وثيقة " الخطوط الحمراء "

بقلم: هاني العقاد

تزداد المؤشرات التي تؤكد حدوث تغير إيجابي في الموقف الاوروبي الرسمي لصالح الفلسطينيين ونضالهم المشروع من خلال موقف الاتحاد الأوروبي الرسمي , وأصبح مؤكدا أن الموقف الأوروبي رفع درجة تغير الموقف السياسي لصالح الحقوق الفلسطينية بعد إفشال اسرائيل المفاوضات التي رعتها الولايات المتحدة بقصد دون التوصل الى أي حلول ومن ثم الامتناع عن اطلاق سراح الدفعة الرابعة من الاسري القدامى المتفق مسبقا على إطلاق سراحهم ,وبعد الحرب الاخيرة على غزة والتي احدثت دمارا كارثيا في البنية المدنية والتحتية الفلسطينية , ولعل الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل في الحرب الاخيرة اصبحت تنذر بحدوث وتكرار هذه الجرائم إن لم يتم حل جذري للصراع , وبعد انكشاف مخططات اسرائيل في تغير الواقع الفلسطيني على الارض في الضفة الغربية والقدس المحتلة وتسارع وتيرة الاستيطان وسرقة الاراضي والبيوت الفلسطينية في القدس واقتحام المسجد الأقصى من قبل المستوطنين المتطرفين تحت حماية وتسهيلات الشرطة الصهيونية لهذه الاقتحامات بل إن الامر تعدي هذه الاقتحامات لتنفذ اسرائيل مشروع عنصري كبير يعطي اليهود حق مقاسمة المسلمين المسجد الأقصى و باحاته واقامة الهيكل اليهودي داخل المسجد الأقصى المبارك .
ما يدعو للقلق أن اسرائيل تبحث كل يوم عن كل شبر وبيت فلسطيني في القدس الشرقية لتصادره وتجعل منه ثكنة احتلالية استيطانية يهودية لتقضي بذلك على الوجود الفلسطيني بالمدينة المقدسة وتنهب اراضيها وتحول احيائها وازقتها وتاريخها القديم الى شيء كأنه لم يمت للتاريخ العربي والاسلامي بصلة ضمن مخطط لطمس الهوية الاسلامية العربية بالمدينة , وهذا إجراء اسرائيلي استباقي لتجعل من تطبيق مشروع حل الدولتين أمرا مستحيلا وبالتالي لا يمكن لأي قوة بشرية أن تتنبأ بموعد نهاية حقيقية للصراع لان الحرب ستكون حربا مفتوحة ليس في القدس فقط بل في كل مكان تتواجد فيه اسرائيل عندها ستدخل النار كل بيت إسرائيلي ,ولأدراك رئاسة الاتحاد الأوروبي خطورة ما يجري الان بالقدس و للتصدي لتسارع وتيرة الاستيلاء الإسرائيلي على المدينة المقدسة وخاصة الجزء الشرقي من المدينة والذي تم احتلاله عام 1967 ويقع ضمن خطة ومشروع حل الدوليين سارع الاتحاد الأوروبي بدراسة ارسال وثيقة اوربية كانت قد جاءت نتيجة لمداولات 28 سفير دولة في قيادة الاتحاد والتي جرت في العاصمة البلجيكية بروكسل مؤخرا على خلفية اعلان اسرائيل مصادرة 4000 دنم من اراض بيت لحم لصالح اقامة وحدات سكنية استيطانية على اراضي المواطنين الفلسطينيين, وعلى خلفية تقديم عطاءات بناء لألاف الوحدات السكنية الجديدة في الضفة الغربية والقدس ما يهدد بالفعل أي حل نهائي للصراع .
وتستند الوثيقة على موقف الاتحاد الاوروبي لحل الصراع في المنطقة المتمثل بحل الدولتين و قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وذلك هو الحد المنطقي والقبول للصراع ولمنع اسرائيل في خطواتها ووقف نهبها لكل الارض الفلسطينية ضمن هذه الحدود او اجراء تغيرات ديموغرافية وجيوسياسية , وسيقوم سفير الاتحاد الاوربي في اسرائيل السيد (لارس فايروغ امدرسون) بتسليم هذه الوثيقة الى وزارة الخارجية الاسرائيلية ومستشار نتنياهو للشؤن الامنية (يوس كوهين) وتتضمن الوثيقة نقاط ايجابية كبيرة من شأنها أن تشكل بداية دولية حقيقية للوقوف في وجه الاستيطان الاسرائيلي ومخططات حكومة اليمين المتطرف ومن هذه النقاط أن رئاسة الاتحاد الأوروبي تطالب بإلغاء البناء في "جفعات همتوس" في القدس الشرقية، كون هذا البناء سيساهم في تغيير كبير على جغرافيا مدينة القدس ويمنع بأن تكون القدس عاصمة لدولتين, كما تطالب الوثيقة بمنع أي بناء في مستوطنة جبل ابو غنيم جنوب مدينة القدس ويمنع البناء في منطقة "E1" الواقعة بين مستوطنة "معالي ادوميم" ومدينة القدس، لأن أي بناء استيطاني في هذه المنطقة يمنع التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية العتيدة, وتحذر الوثيقة من ترحيل 12 الف من التجمعات البدوية المنتشرة في محمية مدينة القدس ومناطق الضفة الغربية الى غور الاردن , واكدت الوثيقة على الامتناع والتوقف عن اجراء أي تغير في الوضع القائم في المسجد الاقصى , وشدد الاتحاد الأوروبي على ضرورة تلقي تجاوب ايجابي من اسرائيل خلال المفاوضات التي سيقوم بها الاتحاد مع اسرائيل بخصوص هذه الوثيقة .
قد لا تكفي هذه الوثيقة بدون التلويح بعقوبات اوربية في حال تجاوزت اسرائيل تلك الخطوط الحمراء التي اقرها الاتحاد الاوروبي برفع درجة المقاطعة الاوروبية للبضائع الاسرائيلية و وقف التعاون الاكاديمي والاقتصادي المستقبلي مع اسرائيل خلال المرحلة الاولى ,والاعتراف كل دول الاتحاد الأوروبي بالدولة الفلسطينية على حدود العام 1967 والمسارعة بالتقدم بمشروع اوروبي لمجلس الامن بهدف توفير الحماية الدولية لسكان وحدود هذه الدولة وتطبيق ما جاء باتفاقية جنيف الرابعة من خلال قوات متعددة الجنسيات من الخبراء والجغرافيين والاقتصادين لمنع اسرائيل من التمادي في مخططاتها لا بل واستصدار قرار اممي باعتبار أن كل التغيرات التي حدثت للأراضي التي احتلت عام 1967 لاغية ويجب العودة عنها وكأنها لم تكن , ولعل وثيقة الاتحاد الاوروبي "الخطوط الحمراء" قد تساهم الى حد ما في دعم المسعي الفلسطيني لاستصدار قرار ينهي الاحتلال الاسرائيلي من مجلس الامن ويعترف بحدود الدولة الفلسطينية على هذه الارض التي حددتها الوثيقة .
[email protected]