جاءتني هذه الرسالة من أحد القراء الكرام يقول فيها :
إستاذي العزيز شكرا على المقالات التي نورتنا في كثير من المواقف ولكن أريد منكم شرحا واضحا لدولة القانون ودولة الفقه سمعت من إحدى علماء الشيعة يتهم الدولة الدينية بأنها ستقتل وتقصي كثيرا من شرائح المجتمع أما دولة القانون دولة حاضنة للجميع ولجهلي بهذه الإمور أردت آن آخذ فكركم وشكرا
إن أول خطوة يجب أن يخطوها الإنسان في هذه الحياة !!!
هو الإقرار إما أنه يعبد الله .. أو يعبد الشيطان!!!
إما أنه يطيع أوامر الله .. أو يطيع أوامر الشيطان .. ولا ثالث لهما !!!
والذي يطيع أوامر العبيد .. هو حتماً يطيع أوامر الشيطان .. لأنهم أولياؤه !!!
أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَـٰبَنِىٓ ءَادَمَ .. أَن لَّا تَعْبُدُوا۟ ٱلشَّيْطَـٰنَ ۖ .. إِنَّهُۥ لَكُمْ عَدُوٌّۭ مُّبِينٌۭ يس آية 60
وَقَالَ ٱلشَّيْطَـٰنُ لَمَّا قُضِىَ ٱلْأَمْرُ إِنَّ ٱللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ ٱلْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِىَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَـٰنٍ إِلَّآ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِى إبراهيم آية 22
وبناء عليه :
فالذي يدخل في دين الله .. وهو الإسلام .. وينطق بشهادة التوحيد !!!
أصبح ملزما بأن يعترف بأن الله هو الحاكم .. وأن يخضع .. ويستسلم لحكمه .. ولا خيار له .. في أن يستبدله بحاكم آخر !!!
وإلا يحدث جرح في إقراره .. وخلل في إعترافه !!!
كالذي يتقدم إلى بلد ما للحصول على جنسيته .. ويقر .. ويوقع على الإلتزام بقوانينه !!!
فإذا تمرد على قوانينه !!!
أصبح من حق الدولة .. أن تقوم بسحب الجنسية منه !!!
وبما أن جنسية المسلم .. هي عقيدته .. ودينه !!!
وقد اعترف بالقبول بها .. وأقر بالوحدانية لله !!!
فهو مُلزم بتطبيق حكم الله وشريعته .. وإلا ستُسحب منه الجنسية .. ويتحول إلى عبد آبق !!!
هذه قضية منطقية .. عقلية .. علمية .. بدهية .. ثابتة .. لا جدال فيها .. ولا مراء .. ولا خلاف بين العقلاء من البشر !!!
ولا يجادل فيها إلا المتكبرون .. المتغطرسون .. الحمقى !!!
كما قال تعالى :
إِنَّ ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِىٓ ءَايَـٰتِ ٱللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَـٰنٍ أَتَىٰهُمْ ۙ إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌۭ مَّا هُم بِبَـٰلِغِيهِ ۚ غافر آية 56
أما الفرق بين حكم العبيد .. وحكم رب العبيد !!!
فهو واضح لكل ذي عقل .. ولا يخفى إلا على المهابيل .. والجهلاء .. والذين طُبع على قلوبهم ، فهم لا يفقهون !!!
مثال بسيط .. يمكن أن يدركه .. حتى الطفل الصغير السوي !!!
هل يماري أحد .. في أن الذي صنع سيارة ما .. هو الأقدر على معرفة أسرارها .. وتفاصيل أجزائها .. وكيفية تشغيلها .. وصيانتها أكثر .. من أي إنسان آخر .. ولو كان يحمل أعلى الشهادات ، في صناعة السيارات ؟؟؟
بالتأكيد الصانع هو أدرى .. وأخبر بصناعته من الآخرين !!!
وبالتالي تعليماته هي الجديرة فقط بالإتباع !!!
إذا كان هذا المثل البسيط .. وهو صنع سيارة .. يحتم علينا تنفيذ تعليمات صانعها للمحافظة عليها !!!
فكيف برب العالمين .. صانع الكون والإنسان .. والذي يعلم السر وأخفى .. وما توسوس به نفسه !!!
وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِۦ نَفْسُهُۥ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ ق آية 16
أليس هو الجدير الوحيد .. بأن يكون قانونه .. وشريعته .. وتعليماته هي المطبقة في الأرض؟؟؟!!!
لأنه ببساطة متناهية :
أولاً : أنه هو الوحيد .. السميع .. العليم .. البصير .. بأحوال عبيده منذ خلقهم أول مرة . . وإلى أن يبعثهم مرة ثانية !!!
وهو الخبير باحتياجاتهم .. ورغباتهم .. والقادر على تلبيتها بشكل كامل .. دون جور .. ولا ظلم !!!
وبالعدل .. والمساواة بينهم جميعاً دون أي تمييز !!!
حتى أن الذي يريد الدنيا .. والتمتع فيها .. يعطيه حظه منها كاملاً غير منقوص .. ولا يظلم أحداً !!!
مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَوٰةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَـٰلَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ هود آية 15
وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًۭا لِّلْعِبَادِ غافر آية 31
وثانياً : لأنه ما خلقهم إلا لعبادته !!!
وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ الذاريات آية 56
وهذا هو حقه .. لا يستطيع أي مخلوق عاقل أن يجادله في ذلك .. أو يعترض عليه !!!
لأنه هو المتفضل .. وهو المنعم .. وهو الرازق !!!
ٱللَّهُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَ ٰلِكُم مِّن شَىْءٍۢ ۚ سُبْحَـٰنَهُۥ وَتَعَـٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ الروم آية 40
ثالثاً : هو الوحيد القادر على وضع تشريعات .. وقوانين تتماشى .. وتتلاءم .. وتنسجم مع الفطرة البشرية ومتطلباتها .. ورغباتها الثابتة .. ثبات هذا الكون .. منذ أن خلق الإنسان أول مرة .. وإلى يوم القيامة !!! والذي يدعي أن حاجيات الإنسان .. تتغير من زمن إلى آخر ..وبالتالي يجب تغيير القوانين الإلهية .. بحجة أنها أصبحت غير مناسبة في هذا القرن !!!
فهو كذاب أفاك .. لا يعرف شيئاً !!!
إن الذي يتغير هو فقط صور .. ووسائل تنفيذ الحاجيات البشرية !!!
وليس الرغبات المكنونة في نفس الإنسان منذ خُلق من تراب !!!
فالإنسان القديم يحب الطعام .. والتمتع بالنساء .. والمال .. والتعلم .. والسفر .. والشهوات .. والرفاهية .. والراحة .. وسواها !!!
زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ ٱلشَّهَوَ ٰتِ مِنَ ٱلنِّسَآءِ وَٱلْبَنِينَ وَٱلْقَنَـٰطِيرِ ٱلْمُقَنطَرَةِ مِنَ ٱلذَّهَبِ وَٱلْفِضَّةِ وَٱلْخَيْلِ ٱلْمُسَوَّمَةِ وَٱلْأَنْعَـٰمِ وَٱلْحَرْثِ ۗ آل عمران آية 14
والإنسان الحديث يحب نفس الرغبات السابقة .. ولكن طرق الإستحواذ عليها .. هي التي تغيرت من زمن إلى زمن آخر .. وستتغير في المستقيل !!!
وأبسط مثال على ذلك :
نقل الأخبار والرسائل كان بطريق الحمام الزاجل .. ثم تطور إلى أن أصبح بالهاتف المحمول .. والقنوات الفضائية .. والشبكات العنكبوتية !!!
رابعاً : وبما أن الإنسان جاهل .. وعاجز عن معرفة ما توسوس به نفس أقرب الناس إليه .. وهي زوجته !!
وَمَآ أُوتِيتُم مِّنَ ٱلْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًۭا الإسراء آية 85
وَحَمَلَهَا ٱلْإِنسَـٰنُ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ ظَلُومًۭا جَهُولًۭا الأحزاب آية 72
وبما أن الإنسان ذو هوى .. والشيطان يرافقه منذ ولادته .. إلى يوم موته .. يغويه .. ويغريه .. ويزين له الباطل .. ويحرضه عليه !!!
إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلْأَنفُسُ ۖ النجم آية 23
قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَـٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلًۭا الإسراء آية 62
فإنه ليس بكفؤ .. وليس بأهلٍ .. لأن يضع التشريعات .. والقوانين ليحكم بها بني جنسه !!!
فهو أقل شأنا .. وأضعف عقلاً .. من أن يتبوأ هذه المكانة السامقة !!!
وهي إحقاق الحق بين البشر .. التي هي من اختصاص رب البشر !!!
فَٱلْحُكْمُ لِلَّهِ ٱلْعَلِىِّ ٱلْكَبِيرِ غافر آية 12
فالذي يتجاوز هذا الحاكم العادل .. العالم بالأسرار .. وما تكنه الضمائر .. سيقع في الظلم حتماً !!!
مثله كمثل المشعوذ .. الدجال يدعي الطب .. وهو ليس بطبيب .. ويعالج الناس بالتجريب .. وقد يصيب قليلاً .. ولكنه يخطئ كثيراً .. مسبباً لهم الشقاء والتعاسة .. والآلام !!!
مع أنه سبحانه أراد للبشرية ألا تشقى .. حينما أنزل لها القرآن
مَآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ ٱلْقُرْءَانَ لِتَشْقَىٰٓ ﴿٢﴾ إِلَّا تَذْكِرَةًۭ لِّمَن يَخْشَىٰ ﴿٣﴾ طه
إلا أن البشرية بإصرارها على نبذ القرآن والتحاكم إليه .. تعيش الآن في شقاء .. ما بعده شقاء !!!
تصديقاً لقول الله تعالى :
وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُۥ مَعِيشَةًۭ ضَنكًۭا طه آية 124
الجمعة أول جماد الأول 1436
20 شباط 2015
د. موفق مصطفى السباعي