بداية يجب التأكيد على مسؤولية الأونروا عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين، وواجب البحث عن حل عادل لقضيتهم، مع ضمان حياة كريمة لهم حتى عودتهم إلى ديارهم الأصلية، وهذا الواجب الأساسي والسياسي لا تقدر عليه المؤسسة الدولية العاجزة بفعل قدراتها المحدودة وحسابات الدول الكبيرة المهيمنة، وهو حل بعيد الأمد دون رغبة حقيقية من المجتمع الدولي للفصل في القضية الفلسطينية، كما أن الأمر يحتاج جهد فلسطيني نضالي مكثف دون الغرق في تفاصيل الصراع الداخلي المقيت بالنظر لاستحقاقات القضية الوطنية التي أصبحت ثوابتها ثانوية، وأصبح الصراع على السلطة الوهمية وأموال المانحين، عناوين الانشغال اليومي.
الاونروا تصرف ما يصلها من المانحين، مع التحفظ على بعض أوجه الصرف في إدارة المؤسسة الأممية ورواتب موظفيها الكبار، لكنني أعتقد أن المسؤولية الوطنية تتطلب فتح ملفات مصاريف الحكومات الفلسطينية المتعاقبة، والفصائل التي تسرح وتمرح في كل الاتجاهات ما عدا هموم الناس، وكأنها ممالك لقادة لا تتغير عقولهم ولا وجوههم، الشفافية مطلوبة من الجميع حتى نستطيع أن نفتح عيوننا في وجه الأونروا.
ومع إقراري أن الأونروا مقصرة، وربما تحتاج الى تشكيل رقابة وطنية تتمتع بالحصانة الأخلاقية، فضلا عن الموضوعية والمهنية، لكن هل بإمكاننا وطنيا التحقيق في اخفاقات مشروع السلطة الوطنية برمته، وعن أوجه الصرف ومدى انسجام ذلك مع مشروع التحرر الوطني ومدى خدمتها لمسار التحرير، وماذا أعطت حكومات الانقسام وماذا أخذت، وماهي تفاصيل الموازنات وما حجم مصاريف الأمن مقارنة بالزراعة؟، وكم تبلغ ايرادات الجباية، وكذلك يجب أن تصل الرقابة إلى مؤسسات وشركات وجماعات "التمويل الخارجي المسيس والمشروط" سواء أوربي أو عربي أو اسلامي، إن الشمس لا تغطى بغربال الزيف والوهم.
إن اعلان المؤسسة الدولية عن وقف بعض مساعداتها بسبب عدم التزام المانحين يتطلب أولا اسناد ضاغط معها وليس ضدها وحرق مقراتها بطريقة همجية تفاقم من الأزمة وتؤكد مخاوف المانحين.
الجميع يعلم أن المانحين من الفرنجة "زهقوا" من البناء تحت تصرف الحروب المدمرة التي لم تؤدي الا لمزيد من التدمير الذاتي دون نتائج سياسية ووطنية حقيقية، وهذا أمر يحتاج نقاش عاقل لإعادة النظر في هذه "العنتريات" بكل وطنية وشجاعة، وبشكل موضوعي تردد المانحين له ما يبرره بحسابات السياسة في ظل عدم وجود حكومة فلسطينية مسئولة تقوم بمهامها اتجاه شعبها وتحاسب أو تساعد الأونروا في الضغط على المانحين بدلا من سياسة "الغرق في شبر مياه".
المسيرات المُسيرة والمتواصلة أمام أونروا غزة، حق مشروع للفضفضة والضغط ، لكنها لن تجبر روبرت سيري الذي يعلم أسرار مطبخنا السياسي، وبان كي مون المحكوم بحسابات وأزمات لا تنتهي، على القيام بما يريد الفلسطينيون الذين يرون عيوب العالم دون أن ينظروا لسوءاتهم العارية والمكشوفة.
ومن باب الجدل الافتراضي، بعد حرق الطفل الرضيع عز الدين الكفارنة في مركز ايواء تابع للأونروا، ومع اتفاق الجميع على تقصيرها في الحادث بعينه، هل يجرؤ احد على اتهام الوفد المفاوض أثناء وبعد الحرب، ومحاسبة وفد لم يتمكن من استثمار حرب كبيرة لصالح مطالب انسانية عادلة، كذلك يجب السؤال ماذا تمتلك المقاومة أمام استمرار الحصار وتوقف عملية اعادة الاعمار؟، هل تمتلك مسيرات واعلان يوم وطني للحصار وجعجاعات فقط، ألا يوجد مخارج وطنية تضغط بها القوى الفلسطينية المبعثرة، على غرار فلسفة رد حزب الله الذكي على استشهاد قادته.
الجميع مسؤول عن مأساة قطاع غزة، والكل عاجز، الا عن التراشق المهين للشهداء والمقدسات وتبادل الاتهامات، على الجميع أن يعلم أنه جزء من خيار "محلك سر"، وبطل مشاريع الانهاك الذاتي لصالح الاحتلال، لذلك توقفوا قبل أن تلاحقكم دماء الرضيع القادم، ولعنة الشباب الذي فقد مستقبله ورغبته في الحياة، ويشكك في ماضي أوصلنا الى هذا البؤس.
بقلم: عامر أبو شباب