منذ أن أقرت الأنظمة العربية بأن منظمة التحرير الفلسطينية (م.ت.ف) هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، وذلك في قمة الرباط العربية في العام 1974م، فقد سجل النضال الفلسطيني تقدما في الساحات الإقليمية والدولية، وأصبحت المنظمة في نسيجها وحراكها هي البوابة والنواة الأولى للدولة الفلسطينية المستقلة، والتي رسخت حركة فتح مبادئها على أن "المعركة فوق الأرض المحتلة"، وانتقلت المعركة بالفعل فوق الأرض المحتلة منذ توقيع اتفاق "أوسلو" التي قالت عنها القيادة الفلسطينية بأنها بداية الطريق وليس نهايته، وعانت القيادة الفلسطينية من معارضة بعض الأحزاب والقوى السياسية وحتى من بعض الدول العربية مثل سوريا، ولبنان، وليبيا، والعراق، وأثبتت السنوات اللاحقة أن القرار الفلسطيني بالانتقال إلى الأرض المحتلة "فلسطين" قرارا سليما ومهما، في ظل الظروف والأحداث والمتغيرات الكبرى التي سيطرت على بعض الدول العربية وخاصة تلك الدول التي عارضت أوسلو، ومنها سورية التي تعاني من حرب أهلية داخلية، وليبيا التي تحولت إلى ساحة حرب وانقسام وضياع سياسي، والعراق الذي لازال يعاني من الاحتلال الأمريكي والسيطرة على موارد النفط فيه والانقسام السياسي والطائفي فيه حتى اليوم.
إن من أفشل "أوسلو" هي العقلية الاحتلالية لحكام "إسرائيل" وقادته، والإدارات الأمريكية التي تناوب عليها الجمهوريون والديمقراطيون، فهؤلاء جميعا اعتقدوا أن حجم المعاناة الفلسطينية والحاجة إلى الاستقرار السياسي والحياتي، هو مدعاة لتقديم تنازلات نهائية بحيث يمنع ذلك قيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين، ولكن ما ظهر لاحقا أن الانتقال للأرض الفلسطينية والالتحام الجماهيري وتفجير انتفاضة الأقصى والمتغيرات العربية، واختلال التوازن الدولي والإقليمي، كل هذا أفشل مخططات الاحتلال وأظهر انفرادية الإدارة الأمريكية وانحيازها وعدم أهليتها الحقيقة للقيام بدور الوسيط النزيه في القضية الفلسطينية، بالتالي تحولت "اتفاقية أوسلو" إلى صخرة صماء لا يعاني منها الفلسطيني فقط بل كل الأطراف لازالت تعاني منها، وهذا ليس ذنب القيادة الفلسطينية، ولكنها السياسات والعجز الدولي في القيام بواجباته والازدواجية في التعامل مع القضايا الدولية التي استخدم في بعضها القوة المسلحة والتدخل السياسي المباشر وتغيير الأنظمة ، ولكن في حقنا الفلسطيني توقفت كل الشعارات وكل الآليات أمام بوابات الحل النهائي المشروع للقضية الفلسطينية مما يعني استمرار الصراع العربي الإسرائيلي، لأن الشعب الفلسطيني جزء من الأمة العربية، وبالتالي القضية الفلسطينية جزء من القضايا العربية وبل مركزها، ولهذا كان القرار الفلسطيني المستقل هو قرار لا تنازل عنه او فيه، وأن عدم التدخل في الشؤون العربية هو للحفاظ على الكينونة الفلسطينية والنسيج الذي بنيت عليه العلاقة مع الدول العربية.
إننا اليوم أمام منعطف خطير وهام جدا، وما ينتظر قضيتنا الفلسطينية يتوجب معه استعادة الوحدة الوطنية ووحدة المؤسسات الوطنية التي شكلت نواة للدولة الفلسطينية، وتوحيد كل الجهود لتطبيق كل ما يمكن من أجل ترسيخ المصالحة الفلسطينية والمجتمعية واستعادة الحضور الفلسطيني الموحد، لأننا شعب تحت الاحتلال أقر القانون الدولي بحقنا في استخدام الوسائل المشروعة كافة لتحرير واسترجاع أرضنا واستعادة حقوقنا، تلك الحقوق والأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني التي لا تسقط بالتقادم.