وادامة العمل الجماعي المستمر، وهو هدف اساسي لأي حركة سياسية اواجتماعية. 

وإذا أردنا تطبيق هذه القاعدة على الواقع الحالي في فلسطين، وفي ظل العدوان الاخير على قطاع غزة فان تفعيل المسار القانوني الدولي من شأنه أن يوجه اتهامات لإسرائيل لارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بسبب ما نفذته سلطات الاحتلال بطائراتها الحربية ومدفعياتها وجنودها من جرائم ومجازر بحق الالاف من المدنيين وفي مقدمتهم الاطفال.

واذا بات طريق المفاوضات لوحده طريق مسدود، لا بدّ من تفعيل أدوات أخرى على المستوى الحكومي العربي أو الجماهيري، بما فيها دعم الصمود وإعادة الوحدة الفلسطينية واستثمار المشاعر الإيجابية لحركة التضامن الدولية، لاسيما بعد العدوان على غزة. وإذا كانت شروط التفاوض نظرياً تتطلب معرفة ودراية وحنكة، لأنه عمل جدي ومعقد ويحتاج إلى خبرة وقدرة، فضلاً عن دقة في التفاصيل وحدود للفريق المفاوض، فإنه يعني، لاسيما للفريق المدافع عن عدالة وشرعية قضية، تقديم تنازلات مسبقة، ولهذا اقتضى الأمر رفع المطالب الابتدائية إلى أعلى سقف. والتفاوض يعني نهاية المطاف قبول بعض الحلول الوسط، الأمر الذي يتطلب الإبقاء على خيارات أخرى غير التفاوض، ولعل عدم التفاوض هو جزء من التفاوض ذاته، وقد يتطلب الأمر تجميد الوضع التفاوضي لحين أو التهديد بخيارات أخرى بما فيها الانتقال من الخيار السياسي والمدني.

وإذا كانت المفاوضات السرية وسيلة من وسائل الصراع، فإن القوى الضعيفة لا ينبغي أن تلجأ إليها لأنها ليست في مصلحتها، وذلك بالإشارة إلى مفاوضات مدريد- أوسلو، وبالطبع فإن العكس هو الصحيح فإن القوى القوية والمتنفذة سيكون من مصلحتها أن تلجأ إلى المفاوضات السرية، لكسب الوقت وعدم إعطاء أي تعهدات علنية، وهو الأمر الذي ينبغي إدراكه عند التعاطي مع موضوع المفاوضات. وإذا طبّقنا ذلك على الوضع الفلسطيني فإن المفاوضات السرية وما تمخض عنها أدت إلى انهيار وحدة الموقف الفلسطيني، والإطاحة بموازين القوى لمصلحة إسرائيل، وفقدان زمام المبادرة، خصوصاً بعد التشطير والتفتيت، وهذه الظروف الشديدة الوطأة انعكست سلباً على منظمة التحرير الفلسطينية، وأسهمت في تجميدها كإطار مرجعي للشعب العربي الفلسطيني منذ نحو عقدين من الزمان.

ومن المسارات التي يمكن العمل عليها خلال المرحلة المقبلة، تقوية الموقف الفلسطيني تجاه تحقيق مطالبة العادلة، والعمل ضمن رؤية موحدة بهدف الحصول على الحقوق الفلسطينية. اضافة الى ضرورة الإسراع في التوجه إلى محكمة  الجنايات الدولية أو توقيع اتفاق روما والذي يمكن من خلاله ملاحقه جرائم الاحتلال بحق أبناء الشعب الفلسطيني. وفي حال تأخر هذا الأمر فمن الضرورة رفع دعاوى من خلال الدول الموقعة على هذه الاتفاقيات وبالتالي من شأن ذلك منع قادة الاحتلال من حرية الحركة عبر دول العالم، وارادت اسرائيل من عدوانها تصفية القادة الفلسطينيين، وتدمير ما أمكن من مخزون الصواريخ، وتدمير أنفاق سيناء، وتدجين المقاومة، واستعادة الهيبة العسكرية الإسرائيلية، واختبار نجاعة منظومات، وخطط "مناعة الجبهة الداخلية"، والتأثير في وجهة الرأي العام الإسرائيلي، الا انها لم تستطع إلزام المقاومة بشروطها الأولية، كما أنها لم تتمكن أن تحقق أهدافها الحقيقية في الميدان، واضطرت للاستجابة لشروط المقاومة.

أهداف المسارات:-

- حماية حقوق وثوابت الشعب الفلسطيني.

- تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه في المقاومة المشروعة عبر تكتيكات وأشكال يتم التوافق عليها وفق مجموعة  من الوسائل بلا استثناء.

- تمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره، وبناء دولته المستقلة كاملة السيادة، مع عودة اللاجئين، وإطلاق سراح كافة الأسرى.

ان القاعدة القانونية لتطبيق مبدأ حل الدولتين يكمن بالاساس بعدم جواز الاستيلاء على اراضي الغيرعن طريق العدوان، وبالتالي ان تعاد الى العرب كل الاراضي المحتلة التي احتلتها اسرائيل منذ عام 1967 وان تصفى المستوطنات التي اقامتها و تقيمها اسرائيل في الاراضي المحتلة بعد عام 1967، وان تعلن حرمة الحدود بين اسرائيل وجيرانها العرب وان يتضمن عمليا الحق الثابت للشعب العربي الفلسطيني، الذي تعتبر منظمة التحرير الفلسطينية ممثلته الشرعية الوحيدة، في تقرير مصيره بنفسه وإقامة دولته المستقلة في الاراضي الفلسطينية التي سوف تتحرر من الاحتلال الاسرائيلي – الضفة الغربية وقطاع غزة. وأن يعاد الى العرب الفلسطينيين ويصبح جزءاً لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية الجزء الشرقي من القدس الذي احتلته اسرائيل في عام 1967، و أن يمنح اللاجئون الفلسطينيون الامكانية التي تنص عليها قرارات الامم المتحدة للعودة الى ديارهم. وعلى ضوء ما ورد اعلاه يجب أن يضمن فعلياً حق كل دول المنطقة في الوجود والتطور الامنين المستقلين وذلك، طبعاً، مع التقيد بالمعاملة الكاملة بالمثل، لانه يستحيل  ضمان الامن الحقيقي للبعض مع انتهاك امن الاخرين حينئذ توقف حالة الحرب واحلال السلام بين الدول العربية واسرائيل و هذا يعني ان على أطراف الصراع جميعاً، و من بينها اسرائيل والدولة الفلسطينية التعهد بالاحترام المتبادل لسيادة كل منها واستقلاله ووحدة اراضيه ويحل من يظهر من خلافات بالوسائل السلمية عن طريق المفاوضات.