مركبة في القدس

بقلم: المتوكل طه

يَمشي على الجَمْرِ،
يَنْفثُ من فَمهِ النّحلَ،
يلعبُ بالأفعوانِ المُكحّلِ،
يبدو كأنَّ كلاليبَ حمراءَ تحملهُ..
في الهواء..
فيرجع للقدسِ
يرسمُ خارطةً من جديدٍ..
ويبكي على مُلْصقٍ من حديدٍ،
ويمشي مع الباعةِ العائدينَ
إلى وردةٍ في النّداء..


لهُ اليومَ أنْ نحملَ النّعشَ
للشمسِ،
أو ننحني تحت قُبّةِ صخرتِنا،
للبلادِ،
ونحملُ أسماءها للبعيدِ..
ونُعطي الإشارةَ للاجئينَ
بأنْ يَعقدوا خيْطَ منديلِهم للنشيدِ،
وأن يخرجوا من سوادِ العراء..

***
رأى القدسَ !
فاجتمعت في يديهِ الأساطيرُ..
كادَ يطيرُ..
فَجَاء الملائكةُ الشاهدون،
على عَجَلٍ، يحملون الشهيدَ،
إلى عُرْسهِ في بلادِ السماء.
هو الآن في جَرَّةِ الغيمِ
يهمي علينا..
بكلّ الذي مَرَّ من حولهِ،
من رعودٍ وبرقٍ..
ويهدي لنا من نثارِ المَجرّاتِ
ما يُسْعِفُ المسجدَ المرمريَّ،
ويُبْقي على قِبْلةِ الأولياء.
يعودُ بكاملِ زينَتهِ،
والحروفُ تليقُ بهِ،
إنْ تحدَّثَ جَهْراً،
فَما السِّرُّ في الكلماتِ سوى بعْثها
في الخفاء.
سلاماً لِجُلْجلةٍ لن تطولَ..
ففي الظّهرِ نَهرٌ،
وفي الرأسِ بدْرٌ،
.. وفي العينِ مملكةٌ للفِداء.
***
سلاماً لكلّ البيوتِ التي أغلقوها
وكلِّ الجوامعْ.
.. تُقامُ الصّلاةُ على دَ رَجٍ للصعودِ
وبابِ العَمودِ
وفوق الرصيفِ
وتحت المطرْ..
وعند الكنيسةِ
خلف الزقاقِ
وتحت الشجرْ..
سلاماً لكلّ صلاةٍ
على كلّ شارعْ.
وما من مُدافِعْ ..
سوى خنجرٍ في ضلوعِ الغريبِ،
وثوبِ الحليبِ،
وشعبٍ تنفّسَ في روحِ مِحرابهِ
بالدّماء.
سلاماً لمركبةٍ في الطريقِ،
ستحملُ حنّاءَنا للعروسِ،
وتُشْعلُ زفّتَنا في الفضاء.
***

وماذا تجَمّعَ في ناظريكَ
وأنتَ تقودُ على سِكّةِ المركباتِ؟
البيوتُ التي انكسرت، مثلَ مئذنةٍ،
أم وجهُ أبنائكَ الأبرياء؟
أم صرخةُ امرأةٍ مزَّعوا ثوبَها،
وهي حاسرةٌ.. للصلاة ؟
والعدساتُ تُعيدُ المشاهدَ/
خمسينَ مُفردةٍ للجنائزِ
والقتلِ
والحرقِ
والقلعِ
والهَدْمِ
والدّهْمِ
والسّجنِ
والمُهْلِكات..؟
سلاماً على الدَمِ ينثرُ أزهارَهُ
في الدّخانِ المُسيلِ..
ووسْطَ العَجاجِ ترى امرأةً،
لا تُنادي!
فلا صوت يبلغُ قلبَ الخليفةِ،
- كان الخليفةُ في
مهْجعٍ للإماءِ، فلم
يرَ مركبةً في الهواءِ
أو امرأةً في العراءِ.. رأى نعلَ
سيّدهِ ، ربّما.. فهو
في ساعةِ الانحناء-
وقد باعَ قُدْسَ الرّسولِ ،
وسُرَّ التي مَن رآها.. هَباء!
ويعلمُ أنّ التي صرخت سوفَ
تحمي المآذنَ والسورَ
والناسَ والبابَ والأنبياء.
ويعلمُ أنّ التي صرخت ، وَحْدَها..
مَن يُعيدُ البُراقَ.. لِيَسْرِيَّ حُرّاً
إلى إيلياء..
سلاماً إلى القدسِ،
غُصناً وطيراً،
وداراً وقوساً،
وشُرفةَََ وردٍ، لعصفورةِ النارِ
إنْ خرجت للغِناء.