من الواضح بأن هناك شلل وخلل كبير في المؤسسات القيادية الفلسطينية على مستوى المنظمة والسلطة،حيث يتم التلاعب بالمصير والقرار الوطني والقضية الفلسطينية من قبل حفنة من الأفراد،من خلف ظهر تلك المؤسسات،والتي أصبح دورها لا يتعدى دور المراقب او الشاجب والمستنكر،دون إتخاذ أية مواقف عملية لوقف حالة التدهور والإنهيار والعبث هذه،وكذلك هو حال الفصائل الفلسطينية،التي من الواضح ان جزء منها يخشى على وجوده ومصدر تمويله ورزقه،والجزء الاخر ازماته اكبر من أن تسمح له بإتخاذ إجراءات وتحركات عملية على الأرض،وحتى لا نكون متطرفين حاولت بعض القوى أن تتخذ وتقوم بتحركات على الأرض،ولكن تلك التحركات لم يجر المراكمة عليها.
الخلل القيادي إتضح بشكل واضح من خلال المشروع الفلسطيني الذي قدم في أواخر العام الماضي لمجلس الأمن الدولي،من اجل تحديد سقف زمني ينهي إحتلال "اسرائيل" للأراضي الفلسطينية المحتلة عام/1967،حيث قدم باللون الأزرق،وترك الباب مفتوحاً من اجل إجراء التعديلات عليه حذفاً وإضافة،لكي ينال رضى امريكا بطلب ورغبة اوروبية غربية،ولكي يصبح المشروع أقرب الى المشروع الفرنسي،ولم يبق منه فلسطينياً سوى الأسم،وحتى هذا القرار بصيغته المعدله لم نستطع ان نمرره او نخضعه للتصويت في مجلس الأمن،وهذا عكس فشلاً دبلوماسياً وسياسياً، والقوى التي رفضت المشروع وكذلك الهيئات كاللجنة التنفيذية للمنظمة واللحنة المركزية لحركة فتح،إكتفت ببيانات الشجب والإستنكار،ولتمر القضية وكان شيئا لم يحصل.واليوم جرت عملية توقيع اتفاقية لشراء الغاز من دولة الإحتلال،وهؤلاء الموقعين،بلغة عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عباس زكي " هم مجموعة من السماسرة والمنتفعين"،واذا كان هذا توصيف عباس زكي لهؤلاء،فهل هؤلاء قاموا بالتوقع على اتفاقية شراء الغاز من دولة الإحتلال لمدة عشرين عاماً بإستيراد(4.75) مليارمتر مكعب من الغاز وبسعر(1.2) ملياردولار بدون موافقة أصحاب القرار في السلطة،ام ان هناك من هم في قمة الهرم السلطوي شركاء في تلك الصفقة التي تضرب المشروع الوطني الفلسطيني في العمق ..؟؟وهذا في المنظور السياسي لا نستطيع توصيفه سوى بأنه مقايضة لمجموعة سماسرة ومنتفعين،تسهيلات اقتصادية وإحتكارات لمجموعة لا يعنيها المشروع الوطني من بعيد او قريب،يعنيها فقط الإستفادة من هذا المشروع الإستثماري،وجود سلطة اوسلو من اجل تنمية شركاتها وإحتكاراتها وخدمة مصالحها.
قبل فترة ليست بالبعيدة كانت هناك لقاءات ومؤتمرات وتحركات في رام الله من أجل دراسة كيفية الرد على القرصنة الإسرائيلية بالسطو على اموال الضرائب الفلسطينية،وتلك اللقاءات او التحركات لم تات في سياق او إطار خطة او إستراتيجية وطنية شاملة لمقاطعة المنتوجات والبضائع الإسرائيلية ذات البديل الوطني اولاً،أو فك علاقة التبعية مع الإقتصاد الإسرائيلي، بل جاءت كخطوة تكتيكية الهدف منها الضغط على حكومة الإحتلال للإفراج عن اموال الضرائب الفلسطينية،وكذلك تلك الخطوة ترجماتها وتطبيقاتها على الأرض ضعيفة،كون من هم مالكون لوكالات التوزيع والتسويق للشركات الإسرائيلية المستهدفة وفي المقدمة منها "تنوفا،شتراوس،اوسم وغيرها)،وكلاؤها،هم من النافذين والمحميين من أعلى قمة الهرم السلطوي،فهناك وكيل هو رئيس بلدية لمدينة في الوسط وآخر وزير سابق وغيرهم.
تماما كما هو الحال في التوجه الى مجلس الأمن الدولي،من اجل إستصدار قرار ينهي وجود الإحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام/1967،كان هناك من يريده في إطار الضغط وتحسين الشروط للعودة الى مسار التفاوض مجدداً،وهذا يعكس حالة التخبط والإرباك في الساحة الفلسطينية،وغياب الرؤيا والإستراتيجية الموحدة،والشلل والعجز في المؤسسات القيادية منظمة وسلطة.
خمسه من الفصائل الفلسطينية اليسارية رفضت اتفاقية الغاز،وقالت بانها تمت من خلف ظهر الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية وبأن هذه الإتفاقية " تمتد لعشرين عاما قادمة في استهتار واضح بالجهود التي تم التوافق عليها وطنيا والتي تدعو للتوجه إلى المجتمع الدولي من أجل تحديد سقف زمني لإنهاء الاحتلال بما لا يتجاوز العامين وليس العشرين عاما، هذا إلى جانب أن الاتفاقية وفق نصوصها تفسح المجال أمام الشركات الإسرائيلية المصدرة للغاز لتصبح مساهمة في محطة توليد كهرباء جنين، لتوليد الطاقة لمناطق شمال الضفة الغربية. وهي تؤدي إلى تعميق ارتباط الاقتصاد الفلسطيني من موقع التبعية بالاقتصاد الإسرائيلي بينما المطلوب تعزيز مقومات استقلاله".
لا أرى بأن من وقع على تلك الإتفاقية بلغة عباس زكي هم شلة من السماسرة والمنتفعين،معزولين عن قمة الهرم السلطوي،فإسرائيل لا توقع اتفاقية غاز بهذا الحجم وهذه الضخامة،مع مجموعة (أن جي اوز)،بل هذا التوقيع تم بموافقة الحكومة،والفصائل التي رفضت وتدعو الى إلغاء اتفاقية الغاز،يجب أن لا تكتفي بالبيان كرفع عتب او تسجيل موقف،فهذه الإتفاقية المخزية والمذلة،تصيب المشروع الوطني الفلسطيني في العمق،والحكومة التي وقعت يجب العمل على إسقاطها،مخزي وعار للشعب الفلسطيني،أن ترهن حكومة مستقبله بدولة الإحتلال،والمسألة ليس في إتفاقية الغاز،بل هناك نهج سياسي يواصل توجيه الإهانات للمشروع الوطني الفلسطيني،ويجعل هذا المشروع فريسة لكل السماسرة والمرتزقة والمنتفعين،وبدون ان تجري محاسبة جادة لمن يوجهون اللطمات المتتالية للمشروع الوطني الفلسطيني،فنحن سنشهد المزيد من الإنهيارات في قمة الهرم السياسي او القرار الفلسطيني،منظمة وسلطة واحزاب.
صفقة الغاز جزء من فساد متراكم،ملفات تتراكم عند ما يسمى بهيئة مراقبة الفساد لعدد من رموز السلطة وقياداتها ووزرائها السابقين واللاحقين،لا يجري فتحها،بل يجري التستر عليها وترحيلها،واموال عامة تهدر بملايين ومئات الملايين من الشواقل،تهريبات ضريبية لنافذين،بإمكانها ان تحل ازمة الرواتب لوحدها،والجماهير والأحزاب والفصائل،بما فيها فتح فقط تقف موقف المتفرج والناقد،والمطلوب إستراتيجية فلسطينية،تطهر المجتمع والسلطة من كل دعاة الفساد والفاسدين والمتورطين فيه،والذين لا يرون في السلطة سوى مشروع إستثماري يخدم مصالحهم وإمتيازاتهم،والعمل على صياغة بديل وطني موحد في كل المجالات والميادين سياسياً ،إقتصادياً،إجتماعيا،ثقافياً وتعليميا...الخ.
بقلم/ راسم عبيدات