اوباما يمهد من استراليا لتدخل بري واسع في العراق وسورية تحت “ذريعة” محاربة “الدولة الاسلامية” في حال سيطرتها على اسلحة نووية.. اين هذه الاسلحة؟ ومن غير اسرائيل يملكها؟ ولماذا هذا الشرط الآن؟
..........
من يعيش في الغرب، ويتابع اساليب الحكومات في التمهيد التدريجي، او تسويق مواقف سياسية وعسكرية معينة للرأي العام، يدرك جيدا ان الرئيس الامريكي باراك اوباما عندما يقول في مؤتمر صحافي عقده على هامش قمة العشرين الاقتصادية في مدينة بريزبين الاسترالية اليوم (الاحد) “لن نتردد في ارسال وحدات برية الى المنطقة في حال سيطرت قوات “الدولة الاسلامية” على سلاح نووي مثلا، لكننا نريد ان تتولى قوات الامن العراقية مهامها”، فإن هذا يعني، وللوهلة الاولى، ان القرار بإرسال قوات امريكية الى العراق وسورية ربما جرى اتخاذه مبكرا وينتظر الذريعة، واننا على ابواب مرحلة التنفيذ.
الرئيس اوباما ضاعف عدد القوات الامريكية البرية في العراق الى 3100 جندي، واكد قبل اسبوع ان العدد سيرتفع، وان قوات اخرى في الطريق، وبرر ارسال هذه القوات، قديمها وجديدها لتدريب الجيش العراقي واعادة تأهيله عسكريا حتى يتمكن من التصدي لقوات “الدولة الاسلامية”.
***
لا نعتقد ان تدريب القوات العراقية يحتاج الى هذا العدد الضخم من المدربين والمستشارين، الا اذا كان تعداد هذا الجيش سيصل الى الملايين من الضباط والجنود، ونرجح ان هناك خطة امريكية عراقية مشتركة، لعودة قوية للتدخل العسكري الامريكي في العراق وسورية، ولكن من “نافذة” محاربة “الدولة الاسلامية”، اي انها لن تكون قوات غازية وانما صديقة، ولكن ما هو الثمن الذي تنتظره واشنطن؟
ما يجعلنا نميل الى هذا الاعتقاد عدة مؤشرات على درجة كبيرة من الاهمية نلخصها في النقاط التالية:
ـ اولا: هناك اجماع في اوساط معظم المحللين العسكريين الامريكيين بأن القصف الجوي الامريكي لتجمعات “الدولة الاسلامية” في العراق وسورية لم يحقق الا القليل من النجاح في اضعافها والحد من قوتها، وانه لا بديل عن وجود قوات على الارض.
ـ ثانيا: توارد انباء كثيرة، ذات مصداقية، من مصادر غربية عن قيام “المستشارين” الامريكيين بمرافقة القوات العراقية في حربها لاستعادة مدن وبلدات في اقليم الانبار، وكذلك فك الحصار عن مدينة بيجي حيث توجد مصفاة النفط التي توفر ستين في المئة من احتياجات البلاد من المشتقات النفطية الضرورية مثل البنزين والمازوت.
ـ ثالثا: زيارة الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة اركان الجيوش الامريكية فجأة الى العراق، وتقدمه بعرض لاشراك قوات امريكية في المعارك التي قد تنطلق في الاماكن الخطرة (نينوى والحدود العراقية السورية) ضد تنظيم الدولة الاسلامية وهو العرض الذي قال السيد حيدر العبادي رئيس الوزراء العراقي انه رفضه.
ـ رابعا: رفض معظم اعضاء التحالف من العرب، مثل المملكة العربية السعودية والاردن والامارات وقطر علاوة على تركيا ارسال قوات برية الى العراق وسورية، ورفض السيد العبادي في المقابل وجودها على ارض بلاده لانه يعتقد “ان العراق لا يحتاج الى اي قوات اجنبية برية، وان الجيش العراقي، مدعوما بالحشد الشعبي وابناء العشائر قادر على انجاز مهامه دون تدخل خارجي”.
تصريحات السيد العبادي حول رفض اي قوات ارضية امريكية ربما تأتي للتغطية على اتفاق جرى التوصل اليه فعلا اثناء زيارة الجنرال ديمبسي الخاطفة الى بغداد بأرسال المزيد من القوات الارضية الامريكية، لان نفيه لا معنى له عمليا، ويعكس تناقضا “غير مفهوم” فالقوات الامريكية الارضية موجودة فعلا وتتزايد، وهذا اولا، وثانيا لا نرى اي فرق بين قوات ارضية او جوية، فالاستعانة بقوات اجنبية قد تمت من حيث المبدأ والباقي تفاصيل.
نقطة اخرى لا يمكن تجاهلها وتتلخص في قول الرئيس اوباما انه لن يتردد في ارسال وحدات برية امريكية الى المنطقة اذا سيطرت “الدولة الاسلامية” على سلاح نووي، فأين يوجد هذا السلاح النووي حتى تسيطر عليه هذه الدولة؟ في العراق او سورية ام ايران؟
الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك اسلحة نووية هي اسرائيل فهل تملك “الدولة الاسلامية” وقواتها القدرة في الوقت الراهن للوصول الى مفاعل ديمونا، او مخازن الرؤوس النووية الاسرائيلية والاستيلاء عليها وكيف؟
***
لا بد ان هناك “طبخة” امريكية يجري اعدادها للمنطقة بأسرها، عنوانها عودة القوات الامريكية الى العراق، ولكن تحت ذريعة حماية المنطقة من خطر “الدولة الاسلامية”، وترددت انباء في اكثر من عاصمة غربية، ان هناك خطة مطروحة فعلا لارسال ثمانين الف جندي، اي نصف عدد القوات التي احتلت العراق عام 2003.
وربما لم يكن من قبيل الصدفة اقدام “الدولة الاسلامية” على اعدام الجندي الامريكي السابق الذي كان رهينة لديها (بيتر كاسيغ) امام الكاميرات في منطقة “دابق” وقول متحدث بإسمها انه “اول صليبي” يدفن فيها، وانها تنتظر (اي الدولة) بلهفة باقي الجنود الامريكيين لدفنهم في المنطقة نفسها.
الرئيس باراك اوباما قال في حديث لمحطة تلفزيونية امريكية ان بلاده ستنتقل الى مرحلة الهجوم في حربها ضد “الدولة الاسلامية”؟ فهل حمل الجنرال ديمبسي هذه الخطة الهجومية وتفاصيلها الى نظرائه العراقيين؟ وهل نحن امام احتلال امريكي جديد للعراق وربما سورية ايضا؟ وهل ستكرر امريكا الاخطاء نفسها ام ستتعلم منها في المرة المقبلة؟
احتمالات غرق امريكا في المستنقع الدموي العراقي السوري مرة اخرى، وبعد ثلاث سنوات من انسحابها، كبيرة، بل كبيرة جدا، وسيكون تدخلها مكلفا لها ولأهل المنطقة، قلنا هذا اثناء غزو عام 2003 ونكرره الآن دون تردد، والايام والاشهر المقبلة حبلى بالمفاجآت.
نقلا عن "رأي اليوم"