العملية الإرهابية التي نفذت بحق صحيفة "شارلي ايبدو" في باريس....والتي حاول البعض ان يجد لها المصوغات او المبررات والذرائع،بأن هناك من يعمل بالصحيفة وأساء للرسول الكريم محمد والإسلام برسوم كاريكاتيرية مسيئة،وأن تشجيع الحكومة الفرنسية وغضها الطرف عن تلك الأفعال تحت حجة وذريعة حرية الرأي والتعبير،يجعل الحكومة الفرنسية شريكاً أو متواطئاً في هذا الفعل والعمل،والذي يخرج عن حدود وإطار حرية التعبير والرأي،كونه يمس برموز ومعتقدات دينية،من شأن الإساءة لها والمس بها،التشجيع على العنصرية والتطرف وازدراء الأديان السماوية.
واذا كونا متفقين على كل ما ذكر،فنحن نضيف الى ذلك بأن الغرب الإستعماري،على مر التاريخ هو من إمتهن صناعة الإرهاب وتمويله خدمة لمصالحه واهدافه ومشاريعه الإستعمارية،ولعل التجارب والشواهد كثيرة،كيف يصنعون الإرهاب والقتلة والمجرمين،ويصبغون عليهم ألقاب مناضلي الحرية والثوار،وهم في خدمتهم وينفذون أجنداتهم واهدافهم،ولعل تجربة الإسلام الجهادي العالمي"القاعدة" وما يسمى بالعرب الأفغان وجماعة طالبان،خير دليل وشاهد على ذلك،فأمريكا دربت تلك الجماعات ومشيخات النفط والكاز مولت ودفعت ثمن السلاح الغربي والعتاد،وكذلك نقلت الخزان البشري من كل بقاع الأرض،المطلوب منه المساعدة والتنفيذ،والهدف كان "تحرير" أفغانستان من الحكم الشيوعي الكافر،وما أن انتهت تلك المهمة وذالك الهدف،وعندما شعرت مشيخات النفط والكاز وأمريكا ودول اوروبا الغربية،بأن تلك الجماعات ستوجه سلاحها إليها وإرهابها سيرتد الى نحرها،وبأن التفجيرات ستكون داخل عقر دارها،وبالذات بعد احداث البرجين أيلول 2001 ،حتى بدأت أمريكا الحرب على تلك الجماعات،بحجة وذريعة الإرهاب،تلك الحرب التي طالت جماعة "القاعدة" وجماعة "طالبان" وغيرها من الجماعات الدينية السلفية المتطرفة والمرتبطة بها.
ومن بعد ذلك وفي إطار مشاريعها الإستعمارية للمنطقة،عكفت دوائرها الإستخبارية ومراكز بحثها ودراستها على صناعة عدو جديد يخدم مشاريعها الإستعمارية في المنطقة،مشروع الفوضى الخلاقة وتفكيك الجغرافيا العربية وإعادة تركيبها،وفق مشروع استعماري جديد قائم على تقسيم الوطن العربي على أساس الثروات والمذهبية والطائفية والأثنية.
ومن هنا جاء مشروع الفتنة المذهبية سنية – شيعية وبمشاركة نفس الأطراف الملتقية بالمصالح والأهداف أمريكا وقوى الغرب الإستعماري ومعهم اسرائيل وكذلك مشيخات النفط والكاز في الخليج العربي لنفس الدور والهدف،مع اضافة القوى المتأسلمة"الإخوان المسلمين".
وكان مشروع ما يسمى بالربيع العربي غربيا وامريكياً وعربيا الثورات العربية،حيث أن هذا المشروع مناط به تحطيم كل ركائز وأركان المشروع القومي العربية والغاء فكرة القومية العربية،ومارست عصابات القتلة والمأجورين وقوى الإرهاب من ما يسمى ب"النصرة" و"داعش" و"الإخوان" و"السلفية الجهادية" دورها بالقتل والذبح والسحل والتدمير والإغتيالات والإغتصاب والبيع للنساء والذبح على الهوية والطرد والترحيل للأثنيات والطوائف كما حصل مع مسيحيي سوريا والعراق والطائفة اليزيدية في العراق..الخ،وعندما بدأ القتلة والمأجورين الأوروبيين المشاركين في القتال الى جانب "النصرة" و"داعش" بالعودة الى أوروبا،وقاموا بالعديد من العمليات الإرهابية في مدن اوروبية،بدأت تدرك أوروبا أن إرهابها إرتد الى نحرها وأنها ستكتوي بالإرهاب الذي صدرته الى المنطقة العربية،هذا الإرهاب الذي غذته ومولته أوروبا الغربية وشجعته ودعمته،هو المسؤول بالأساس عن ما حصل في صحيفة "شارلي ايبدو"،وهو ما يجعلها شريك في تلك الجريمة،عدا عن كونها لم تردع او تحاسب من قام بالإساءة للرسول محمد (صلعم) والدين الإسلامي،ولكن هذا لا يعطينا الحجة والذريعة لتبرير هذا العملية الإجرامية،فهذا عمل إرهابي من شأنه ان يزيد من تشويه تعاليم الدين الإسلامي،وهذه ليست بالطريقة الصحيحة او المثلى التي يجري بها الرد على من قام بفعل مسيء ولا أخلاقي أو مزدرٍ لدين او عقيدة او نبي،أو أية رموز دينية،وهذه العملية من شأنها أن تأجج مشاعر كره وحقد الفرنسيين تجاه الإسلام والمسلمين،وقد لمسنا كيف كانت ردة فعل الشارع الفرنسي،حيث تعرض اكثر من مسجد ومصلحة إسلامية للإعتداءات على خلفية هذا العمل الإجرامي،ولربما نذهب الى أبعد من ذلك، ونضع علامات إستفهام كبيرة حول هدف وتوقيت العملية،حيث ان هناك أصابع خفية مرتبطة بدولة الإحتلال الإسرائيلي واليمين الفرنسي الفاشي قد تقف خلفها ،حيث أن فرنسا تحاول ان تخرج عن طوع وعباءة السياسية الأمريكية،وهي من تقدمت بالمشروع الأوروبي الى مجلس الأمن الدولي حول تحديد سقف زمني لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967،والذي رغم هبوط سقفه،وعدم تلبيته للحدود الدنيا من الحقوق الوطنية لشعبنا الفلسطيني دولة مستقلة على كامل حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس،وحق العودة للاجئين وفق القرار الأممي(194)،إلا ان هذا المشروع يشكل إرهاصات لتمرد اوروبي،وان كان في البداية أوروبي شعبي على المواقف الأمريكية التقليدية من القضية والحقوق المشروع لشعبنا الفلسطيني،ومن القرارات الدولية،ولكون فرنسا هي من قادت اوروبا نحو هذا الموقف والتمرد،والذي ربما يشكل بداية خسارة اسرائيل لأوروبا التي أصبحت تضيق ذرعاً بالسياسات والممارسات الإسرائيلية القمعية بحق الشعب الفلسطيني،وحتى لا تحذو فرنسا حذو السويد،ومن ثم تحذو حذوها الحكومات الأوروبية،لذلك كان مطلوباً إعادة فرنسا الى بيت الطاعة الأمريكي- الإسرائيلي، وأرى بأن هذه العملية التي تحمل بصمات اسرائيل تاتي في هذا السياق،حيث سارعت اسرائيل الى إدانة تلك العملية ومحاولة ربطها بما يسمى بالإرهاب الفلسطيني،وكذلك تلك العملية وفرت فرصة سانحة لليمين الفرنسي لكي يشن حرباً وحملة ظالمة مليئة بالحقد والعنصرية تجاه العرب والمسلمين،وهذا من شأنه أن يشكل عاملاً ضاغطاً على أية مواقف فرنسية حكومية أخرى مناصرة للعرب والقضية الفلسطينية.