يبدو أن غزة هي آخر المستفيدين من المؤتمر "الدولي" الذي احتضنته العاصمة الإيرانية طهران هذا الأسبوع لـ"نصرة" غزة، والذي جاء تحت عنوان "غزة رمز المقاومة"، وتم برعاية رئيس البرلمان علي لاريجاني.
إن هذا المؤتمر -الذي يعد الخامس من نوعه لطهران في أقل من سبع سنوات- جاء بشكل أساسي لمحاولة تجميل صورة إيران لدى الشارع العربي، في أعقاب تدخلاتها الدموية في كل من سوريا والعراق واليمن، ووقوفها إلى جانب أنظمة ومليشيات طائفية، في مسعى لمواصلة الاحتفاظ بمكاسبها الجيوستراتيجية كما يحدث في سوريا، ولمحاولة إضافة مكاسب أخرى كما يحدث في اليمن، مستغلة في كل الأحوال البعد المذهبي.
تعي إيران حجم الغضب الذي يعتمل في نفوس الأغلبية الساحقة من العرب -لا سيما السنة- تجاهها بسبب وقوفها الفظ والسافر ضد أشواقهم للتحرر من نير الاستبداد، عبر مساندتها أنظمة استبدادية أقيمت على أسس طائفية ومذهبية، وهذا ما يدفعها إلى محاولة تحسين صورتها من خلال إبداء مظاهر الدعم لغزة "السنية" في محنة مواجهة الحصار وآثار الحرب الإسرائيلية الأخيرة عليها.
ويعي الإيرانيون أيضا أن استنفاد الطاقة الكامنة في توظيف ورقة غزة يتطلب بالأساس تحسين العلاقات مع الفصيل الفلسطيني المقاوم صاحب الحضور القوي فيها: حركة حماس. فاستعادة العلاقة مع حماس ستعزز المحور الإقليمي الذي تقوده إيران، والذي تراهن على تماسكه في تحقيق مصالحها الإستراتيجية.
صحيح أن المحور الإقليمي الإيراني قد تعاظم منذ أن تركته حماس -بسبب الخلاف مع طهران بشأن الموقف من الثورة السورية- حيث أضيف إليه العراق، لكن الإيرانيين معنيون كثيراً باستعادة "الضلع السني" الذي تمثله حماس لكسر الطابع المذهبي لهذا المحور، ولإضفاء شرعية على وجوده وفاعليته.
إلى جانب ذلك، فقد ثبت أن إيران قد حاولت توظيف ورقة حماس لتعزيز مكانتها الدولية، من خلال تقديم نفسها للغرب كطرف صاحب تأثير على الحركة، وأنه بالإمكان الاعتماد عليها في دفع الحركة نحو مواقف محددة.
استغلال ضائقة حماس
يدرك الإيرانيون حجم الضائقة التي تعيشها حركة حماس في أعقاب خسارتها موطئ قدمها في كل من مصر وسوريا، وانهيار رهاناتها على عوائد اتفاق المصالحة مع "حركة فتح" في التخلص من أعباء حكم القطاع، ناهيك عن مواجهتها التبعات الكارثية للحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة، وحاجتها الماسة إلى فتح آفاق جديدة يمكن أن تسهم في بلورة ظرف إقليمي أو دولي يسمح بالبدء في تنفيذ مشاريع إعادة الإعمار.
