غزة ما بعد الحرب : ألا تستحق حكومة وحدة وطنية

بقلم: احمد إبراهيم حماد

شكلت الحرب الاسرائيلية العدوانية الدموية، على قطاع غزة، محطة مفصلية في تاريخ المنطقة، وفي تاريخ الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، تمثلت بالتصعيد غير المسبوق، على يد جيش الاحتلال، تجاوز في المدى والمستوى ما شهدته المنطقة أبان حروبها السابقة.

إذا كان الظاهر من الآثار الوحشية لحرب إسرائيل على غزة يتصل بالدمار الكبير و حجم الشهداء المرتفع من الأطفال والنساء والشيوخ   حيث استهدف بها، بشكل متعمد، المناطق السكنية، وقام بشراسة غير معهودة، بتدمير أحياء كاملة في طول القطاع وعرضه، مما أوقع الاف الشهداء والجرحى ، معظمهم من الأطفال والنساء والمسنين، وتدمير آلاف المنازل والمباني، والمدارس، والمستشفيات، والمساجد، والمراكز الخدمية وغيرها، وشرد عشرات الألاف، ما زالوا ينتظرون إعادة إعمار ما دمره العدوان، وفك الحصار عن القطاع.

فان الضرر غير المنظور يكمن في الآثار النفسية للحرب على الجرحى الناجين و عموم الذين تعرضوا لهذا. وإذا كان من الممكن اصلاح الخراب المادي وتوفير الوسائل الضرورية لإعانة ذوي الشهداء فان أحدا لم يتحدث عن كيفية اعمار الضرر النفسي الذي احدثته الحرب في نفوس الأطفال الذين لا يملكون الطاقة الكافية لمقاومة ذلك الضرر. ولعل الدراسات التي اجريت على الاطفال والنساء بعد الحروب خاصة تجربة حروب غزة المتكررة بينت لذوي الاختصاص ان الاطفال الناجين من الحرب يستبطنون اثارها طيلة حياتهم ما لم تتوفر لهم برامج الدعم النفسي والمساعدة الضرورية لمواجهة الضرر الذي أصابهم.

تبدو جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة منظورا إليها من خلال الصور التي تنشرها وسائل الإعلام العربية والدولية كرأس جبل من الجليد, واذا كان رأس الجبل على هذا النحو الكارثي المعروض في وسائل الإعلام فما بالك بجوفه وسفوحه.

والثابت أن الأضرار التي تتسبب بها الحروب خصوصا في وسط الناس من غير البالغين تحمل على الاعتقاد ان علاج الضرر يمر بتحديد المسؤول عنه وبالتالي معاقبته بالتعويض او الانتقام وبما ان المحتل هو المسؤول عن الضرر وهو الذي تسبب به ويواصل غطرسته وتعاليه ووقاحته وبما انه جاثم على حدود غزة وفي اجوائها وبحرها فان اطفال غزة اليوم وشبانها سيلجأون حتما الى الاقتصاص من عدوهم.

كما تمثلت هذه المحطة المفصلية، بالدور المتقدم والمبدع والبطولي لفصائل المقاومة الفلسطينية ، في التصدي للعدوان، والدفاع عن القطاع، بإتباع أساليب قتالية متطورة، أربكت جنود العدو وقيادته العسكرية، كما أربكت جبهته الداخلية، ما أرغم مئات الالاف من الإسرائيليين على الهروب إلى الملاجئ والأماكن الحصينة فى مناطق الوسط والشمال المحتل، بعدما نجحت المقاومة، بأساليبها القتالية المتطورة، من إلحاق الخسائر الفادحة في صفوف جنود العدو وضباطه، ما أفقده صوابه، في ردود فعل جنونية، كما وقع في المعارك البطولية التي خاضها مقاتلو المقاومة في الشجاعية وفي رفح وخزاعة وغيرها.

وللتذكير فقط نشير الى ان اطفال الانتفاضة الفلسطينية الأولى والثانية تحولوا الى قنابل بشرية من بعد وهم مقاتلو هذه الايام في غزة .هم الذين زرعوا القطاع بالإنفاق الدفاعية واطلقوا الصواريخ الى العمق الصهيوني.

في حرب غزة برهن الفلسطيني انه قادر على مجابهة عدوه  فصمد في ارضه صمودا اسطوريا لا يليق به خلاف حول من يتولى الاعمار وخلاف حول من يتصدر واجهة ما بعد الصمود. كذلك تمثلت هذه المحطة المفصلية بالصمود الكبير للشعب الفلسطيني، والتفافه حول المقاومة، وتمسكه بأرضه، وبحقوقه الوطنية المشروعة، وتماسكه وثباته، وتأكيد وحدته الوطنية والكفاحية، في قطاع غزة، والضفة الفلسطينية والقدس، ومخيمات اللجوء والشتات وبلدان المهاجر.

 

تجري هذه الأحداث في أجواء إقليمية ودولية شديدة التعقيد، تطال بنتائجها الأوضاع في منطقتنا العربية بشكل خاص، التي باتت، وفي ظل بناء التحالف الأمريكي - الإقليمي - الدولي، وقيام منظمات ومشاريع كيانات ذات هويات تكفيرية وتدميرية، تشهد تطورات متسارعة وصاعقة، تنبيء بمستقبل شديد الغموض للمنطقة، ولما سوف تكون عليه كياناتها ودولها الحالية. وهو الأمر الذي يتهدد القضية الفلسطينية، في ظل الاستراتيجيات الأمريكية والإقليمية، بتراجع أولويتها على جدول أعمال المجتمع الدولي، ما يوفر للجانب الإسرائيلي، الفرص الغنية لتكريس وتعميق مشروعه الاحتلالي عبر فرض المزيد من الوقائع الميدانية وبالذات الاستيطانية، تقطع الطريق على المشروع الوطني الفلسطيني، مشروع الدولة الفلسطينية المستقلة، كاملة السيادة، بحدود الرابع من حزيران (يونيو) 67 وعاصمتها القدس، وضمان حق العودة، كما تشكل هذه التطورات فرصة لتوفير الأجواء السياسية لسلطات الاحتلال الإسرائيلي لإتباع سياسات تذهب بعيداً في قمع الشعب الفلسطيني، وحركته الوطنية وأدواته الكفاحية، وتوسيع دائرة العدوان ضد المجتمع الفلسطيني، في رهان على إضعاف إرادة الصمود لديه، وجره إلى تسوية مختلة، تنسف الحد الأدنى من الحقوق الوطنية المشروعة لشعب فلسطين.

كذلك عادت حركتا فتح وحماس إلى التراشق الإعلامي، متجاوزتين الاتفاقات العديدة لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الداخلية، وإعادة بناء المؤسسات الوطنية على أسس ديمقراطية بالانتخابات الشاملة وفق قانون التمثيل النسبي الكامل.

لهذا بدلاً من التراشق الإعلامي والاتهامات المتبادلة سواء كانت بين أقطاب بالسلطة أو بين حركتي فتح وحماس، يجب إنهاء الانقسام والإسراع في حوار وطني شامل.

حيث أن استمرار هذا الوضع يلحق الضرر الكبير في القضية الفلسطينية، خاصة أننا في أمس الحاجة إلى استعادة الوحدة على قاعدة الشراكة السياسية لمواجهة التحديات وتداعيات العدوان الإسرائيلي الأخيرة على قطاع غزة.

في هذه الظروف والاوقات العصيبة يتطلع الجميع ان تتخذ القيادات الفلسطينية قرارات ترتفع الى مستوى صمود شعبنا البطولي في غزة واولها تشكيل حكومة وحدة وطنية على جناح السرعة من الفصائل والقوى السياسية الفلسطينية وشخصيات مستقلة وكفاءات، وبما يمكن هذه الحكومة من أداء واجباتها نحو شعبنا والقيام بمهامها بقطاع غزة وتسليم المعابر للسلطة للقيام بدورها وترتيب فتحها مع الجهات المختصة. وكذلك في الضفة والقدس والقطاع، وتحمل مسؤولياتها بالجدارة المطلوبة، وتتولى إعادة الأعمار وبلسمة الجراح وتوفير مقومات الصمود الضرورية للمرحلة المقبلة .

وأن تضع حكومة الوحدة الوطنية الآليات الكفيلة بإنهاء الانقسام، واستعادة الوحدة الداخلية للإدارة والمؤسسات الرسمية، في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، والارتقاء إلى مستوى الواجبات التي أملتها عليها العملية العدوانية الإسرائيلية، وما ألحقت بشعبنا من كوارث إنسانية واقتصادية واجتماعية.

في هذه اللحظات يتطلع الفلسطينيون الى الوحدة بين فصائلهم ليس فقط من اجل ايصال المساعدات  واعادة الاعمار على اهميتها ولكن اولا واخيرا من اجل الارتفاع الى مستوى الصمود والبطولة في غزة.

 -----------------------------------------