الحراك السياسي الفلسطيني لازال مستمرا ...ولا زالت ردود الافعال تتزايد بالإيجاب والسلب حول توجهات الرئيس محمود عباس والتي يبدو أنها قد احدثت مفاعيلها الاولية من خلال الموقف السويدي ومجلس العموم البريطاني والمواقف الاوربية بشكل عام اضافه الى مجمل المواقف العربية والدولية والتي تدفع باتجاه الخطة الفلسطينية ...في ظل ردود فعل إسرائيلية تزداد غضبا والى الحد الصريح والفاضح والذي يكشف عن الوجه الحقيقي لهذا الكيان وساسته ومجمل سياساته الاستراتيجية والتي لا تخرج عن اطار ادارة الصراع ...وليس العمل علي حل الصراع ... وهذا ما توضح جليا بالتصريحات الاسرائيلية التي قالت وبوضوح انه لا انسحاب لحدود الرابع من حزيران 67 ...وليس هناك امكانيه لدولة فلسطينية ...وأنه لا يمكن أن يتم الانسحاب من الضفة الغربية ....وان القدس موحدة وعاصمة ابدية لإسرائيل ...وأن الاستيطان قائم وممتد ويتوسع باستمرار ... وأن الرئيس محمود عباس اصبح محرض وليس شريك بالسلام ...تصريحات متتالية من نتنياهو ويعلون وليبرمان تبدي تشددا وتطرفا وجنوحا يمينيا يتناقض وامكانيه تحقيق السلام ومفهوم حل الدولتين .
ادارة الرئيس الامريكي أوباما العاجزة عن انجاز أي ملف من الملفات الدولية والاقليمية والتي تصادمت مع نتنياهو دون صخب اعلامي وما كشف عن هذا الصدام نتنياهو الذي أعطي درس للإدارة الامريكية في كيفيه التمسك بالقيم وحرية اسرائيل في فعل ما تشاء ووقتما شاءت علي ارضها ولصالح شعبها ...وقاحة إسرائيلية ..ومغالطات تاريخية ...وجرائم ترتكب تحت غطاء الادارة الامريكية وانحيازها وعدم قدرتها علي اتخاذ موقف معارض للسياسية الاسرائيلية يمكن من خلاله تصويب عملية السلام ..وتحقيق الامن والاستقرار الاقليمي من خلال ايجاد حل للقضية الفلسطينية برمتها ...وما كان للإدارة الامريكية الا أن تحركت عبر وزير خارجيتها جون كيري الذي أطلق مبادرته السياسية لتحقيق الاهداف التالية :
اولا: وقف تحرك الرئيس محمود عباس وافشال خطته وتوجهاته لمجلس الامن الدولي .
ثانيا: العودة الى عجلة التفاوض الثنائي .
ثالثا: خلق الاجواء بالمنطقة حول الحرص الامريكي علي السلام بما يعزز الدور والمكانة الامريكية لدي دول المنطقة .
رابعا: زيادة قوة التحالف الدولي لمحاربه ما يسمي بالدولة الاسلامية في العراق وسوريا من خلال دعم دول الاقليم .
الموقفين الاسرائيلي والامريكي مستمرون في ادارة الصراع ...وليس العمل علي حل الصراع وهذا ليس بجديد بالسياسة الامريكية وتوجهات الادارات المتعاقبة والتي كانت تسير بهذا الاتجاه في اطار تحركاتها السياسية ولقاءاتها مع دول الاتحاد الاوروبي وحتي مع الدول العربية ...فلم تكن الادارة الامريكية جادة وملتزمة بعملية التسوية السياسية ومفهوم حل الدولتين علي اساس الانسحاب الاسرائيلي الي حدود الرابع من حزيران 67 والقدس الشرقية عاصمة دولة فلسطين وفي واقع الترابط الجغرافي للدولة الفلسطينية ...والسيادة الكاملة ...وليس كما يردد المسئولين الإسرائيليين أن الحل الممكن يأتي في اطار حكم ذاتي وبتواجد أمني اسرائيلي ...ويترك المجال للفلسطينيين أن يسموا هذا الحكم بما يشاءون دولة ...جمهورية...امبراطورية ...كما غزة لها ما تريد دولة ..امارة ...امبراطورية .
أي أن اسرائيل والولايات المتحدة لديهم موقف استراتيجي علي ان أي كيان فلسطيني يجب ان يكون خاضع للأمن الاسرائيلي ...وان الحدود كما البحر والسماء في اطار السيطرة الاسرائيلية ...وأن أي كيان يمكن أن يكون يجب أن يكون منزوع السلاح ...وأن القدس ممكن أن تكون علي الحدود ما بين القدس ورام الله ...وأن اسرائيل ستبقي لها اليد الاولي في فعل ما تشاء ووقتما شاءت حسب نظريات امنها .
ما تريده اسرائيل وامريكا ليس سلام مشرف ...لكنه الاستسلام باطار ادارة الحل الممكن لكيان ضعيف يعيش بمعازل وكانتونات وغير مترابط جغرافيا....وليس لهذا الكيان أي مقومات اقتصادية ...بل سيكون ساحة للانفجار الذاتي ضد أي حكم مهما كان في ظل الخناق والسيطرة الاسرائيلية التي تريد لنا كيان فاشل لا قدرة له علي تلبية احتياجات الشعب الفلسطيني ...كما ليس له قدرة علي احداث التنمية ...كل ما تريده اسرائيل ان يكون هناك كيان ضعيف يعيش علي الإغاثة والمساعدات المسيسة والتحكم بهذا الكيان عن بعد ...ولا يهم اسرائيل من يكون علي راس الهرم لهذا الكيان ...لأنها ستبقي تراقب ما يجري ..وتحرك مصالحها وفق منظومها الاستراتيجي السياسي والامني .
أمريكا والتي لا تخرج عن ارادة واستراتيجية اسرائيل والتي تصنع لنا الازمات داخل الاقليم تحت ما يسمي بمحاربه الارهاب ولفت الانظار عن القضية المركزية قضية فلسطين وجعل دول المنطقة في حالة استنفار امني وسياسي واقتصادي لمواجهه الارهاب والتطرف وما يمكن أن تسفر عنه المواجهات من متغيرات سياسية ..وتقسيمات جغرافية في العراق وسوريا وليبيا واليمن ...وما يمكن أن ينعكس علي لبنان سواء داخليا علي صعيد الطوائف المتعددة مع احتمال المواجهة مع حزب الله .
امريكا واسرائيل مستمرون بتغذية بؤر التوتر طالما كان علي أرض الاخرين ومن يدفع الثمن شعوب المنطقة ..وانظمتها السياسية ..مما يوفر لإسرائيل المجال واسع للاستفراد بالفلسطينيين وطرح الحلول الممكنة بعيدا عن الشرعية الدولية وقراراتها ومؤسساتها ...وفي الجانب الاخر تعطي اسرائيل لنفسها حق استخدام القوة العسكرية في الوقت التي تشاء ...وكما وتطالب بإجراء المفاوضات الثنائية المباشرة في وقت أخر ...دون الالتزام بمرجعيات ...ودون سقف زمني ...وبعيدا عن رسم الحدود ..والاهم دون تحديد حدود اسرائيل التي لم تعرف حتي الان .
اسرائيل لا تخفي أطماعها واستراتيجيتها التي تدير بها الصراع ...كما الولايات المتحدة وان اختلفت في الكلمات الا أنها لا تخفي رغبتها بإدارة الصراع تطابقا امريكيا اسرائيليا في ادارة الصراع ...وليس حل الصراع .
الواقع الفلسطيني والمشهد الفصائلي وفي ظل كافة المناكفات والمشاكسات والتصريحات المتباينة والصراع علي معبر هنا وهناك يشعرنا بالحسرة والالم والحزن العميق علي ما وصلنا اليه وارضنا تسرق امام اعيننا ..والمستوطنات تزداد أمام أعيننا ..والمسجد الأقصى يستباح علي أعيننا ...والمشروع الوطني الفلسطيني وقد أصبح اكثر تهديدا ...ونحن علي حالنا وانقسامنا وتفككنا ...ولا يقل لي احد أن الانقسام قد انتهي ..وأن حكومة التوافق قد أمسكت بزمام الامور وبسطت هيمنتها علي كافة الاراضي الفلسطينية ...فنحن لا زالنا بالضفة والقطاع تحت الاحتلال وبأشكال متعددة ...ولا زالنا لا نتحكم بأي مظهر من مظاهر السيادة ...ومع كل ما نحن فيه ...وما يجري ضدنا واسرائيل تحاربنا بطائراتها وصواريخها ...كما وتحاربنا باستيطانها...تحاربنا بحصارها والامساك بخيوط حياتنا وادخال البضائع لنا ...كما امتلاك التصريح أو المنع لدخولنا وخروجنا ...كما تحاربنا بإدارة احوالنا وبالطريقة التي تراها .
كل شى بيد اسرائيل ...ونحن لا زالنا لا نتعلم ولا نستفيد من تجربتنا ...وكلا منا له مصالحه الذاتية التي لن تدوم طالما الاحتلال جاثم علي صدورنا ..والفصيل لا يتنازل لفصيل اخر ...والفصيل لا يتنازل لحكومة توافق ارتضيناها جميعا ..وكل الخوف والمصيبة الكبرى أن يكون بيننا من يعمل علي ادارة الصراع ...وليس العمل علي حل الصراع ...وهذه أزمة معقدة ومتشابكة وتحتاج الى مزيد من البحث لدراسة طبيعة المواقف وتكتيكاتها ...وحتي لا نخدع بما يقال ...وبما لا يقال ...ونحن صفر اليدين ...لا مال اعمار قد وصل ...ولا مال موظفين قد وصل ...وبطبيعة الحال وفي اطار السياق المتوفر حتي الان لا دولة الا علي المقاس الاسرائيلي .
اسرائيل تحاربنا معنويا اعلاميا سياسيا واقتصاديا ...ونحن نختلف مع بعضنا البعض علي الصغيرة والكبيرة ...ونعمل علي افشال بعضنا البعض ...وكأننا ندير صراعنا الداخلي دون ايجاد حل لمشكلاتنا وما ترتب علي انقسامنا ...فكلها ادارة ..بإدارة ... ولا حلول جذرية لا علي صعيدنا الداخلي ..ولا علي صعيد هذا الكيان الغاصب لارضنا .
المصيبة الكبرى... اننا ندرك نوايا اسرائيل ومخططاتها ...كما ندرك السياسة الامريكية وانحيازها ..ولكن أن نعرف كل ذلك ...ونحن لا نتحرك في اطار وحدوي وفكر سياسي قادر علي مواجهه التحديات والمخاطر ...يثير الكثير من التساؤلات ...وعلامات الاستفهام ...والتي هي بحاجة الى اجابات شافية ووافية من اصحاب القرار ... وما أكثرهم في وطننا !!!
الكاتب :وفيق زنداح