"فتــح" واليوبيل الذهبي

بقلم: عبد الناصر فروانة

للثورة الفلسطينية المعاصرة تاريخ نضالي عريق، سطرته فصائل العمل الوطني والإسلامي الفلسطيني كافة، وقدمت خلال مسيرتها العريقة مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى على مذابح الحرية، وسطرت خلال العقود الماضية بطولات نادرة، ووقفات شامخة وانجازات عدة، شكلت بمجموعها تراث زاخر وحافل بالمآثر البطولية.

 وكان لحركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح – التي فجرت شرارتها الأولى منذ انطلاقتها في الأول من كانون ثاني / يناير عام 1965، دور ريادي بارز على كافة المستويات والصعد، دور ساطع ورائد، لا يمكن حجبه، أو إزالته من التاريخ الفلسطيني المشَّرِف ، كما لا يمكن القفز عنه، لأنه يشكل أساساً لتاريخ شعب بأكمله. هكذا يسجل التاريخ، اتفقتم أم اختلفتم معها.

وحركة "فتح" هي شرارة الثورة ووقودها الأساسي وقلبها النابض، والثورة الفلسطينية وجدت لتبقى ولتنتصر، لم ولن تموت أبداً، فهي باقية وماضية في طريقها نحو تحقيق أهدافها في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.

حركة  "فتح"، بتاريخها وارثها، بحاضرها ومستقبلها، هي ليست حكراً على الفتحاويين، ولم تخصهم فحسب، وإنما هي ملك للشعب الفلسطيني عامة، و مكون أساسي من مكوناته، وهي اسم لحركة تحرر وطني تغنى بها الأجداد والآباء، وسيرددها الأحفاد، لطالما بقىّ الشعب الفلسطيني حياً، وهو حي لا يموت، ونأمل أن نكون دوما موحدة وقوية، لأن في ذلك قوة للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.

خمسون عاما مضت على انطلاقة "فتح"، كانت حافلة بالعطاء والتضحيات، ومرت خلالها بمنعطفات حادة وقاسية، وتعرضت فيها إلى هجمات متنوعة ومن جهات عدة، وأخطأت وأصابت في مواقف كثيرة، وكثيراً ما تعرضت - حركة أو أشخاص- لانتقادات لاذعة وهجوم واسع، وجزء من أعضائها وأنصارها وجهوا لها الانتقادات واختلفوا ونهجها وأسلوبها، مراراً، ولا يزال بعض الفلسطينيين يعارضون سلوكها، ونهجها، وبالرغم من ذلك تبقى هي الأم التي لا غنى عنها، يحفظها الشعب في قلوب أبنائه – شئنا ام أبينا- وترددها الألسن في كل الأزمنة والأوقات، ويفخر بها كافة الأجيال، لتحجز لها مساحة واسعة وأبدية في الذاكرة الفلسطينية المعاصرة، وفي التاريخ الفلسطيني المشرق.

"فتح" الشهداء أبو عمار وأبو جهاد والكمالين، و "فتح" المقاومة عيلبون و "الساحل" و فندق سافوي، "فتح" ميونخ وديمونا ووادي الحرامية، "فتح" بهاء اسعيد ووفاء إدريس وشادي السعايدة وعطية الزعانين.

"فتح" هي أول الرصاص وأول الحجارة .. وهي من أشعلت الثورة وأوقد فتيل الانتفاضتين، "فتح" أول الشهداء وأول من افتتح معاناة الأسرى وكان منها أول أسير وأول أسيرة ، وكانت ولا زالت تشكل الأغلبية من مجموع الحركة الأسيرة وعمودها الفقري في كافة الأوقات، مما يعكس حجم دورها الطليعي وحضورها اللافت في ساحة النضال الأرحب، وقدمت خلال مسيرتها الطويلة عشرات الشهداء خلف القضبان من أعضائها وقياداتها. وتتشابك في تجربتها التنظيمية والنضالية مع مجمل التجربة الجماعية للحركة الأسيرة، لكنها كانت الأكثر حضوراً على مدار العقود الماضية،.

وهي أكثر الفصائل الفلسطينية تحريراً للأسرى من خلال صفقات التبادل أو عبر "العملية السلمية" منذ اتفاق أوسلو ، وقد شكل مؤسسها وقائدها الشهيد الرمز "أبو عمار" رحمه الله، الأب الروحي والقدوة للحركة الوطنية الأسيرة، ومبعثاً للعزيمة والإصرار وشحذ الهمم وتعزيز الصمود والأمل لديهم، وهو القائد الفلسطيني الذي نجح في الجمع والمزاوجة ما بين المقاومة والتفاوض في تحرير آلاف الأسرى.

"فتح" مفخرة ومبعث للاعتزاز والشموخ ليس لأبناء فتح فحسب، وإنما لكل أبناء الشعب الفلسطيني الذين يحق لهم أن يفخروا ويعتزوا بهذه المناسبة العظيمة لما تحمله في طياتها من معاني سامية ومدلولات عظيمة وحقائق ثابتة.

 

وبمناسبة اليوبيل الذهبي لانطلاقتها فإنني أبرق أحر وأصدق التهاني والتبريكات لسيادة الرئيس محمود عباس "أبو مازن" وللشعب الفلسطيني عامة في الوطن والشتات، ولكافة اخواننا وأحبتنا في حركة فتح خاصة، قادة وكوادر وأعضاء وأنصار، بمناسبة ذكرى "اليوبيل الذهبي" لانطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة التي فجرت شرارتها الأولى حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" في الأول من كانون ثاني / يناير عام 1965.

 ومن حقنا وواجبنا أن نهنئ أنفسنا وشعبنا العظيم واخواننا في حركة "فتح" بهذه المناسبة الوطنية العريقة ... وهنيئاً لنا ولكم، ونأمل أن نرى فتح كما نحب ان نراها وكما يجب ان تكون دوماً.

 

عاشت الذكرى ... عاشت الانطلاقة .. عاشت الثورة ..