حكاية فتاة أيام الحرب علي غزة

بقلم: هاني زهير مصبح

مخلفات حرب غزة على نفسي ، سأكون كاذبة لو قلت أنني كباقي الناس لم أشعر بالخوف و لكني شعرت به و بشكل لا يوصف لم أعد أعرف للطعام طعم ولا رائحة كنت أنام و الخوف يسيطر على كل شبر في جسدي حتى وصل بي الأمر بأني لم أعد أستطيع الجلوس على الأرض من شدة الآلام في ظهري و في كل مكان من جسمي ، كل رصاصة أو صاروخ أو قذيفة أسمعها كنت أقول سوف تصيبني قد أستيقظ في أي صباح وأجد نفسي في المستشفى و قد بتروا جزء من جسدي و أحياناً كنت أقول قد لا أستيقظ ، حتى صرت أقول لزوجي كل ليلة قبل نومي أنا أسامحك على كل شئ و لا أحمل في قلبي لك كره فهل تبادلني بالمثل ؟

كنت أخاف أن أموت و هناك شخص لم يسامحني كنت أخاف بشدة ، الحرب قربتني و زادت علاقتي بالله كثيراً ، بدأ عقلي يفكر كثيراً كيف سأقابل ربي ؟ فما أن يؤذن المؤذن حتى تجدني واقفة على المصلية كنت أخاف أن أتأخر دقيقة فأموت و تفوتني صلاة فكيف سأقابل ربي ؟ ماذا سأجيب ؟ كيف لا والحرب كانت على أشدها ؟ في بدايتها كنت تعرف ما يدور على ساحة المعركة من تلفاز و إنترنت بالرغم من قلة ساعات الوصل للكهرباء ولكن لا بأس ، بعدها انقطعت الكهرباء ثمانية أيام متواصلة ليلاً و نهاراً ، صرت كالمجنونة ، كنت أخشى أن أقف أمام بيتي فالطائرات " الزنانة" تعج في سماء غزة ، وما أدراك ما صوتها ليلاً و نهاراً متواصلة ناهيك عن صوت قصف البيوت القريبة منا و صوت المدفعية وصوت الاشتباكات ليلية ، مع المقاومة وإطلاق الرصاص و القنابل المضيئة هم لم يتركوا شيئاَ محرم أو غير محرم إلا واستخدموه ضدنا في غزة ، نسيت فبانقطاع الكهرباء لا ماء رجعنا لكل ما هو قديم من ناحية تنظيف الغسيل وصار زوجي يتمنى أن يشرب ماء مثلج كنا في فصل الصيف ، و ذهب الصيف و لم نشعر به و كذلك ذهب رمضان لم نعرف كيف وذهب العيد ، لم يعد للحياة طعم في بداية الحرب كنت أبكي بحرقة على ما أراه ، ومع اشتداد الحرب و كثرة ما أراه من مناظر مروعة و أفعال همجية ارتكبت بحق أطفالنا و شعبنا ، جفت دموعي صرت أشاهد المناظر و أجلس مثل التمثال ، لم أعد أجد كلمات تصف أو تعبر عما أراه ، هذه غزة الحبيبة ، فلما رأيت الأمة العربية تحتفل بالعيد صرت أقول يا ربي ألسنا أمة عربية واحدة ؟ كيف؟ لماذا؟ فنحن جسد واحد ، غزة جريحة يا عرب ، غزة تنزف يا عرب ، لم أعد أصدق ما أري ، لحظة من فضلكم هل أستطيع أن أضع منديل أسود و أربطه حول عينيي ، بصراحة لا أريد أن أرى واقعنا المرير كأمة عربية

الحل عندي الآن أن أبقى عيني مغمضتين ، فغزة من شدة ما تنزف يا عرب قد روت لكم أراضيكم القاحلة فأنبتت لكم شجركم أقولها و بصوت عال أرجوكم لا تعقدوا اجتماعاتكم وفرا على أنفسكم جهد الحديث والكلام الذي لا طعم له ، فاجتماعاتكم ما هي إلا لتشربوا من دماءنا بغزة ؟ أرجوكم أصمتوا نعم أصمتوا فصمتكم بالنسبة لي و لغزة صدقوني أجمل ما يمكن أن تقدموه لنا ،أصمتوا و شاهدوا كيف سنعيد لكم مجد الأمة العربية الذي ضيعتموه بالبذخ و الترف و الكره و الحقد والمؤامرات الحقيرة مع أعداء الأمة العربية .

أما الآن فجاء موعد صمتي أنا لكي أشاهد المقاومة الباسلة ماذا ستفعل وإلي أين نحن نبحر ومتى نتحرر .