المتتبع للمشهد الفلسطيني الراهن يجد كثير من الأمور المتناقضة والمتداخلة والمتشابكة والمعقدة التركيب ، بحيث لا يستطيع المرء تشخيص الحالة الفلسطينية العامة بسبب أوراقها الكثير المتناثرة تارة والمختلطة تارة أخرى ، الأمر الذي يجعل الفلسطيني اليوم في حالة تيه لا يدري متى يهتدي إلى الطريق الصحيح
وربما ما دفعني إلى كتابة هذه السطور هو ما قراناه من تصريحات لبعض القادة من فصائل مختلفة ، منها ما يقول أن صبر غزة قد قارب على النفاذ ، وآخر يقول إننا جاهزون للمعركة إذا لم برفع الحصار وتأخر الإعمار ، وثالث يقول : لا إعمار بدون استلام السلطة لمهامها في غزة .
تصريحات تثير التساؤل ولكن قبل أن نثير هذا التساؤل لا بد من التعرض قليلا إلى فسيفساء الحالة الفلسطينية الراهنة ، أولا: أن هناك شعب صابر محاصر منذ سنوات ، أنهكته البطالة والفقر ، وأوجعته الحروب المتوالية ، تكبد خسائر جسيمة حيث فقد الآلاف من الشهداء وعشرات الآلاف من الجرحى نسبة كبيرة منهم أصيبوا بإعاقات دائمة ، عشرات الآلاف من المنازل المدمرة ، يصاحبها مئات الآلاف من المشردين بلا مأوى ، اقتصاد متهاوي ، ووضع اجتماعي لا يحسد علية ، عشرات الآلاف من الشباب بلا أمل في مستقبل أفضل ، آلاف الأرامل والأطفال اليتامى ، في ظل هذه الحالة ينظر هذا الشعب مترقبا تغير الحال آملا أن يصحو يوما وقد بدأت عجلة التغيير في حياته ، ولكن الأيام تمضي ولا شيء من هذا ، وتتفاقم الحلة المأساوية التي يعيش فيها .
ثانيا : قيادات لا تستطيع تحديد لها خط أو لا تستطيع التعرف على منهجها وطريقة تفكيرها ، لا تعرف ماذا تريد وكيف تريد ، فمن جانب المفاوضات هنا اعتراف علني بعبثية المفاوضات وعدم جدواها لأنها قطعت ردها طويلا من الزمن بلا أي تقدم أو نتيجة ، ومع ذلك نراهم يصرون على الاستمرار في هذا الطريق بدعوى أن القبول بالذهاب إلى المفاوضات سيكون مشروطا بتحديد سقف زمني وإذا... وإذا... وكان هذا الأمر هو لأول مرة ،
ثالثا : هناك تعنت إسرائيلي ، وتصريحات علنية من القادة الإسرائيليين حول نواياهم ورؤيتهم حول إنهاء الصراع ، الذي دام عشرات السنين شهدت العديد من الحروب والقتل والتشريد بين أبناء شعبنا ، لتاتي رؤيتهم حول دولة منزوعة السلاح لا سيادة لها على أجوائها وبحرها بل وحدودها ، رؤية مصاحبة لمشاريع استيطانية لا تنتهي ، وغير أيه بكل الأعراف والمواثيق الدولية .
رابعا : حركة المقاومة الإسلامية حماس التي سيطرت على قطاع غزة منذ العام 2007 ، وبعد جهود مضنية حول الوفاق والاتفاق وإزالة الانقسام ، تم موافقة حركة حماس على تشكيل حكومة الوفاق الوطني ، وما أن تشكلت هذه الحكومة ما انفكت المناكفات حول تسليم صلاحيات هذه الحكومة في قطاع غزة ، وما زالت الأمور كما هي على الرغم من زيارة رئيس الحكومة والوزراء وعقد اجتماعها الأول في قطاع غزة بعد مرور أكثر من أربعة أشهر على تشكيلها ، ناهيك عما صاحب هذه الحكومة من مسائل وأهمها مسالة رواتب موظفي قطاع غزة المحسوبين على الحكومة المقالة .
خامسا سياسيا ، هناك اعتراف أممي بقاسطين دولة بصفة مراقب ، وهو إشارة قوية بانتهاء حقبة واسلوا وان لم يكن هناك نصوصا بذلك ، وهناك نوايا من القيادة بإحالة مسالة إنهاء الصراع وفق جدول زمني إلى مجلس الأمن الدولي ، وبعيدا عن الأمر الذي نعتقد انه إضاعة للوقت لا أكثر لان نتائج المداولات في مجلس الأمن معروفة سلفا خاصة وان الولايات المتحدة الأمريكية لا تقبل إصدار أي قرار يلزم إسرائيل بقبول ما يسعى إليه الفلسطينيون ، لذلك استخدام حق النقض الفيتو للمطالب الفلسطينية هو الاحتمال الأقرب ، يبقي قرار الجمعية العامة في نوفمبر 2012 بشان الاعتراف بالدولة الفلسطيني ، إذا أن هذا الاعتراف يفتح الآفاق واسعة للفلسطينيين للذهاب للانضمام إلى المنظمات الدولية التي يمكن ملاحقة إسرائيل من خلالها على جرائمها بحق الشعب الفلسطيني . كل هذه الإمكانيات والفرص إلا أن القيادة الفلسطينية ما زالت مترددة في الانضمام إلى المنظمات الدولية، و ماضية في استمرار التعاطي مع السلطة وحيثياتها وعدم ترسيخ مبدأ الدولة ولتكن دولة تحت الاحتلال في أسوأ الظروف .
سادسا : الحرب على قطاع غزة والتي استمرت طوال 51 يوما وما خلفته من دمار وخراب وقتل وتشريد ، وما زال شعبنا في قطاع غزة يعاني جراء هذه الحرب ، حيث عشرات آلاف الآلاف من الأسر بلا مأوى وينتظرون إعمار ما دمرته الحرب ، في الوقت الذي يتم فيه حتى اللحظة تجاذب مسالة الإعمار والمسالة معلقة في اليد الفلسطينية والاتفاق والتفاهم بين القائمين على الأمر في غزة ونقولها بصراحة على الرغم من وجود حكومة توافق وطني وبين القيادة ممثلة في الرئاسة والحكومة في رام الله ،
نعود إلى التصريحات التي ذكرناها آنفا ، مع احترامي وتقديري لمكانة من يطلق هذه التصريحات تجعلنا نتساءل ، لماذا الحرب ، ولماذا حاربنا ، حل حاربنا من اجل إنهاء الاحتلال وتحرير الأرض ، أم حاربنا من اجل فتح المعبر وإدخال البضائع المختلفة ، الجميع من من يطلق مثل هذه التصريحات بدرك سبب الحصار والإغلاق انه الاحتلال فعندما يزول الاحتلال يزول الحصار ، هذا من ناحية ، من ناحية أخرى التهديد والتلويح بالحرب ، هل هو تهديد محسوب ، هل الحرب نزهة ، هناك الكثير من ما يقال حول هذا الموضوع اقلها هو أن التهديد بالحرب هو تهديد بمستقبل وكينونة شعبنا ، فعلى هونكم أيها القادة ليس هكذا تكون الأمور .
بعد هذا العرض للمشهد الفلسطيني المتأزم فهل من مخرج ، اعتقد جازما أن جميع المؤشرات التي أمامنا فإنه من المستحيل الآن الخروج من هذا المأزق الفلسطيني المتأـزم ، والسبيل للخروج في اعتقادي هو تيار فلسطيني وطني إسلامي قوي يمكن أن يكون رافعة قوية للخروج من هذا المأزق والمضي إلى الإمام بدل المراوحة في نفس المكان التي نشهدها الآن .
أكرم أبو عمرو
غزة – فلسطين
27/10/2014
.