واضح جداً بان حكومة نتنياهو قد وصلت الى نهايتها،وجرى التصويت على حل البرلمان" الكنيست" الإسرائيلي اليوم الأربعاء بالتوافق بين الكتل البرلمانية وبالقراءة التمهيدية،واتفق على ان تجري الانتخابات القادمة في السابع عشر من آذار القادم،وقبل الغوص في الأسباب التي دفعت بالذهاب الى الانتخابات المبكرة وحل الكنيست،لا بد لنا من استعراض تاريخ،نتنياهو،فهذا الرجل جاء الى رئاسة الوزراء عام 1996 مستفيداً من ترك المغدور شارون لليكود،والسقوط المدوي لبيرس بسبب العمليات الإستشهادية التي قادها المهندس يحي عياش،ونتياهو عندما وصل الى سدة الحكم،هو من رفض تنفيذ اتفاقية الخليل وأصر على التفاوض من جديد على ما تم الاتفاق عليه،وكان له ما أراد،وكذلك رفض تطبيق بنود الاتفاق الانتقالي،وفتح الممر الامن ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة،وزيادة مساحة المنطقة (ألف) الخاضعة للسيطرة الفلسطينية،وهو ايضاً احد تلامذة شامير أحد رؤوساء الوزراء الإسرائيليين السابقين، واكثرهم حقدا وكرها للعرب،حيث انه هو من رفع في مدريد شعار مفاوضة العرب والفلسطينيين عشرين عاماً وعدم اعطائهم شيئاً،وعلى نفس هذا النهج والخيار صار نتنياهو وغيره من رؤوساء الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة،وعاد نتنياهو ليحكم من جديد بعد ان فشلت تسيفي ليفني التي حصل حزبها كاديما على 28 مقعداً مقابل 27 مقعدا لليكود في تشكيل الحكومة،وليقوم نتنياهو بتشكيل حكومة جلها من المتطرفين والمتدينين المتشددين،وعين وزير خارجية له افيغدور ليبرمان،زعيم "اسرائيل بيتنا"،وقد جاءت زعامته في ظل حالة من الانقسام والعداء بين حماس والسلطة الفلسطينية.
المجتمع الإسرائيلي منذ بداية عام 1996 يشهد حالة من الإزاحة الكبيرة،نحو اليمين الديني والقومي والتطرف والعنصرية،وكان هناك صراع محتدم ما بين أنصار وتيار أصحاب نظرية ان المحرك الأساسي لصنع القرار والسياسة الإسرائيلية هو الأمن،وكذلك الصراع حول ما هية وطابع الدولة،فنتنياهو يرى بأن اسرائيل،يجب ان تكون دولة يهودية،وتشكل ما يسمى بالوطن القومي لليهود،وتيار آخر وقف ضد فكرة يهودية الدولة،وان استمرار الإستيطان والتوسع،من شأنه ان يحول اسرائيل الى دولة ثنائية القومية،وتيار نتنياهو المتنفذ في الحكم،كان يرى بأن التوسع والإستيطان،بالضرورة أن يكونا المحرك لصنع القرار والسياسة الإسرائيلية،والأمن واحد من تلك العناصر،فهو بات على قناعة تامة بأن مجمل التطورات والمتغيرات الفلسطينية والعربية والإقليمية والدولية،تمكن دولة الإحتلال من الإحتفاظ بالأمن والسلام والإستيطان معاً،دون اللجوء الى تقديم تنازلات للفلسطينيين تمكنهم من إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران/1967 ،عاصمتها القدس،ونحن رأينا كيف انه عمل على تكثيف وزيادة الإستيطان في الضفة الغربية،وليبلغ ذلك مرحلة ال"تسونامي" في القدس،التي يخطط لبلعها وضمها بشكل نهائي،ولذلك هو في مفاوضاته مع السلطة الفلسطينية،التي رعاها وزير الخارجية الأمريكي "كيري"،رفض بشكل قاطع أي وقف او تجميد كلي او جزئي للإستيطان في القدس والضفة الغربية،بل على العكس من ذلك كان ما بين كل جولة وجولة تفاوضية،يعلن عن طرح مشاريع وعطاءات ومناقصات لإقامة ألآلاف الوحدات الإستيطانية في القدس المحتلة.
ومستغلاً لهذه الظروف والأوضاع عمد نتنياهو الى شن حرب شاملة على الشعب الفلسطيني،والذريعة خطف وقتل الصهاينة الثلاثة في مدينة الخليل من قبل حركة حماس،وليتدحرج العدوان الى شن حرب شاملة على قطاع غزة،حرب كان يريد لها نتنياهو ان تحقق جملة من الأهداف،وقف في مقدمتها السيطرة والإجهاز على مدينة القدس وتقسيم المسجد الإقصى،ومنع الوحدة الجغرافية والديمغرافية بين شطري الوطن،وكذلك إستمرار وتشريع حالة الإنقسام،ومنع إقامة حكومة وفاق وطني،وكذلك تدمير البنية التحتية لقوى وفصائل المقاومة،وتفكيك أذرعها العسكرية ،وتدمير مخزونها وترسانتها التسليحية وخاصة الصواريخ،وأيضاً تدمير الأنفاق باعتبارها الشريان الرئيسي لتهريب السلاح.
نتنياهو لم ينجح في اي من القضايا المذكورة،ففي مدينة القدس التي أراد ان يلتهما،واعتقد بأن الظروف وحالة الضعف الفلسطيني والإنهيار العربي،ستجعلها لقمة سائغة له،ولكن ثبت بالملموس بأن كفاح المقدسيين وهباتهم الجماهيرية المتلاحقة وثباتهم وصمودهم،كانت واحدة من القضايا الرئيسية في فكفكة تحالفه الحكومي وإنهياره،وكذلك هي الحرب على غزة،لم تستطع ان تدمر قوى المقاومة وتقضي عليها،ولا كذلك نزع وتدمير أسلحتها،والحرب لم يستطع ان ينتصر فيها نتنياهو،بل تكبد من جرائها خسائر كبيرة في الجانب الإقتصادي،وحتى البشري،بالإضافة الى تصدع الجبهة الداخلية وتخلخلها وعدم ثقتها بحكومة نتنياهو،التي لم تجلب الأمن والإستقرار لمستوطنات غلاف غزة،ولا ننسى هنا أيضاً بان حالة الجمود وإنسداد الأفق السياسي وتوقف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية،ساهمت في عزلة اسرائيل،وقربت من اتخاذ اوروبا الغربية لعقوبات بحقها،وكذلك توتر العلاقة مع امريكا،قاد الى تراجع مستويات دعمها المالي إسرائيل.
وكذلك مسألة طرح قانون يهودية الدولة،فاقمت من ازمة الإئتلاف الحكومي،فهناك من يرى بأن ذلك يشكل خطراً على ديمقراطية الدولة،ويحول اسرائيل الى دولة دينية فاشية،والإستمرار في الإستيطان في الضفة الغربية،من شأنه ان يحول اسرائيل الى دولة ثنائية القومية،بعد ان يغلق الباب أمام حل الدولتين.
اذاً الأسباب الحقيقية وراء سقوط حكومة نتنياهو،نلخصها في انتفاضة القدس اولا وفشل العدوان على غزة ثانيا حيث ضربت تل ابيب بالصواريخ والسبب الثالث هو رفض القيادة الفلسطينية العودة للمفاوضات، فقد ارتعب الجمهور الاسرائيلي من شبح الحرب الدينية وقامت الوزيرة تسفي ليفني برفض مشروع يهودية الدولة ومثلها فعل يائير لبيد من حزب هناك مستقبل بالاحتجاج على معارضة نتانياهو لقوانين صفر ضريبة.
ولكن يبقى السؤال المهم من بعد سقوط حكومة نتنياهو والذهاب للإنتخابات المبكرة،من سيحكم اسرائيل؟؟ والجواب على ذلك هو بأن الأحزاب اليمينية المتطرفة بمختلف تلاوينها،هي من ستقود دولة الإحتلال في الإنتخابات القادمة،حيث تسود الان في المجتمع الإسرائيلي المنزاح بدرجة كبيرة نحو اليمين الديني والقومي،حالة كبيرة وواسعة من العنصرية والتطرف والكره والحقد على العرب،وأغلبها ترى بأن الحل يكمن في التخلص من العرب وطردهم وتهجيرهم،واخضاعهم عبر القوة والبطش والقمع والتنكيل.
القدس المحتلة – فلسطين
4/12/2014
0524533879
[email protected]