القدس تواجه هيمنة ديموغرافية يهودية مطلقة

بقلم: حنا عيسى

تمارس سلطات الاحتلال الاسرائيلي ضروباً من الانتهاكات والاجراءات التهويدية والتحديات المختلفة لوجود الفلسطيني في مدينته القدس الشريف، في ظل حضارتها العربية الاسلامية المسيحية، وما تحتويه من اثار ومعالم ومساجد وكنائس، وعلى رأسها المسجد الاقصى المبارك وكنيسة القيامة.

تعتبر الانتهاكات والاقتحامات اليومية لحرمة المسجد الاقصى المبارك من ابرز التحديات الراهنة التي تمارسها سلطات الاحتلال الاسرائيلي بكل ما أوتت من قوة لتهويد المسجد وتحقيق اطماعها ومزاعمها على انقاضه، حيث يتم اقتحام المستوطنين والمتطرفين لساحات المسجد المبارك بشكل يومي وأداء الطقوس التلموديه قبالة مصلياته، ومؤخراً تم تدنيس مساجده (القبلي والمرواني وقبة الصخرة)، والصعود على سطح المدرسة التنكزية في باب السلسلة الملاصقة للمسجد الاقصى، ورفع الأعلام الاسرائيلية وإلتقاط الصور وخلفهم قبة الصخرة، تمهيداً لتحقيق مزاعمهم بتحويل المسجد الي كنيس يهودي لتأدية الصلوات والطقوس التلمودية على حساب الحضارة والتاريخ الاسلامي.

ويعتبر افتتاح سلطات الاحتلال الاسرائيلي لمتحف يهودي تحت المسجد الاقصى المبارك، تدشين المسجد ككنيس يهودي وقبلة لليهود لتأدية صلواتهم وطقوسهم التلمودية على حساب اسلامية المسجد وحضارته. وبالتالي باتت اسرائيل على مشارف الانتهاء من تهويد المسجد الاقصى واعلانه كنيس يهودي، فالمتحف اسفل المسجد المبارك اضافة الى مئات المخططات التهويدية التي تستهدف المسجد وكل ما هو عربي في مدينة القدس المحتلة، تسعى اسرائيل من خلالها الى تهويد المسجد المبارك من خلال تضافر جهود حفر الانفاق اسفله، والسيطرة على معالمه الاسلامية من مساجد ومواقع وتحويلها الى كنس ومراكز تهويدية، اضافة الى فتح بوابات المسجد امام سوائب المتطرفين وقطعان المستوطنين لتدنيسه وبالنهاية السيطرة الكاملة عليه تمهيداً الى تحويله الى كنيس خاص بهم واقامة الهيكل المزعوم على انقاضه.

كما وتنظم سلطات الاحتلال مهرجانات تهويدية باستمرار كان اخرها مهرجان كبير تحت اسم "فرسان البلدة القديمة" على مدار شهر كامل. حيث اتخذ طابع إحياء أمجاد الثورات الإنجيلية والحملات التي قامت أواخر العصور الوسطى وعلى رأسها الحملة الصليبية، وجذب اكبر عدد ممكن من السياح واليهود لتغيير طابع القدس العام، وصبغها بتاريخ ومعالم يهودية بحتة تشوه تاريخ القدس وحضارتها العريقة.

ومن التحديات الجديدة ايضاً مخطط تهويدي يستهدف تحويل موقع أثري إسلامي قرب المسجد الاقصى المبارك إلى مغتسل ومطهرة دينية نسائية يهودية تخدم النساء اليهوديات اللواتي يقتحمن ويدنسن المسجد الأقصى، حيث يعتبر اعلان عن مواصلة الاقتحامات للمسجد وزيادة كثافتها.

كما وتنوي بلدية الاحتلال في القدس بالتعاون مع شركات انتاج اسرائيلية وهو ما يعتبر اسلوب جديد في عملية تهويد القدس وتزوير تاريخها عن طريق انتاج المسلسلات والافلام من قلب المدينة المقدسة برواية اسرائيلية تهويدية متطرفة.

ومن التحديات الراهنه التي تمارسها سلطات الاحتلال وسوائب المتطرفين في مدينة القدس، اعتداءات مجموعة "دفع الثمن" التي تقوم بخط مجموعة عبارات عنصرية "الانتقام ... والموت للعرب"، ورسم إشارة نجمة داود على القبور والمساجد والكنائس والمنازل وممتلكات الفلسطينيين شتى، حيث كان اخرها الاعتداء على 13 قبراً ومقام كبكي بمقبرة مأمن الله غرب القدس المحتلة، بخط عبارات وشعارات عنصرية متطرفة. اضافة لاستمرار "اسرائيل" بطمس معالم مقبرة مأمن الله، ونبش قبور المسلمين، وتدمير رفاة الائمة والعلماء، وتجريف مئات القبور وتدنيس رُفات أصحابها وإنتهاك حرمة موتاها.

ومنذ أن احتلت إسرائيل الأراضي الفلسطينية سنة 1967، شرعت السلطات الإسرائيلية في إقامة وجود استيطاني إضافة إلى وجودها العسكري، وقد تباينت وتيرة هذا الوجود بين منطقة محتلة وأخرى، تبعاً للتصورات الإسرائيلية المتباينة بشأن هذه المناطق ومستقبلها. حيث اتخذت إسرائيل سلسلة من الإجراءات والقرارات الهادفة إلى إحكام السيطرة على القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة من اجل إحداث تغييرات إدارية وقانونية في وضعها، والتمهيد للاستيلاء على اكبر مساحة واسعة من أراضيها وإقامه المستوطنات عليها.

واستمرت أعمال البناء و إسكان اليهود في القدس في ظل مفاوضات السلام وفي عهد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بل لعل وتيرة هذه الأعمال ازدادت في ظل حكومة أو لمرت المنصرفة رغم المناشدات الدولية والعربية والفلسطينية بوقف الاستيطان. وبالتالي فان المحصلة الاستيطانية في مختلف الأراضي الفلسطينية المحتلة جاءت منسجمة مع جوهر الاستراتيجيا الاستيطانية الصهيونية، التي سبق أن حددتها الهاغاناه منذ سنة 1943 "ليس الاستيطان هدفاً في حد ذاته فحسب، إنه أيضاً وسيلة الاستيلاء السياسي على البلد فلسطين". فقد ارتسمت خريطة الاستيطان الجديدة، سواء بانتشار المستوطنات فيها أو بتركيز هذه المستوطنات، وكأنها ترجمة دقيقة للاستراتيجيا الاستيطانية القديمة والثابتة.

ويرافق عمليات الاعتداء والتطرف مواصلة سلطات الاحتلال المصادقة على مخططات ومشاريع تهويدية كان من اخرها مصادرة 740 دونماً من أراضي قريتي الطور والعيسوية في القدس لاقامة الحديقة الاستيطانية "الحديقة القومية" عليها. حيث تهدف حكومة إسرائيل من مصادقتها على بناء وحدات استيطانية جديدة إلى تفريغ القدس المحتلة من سكانها وخلق الوقائع  على الأرض وإنهاء ملف القدس كملف  تفاوضي من جهة أولى، وان مثل هذه الاجراءات تجعل استحالة استئناف المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي ممكنة لأنه لن يكون هناك سلام دون القدس ودون انسحاب  كامل من القدس الشرقية من جهة اخرى.

وبالتالي خلق هيمنة ديموغرافية يهودية مطلقة في القدس، وانه يجب أن يكون في  القدس العاصمة الأبدية لإسرائيل أغلبية يهودية ناهيك عن طموحات إسرائيل من وراء البناء المتسارع للمستوطنات والجدار العازل حول مدينة القدس الشرقية إلى استباق نتائج المفاوضات وتوطيد سيطرتها على البلدة القديمة وعلى معظم أحياء مدينة القدس الشرقية وبالتالي إحباط إمكانية أن تصبح القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.

وتعتبر سياسة هدم منازل المقدسيين لصالح المشاريع الاستيطانية، وبهدف طرد اكبر عدد ممكن من سكانها الفلسطينيين وتهجيرهم منها، وتهويد المدينة نهائياً. حيث تتم عمليات الهدم تحت حجج وذرائع واهية منها عدم حصول أصحاب هذه المنازل على التراخيص اللازمة دون احترام لكرامة الإنسان الفلسطيني وحقوقه، ودون احترام كحرية حق السكن الذي هو حق محوري لعدة حقوق مثل الحق في العيش بكرامة وبأمان والإقامة والخصوصية وغيرها.

ويواجه المقدسي تحد اخر يتمثل باعتداءات المستوطنين اليومية على مختلف مناحي الحياة الفلسطينية، حيث تترصد سوائب المستوطنين يرافقهم قوات من شرطة وجيش الاحتلال الفلسطينيين على الطرقات والاعتداء عليهم بالضرب والتنكيل والتكسير، اضافة الى رجم مركبات المواطنين وتحطيم زجاجها، اضافة الى الترصد للاطفال والاعتداء عليهم، ناهيك عن الاعتداء شبه اليومي على الاراضي الفلسطينية بقطع الاشجار من زيتون ولوزيات واحراقها، ما ادى الى احراق الاف الدونمات المزروعة الذي يكبد المزارع الفلسطيني خسائر كبيرة وفادحة.

والصمت الدولي الرهيب لاجراءات الاحتلال التهويدية العلنية للمسجد الاقصى وكل معالم المدينة المقدسة من التحديات الراهنه في مدينة القدس المحتلة، وندعو الى خروج العالم عن صمته واحقاق حقوق المسلمين في المسجد المبارك، مؤكدةً على ان صمت المجتمع الدولي بمؤسساته ومنظماته المختلفة له دوره في تمادي سلطات الاحتلال بانتهاك حرمة المسجد الاقصى والاعتداء اليومي عليه باقتحامه وتدنيسه، وتهويد القدس بكافة اجزائها ومعالمها.