عفوا سيادة الرئيس: المجلس المركزي لرسم السياسات وتفعيل دوره، وليس للخطابات ؟؟؟!!!

بقلم: طلعت الصفدي

تلقيت بالأمس ، دعوة لحضور اجتماع المجلس المركزي في دورته السابعة والعشرين برام الله، يومي الأربعاء والخميس 4-5/3/2015 ،وكنت قد تشرفت سابقا بحضور اجتماعات المجلس المركزي كعضو مركزي،أو مراقب ،وكنت متابعا باهتمام بالغ جلساته عن قرب التي تستغرق يوما، وبعض يوم على أكثر تقدير،وهي المرات التي سمح الاحتلال الإسرائيلي لي ولرفاقي ،بالتوجه إلى الضفة الغربية ،بسبب منعه التواصل مع شعبنا ورفاقنا وقيادتنا بحجج أمنية أو غير. وعلى الرغم من معاناة السفر، والشحططة والتفتيش الاستفزازي، فإننا نحن ممثلو فصائل منظمة التحرير الفلسطينية المقيمون في غزة، سعداء بالسماح لنا بالقدوم إلى الضفة الغربية، على الرغم من قلقنا الدائم لمنع بعضنا لأسباب أمنية كما يزعمون، كما نبقى حذرين في انتظار سماح الأجهزة الأمنية لحركة حماس لنا أو لبعضنا بالسفر،وهي التي تتحكم بالمرور إلى معبر بيت حانون ( ايرز ).
ومن غزة إلى رام الله، طريق المسمية اللطرون، مرورا بالمدن والقرى والبلدات والخربات، يستعيد بعضنا ذكرياته عن مسقط رأسه في هذه المدينة أو القرية والخربة تلك، أو ما سمعه عنها وما قرأه، هنا كان الفلاحون يمتلكون ويزرعون أراضيهم، وهنا كانت قراهم وبلداتهم وخربهم ديرسنيد /بيت جرجا/ بربره / دمره/هربيا / نعليا /الخصاص /ألجية / المجدل /جولس /السوافير/ القسطينة /المسمية الصغيرة والكبيرة/ ومئات مئات القرى قد مسحها هولاكو الصهيوني عن سطح الأرض ليخفي جريمته كقرى عمواس ويالو وبيت نوبا،مقيما على أنقاضها المستعمرات والمستوطنات، أو حولها إلى أحراش أو مراقص وكباريهات. هنا استبسل المزارعون الفلسطينيون في الدفاع عن قريتهم، وفي هذه القرية باعت النسوة المصاغ لتشتري السلاح للدفاع عن الأرض والعرض والمقدسات، هنا خاض الثوار معارك بطولية، وعلى هذه التلة كان الشهداء البواسل، والقرية التي تتعرض للهجوم تنجدها القرى المجاورة، هذه القرية وتلك تعرضت لمجازر دموية ارتكبتها عصابات شترن والهاجناة واتسل ، لا فرق بين مدني وفلاح، مسيحي ومسلم، امرأة ورجل ...الذكريات الحاضرة تستدعي الذكريات المنسية، ومع ذلك فلا زال الإصرار والأمل بحق شعبنا الفلسطيني في العودة إلى دياره التي هجر منها قسرا وإرهابا، على الرغم من الوقائع التي يكرسها الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية لمنع إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة ،وملاحقة الإنسان الفلسطيني لإجباره على التبعية والاستسلام والخنوع، وننسى مع هذه الذكريات المحفوظة عن ظهر قلب هموم ومتاعب الطريق، برغم الغصة والألم الذي يلفنا جميعا.
إن رؤية مدينة سياحية عريقة كرام الله، العاصمة السياسية المؤقتة، ومركز صناعة القرار السياسي، ومقر قيادات الشعب الفلسطيني،لا حصانة لها من المداهمة ،تصبح وتمسي هي وكل المدن، والقرى والبلدات الفلسطينية على إرهاب غلاة المستوطنين، وجنود الاحتلال تنتهك الحق الإنساني الطبيعي والتاريخي والحضاري للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتهدد وجوده على أرضه عبر ممارسة سياسة الاقتلاع وإلاحلال، وتنكرها للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، وتهربها من تنفيذ قرارات الشرعية الدولية بدعم وإسناد غير محدود من قائدة النظام الرأسمالي الامبريالي العالمي الولايات المتحدة الأمريكية.
يتلاقى أعضاء المجلس المركزي بعد غياب قسري، يتبادلون الرأي والمشورة والمعرفة من أجل الخلاص من ألاحتلال الاستيطاني،على طريق إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية في حدود الرابع من حزيران عام 1967 ، خالية من المستوطنين والمستوطنات، وحقهم في العودة لديارهم التي هجروا منها طبقا للقرار ألأممي 194 .... يلتقي رفاق الدرب الطويل بخبراتهم، وتجاربهم الكفاحية في كافة المواقع والساحات وفي بلاد الغربة، يطاردهم الزمن، يحفر تجاعيده على جباههم ووجوههم وأجسادهم.... فقد بعضهم بصره وشاخت قوى بعضهم، وانحنت ظهور بعضهم ...فمنهم من خاض المعارك منذ سني شبابه لأكثر من خمسين عاما، ويشكو بعضهم كيف جرى تغييبهم عن مسرح الأحداث بشكل عمد، وإهمال تجاربهم العسكرية والسياسية، وإزاحتهم من المعركة الوطنية، وإحالتهم على التقاعد المبكر تحت حجج واهية وقصر النظر، كأن هذه المرحلة ليست بحاجة إليهم ... عجزت منظمة التحرير عن تجديد شبابها، ورفدها بدماء جديدة، كأن شعار المرحلة : المفاوضات هي الخيار الاستراتيجي، والحياة مفاوضات، مما اضعف بنية منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وأقعدها عن وضع إستراتيجية سياسية وكفاحية للشعب الفلسطيني، وتراجع دورها القيادي ،أدت لطغيان دور السلطة الوطنية على دورها السياسي والكفاحي .
يعقد المجلس المركزي دورته السابعة والعشرين في بداية الأسبوع الأول من مارس 2015 بمدينة رام الله ،وبعد الافتتاح والتوافق على جدول الأعمال ،يلقي الأخ الرئيس محمود عباس رئيس دولة فلسطين خطابه التاريخي ،ويقدم تقرير اللجنة التنفيذية ،وينتهي خطابه بالتصفيق الحاد ....ترفع الجلسة الافتتاحية تعقبها جلسات خطابية للمندوبين ،والمسارعين للحديث .... يجري نقاش جدول الأعمال بدءا من التحرك السياسي وتطوير حملات الاعتراف العالمي بالدولة الفلسطينية ،وسبل مواجهة السياسات الإسرائيلية خاصة في مجال الاستيطان ،والأوضاع في مدينة القدس ،وآليات استكمال تنفيذ المصالحة ،ومعيقات إعادة الاعمار في القطاع ،وتحديد طبيعة العلاقات مع إسرائيل والتنسيق الأمني ومراجعة العلاقة الاقتصادية معها في ضوء مصادرتها أموال الضرائب الفلسطينية ،وما يتعلق بالأسرى في سجون الاحتلال وكيفية تفعيل دور المجلس المركزي ووضع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا ولبنان ،وتفعيل المقاومة الشعبية .
قليلون يمتلكون رؤية وإستراتيجية واضحة لمواجهة استحقاقات الواقع، قليليون يتحدثون بموضوعية وبعمق في قضايا النقاش،منهم من يجتر الماضي، ويحلق في سماء الخيال، ويرفع شعارات نارية، ويخطئ الجميع، القادة يخاطبون القادة، خطابات دون نقاش وحوار، مع تناقص وتراجع عدد الحضور ،والمستمعين من أعضاء المجلس المركزي، إما بسبب الملل والضجر من تكرار الخطب أو السعي لقضاء حاجاتهم،ولا يتوقف رنين الموبايلات بموسيقاها المختلفة ....الخ ويغلب على الخطابات عبارات مثل : من الواجب، من المفروض، علينا أن، نحذر من،كنا قد حذرنا.... الخ وبعضهم يحاول أن يعتبر غزة إقليم متمرد ،لا يدرك خطورة هذا التوجه ،وغير مدرك أن أهالي غزة ضجروا من الجميع لكنهم يؤكدون أن لا دولة في غزة ،ولا دولة فلسطينية بدون غزة ... وتغيب الخطط والبرامج والمهمات لمواجهة كافة القضايا الحساسة والهامة ،وكيفية متابعتها، وفي صلبها مواجهة الواقع المأساوي والكارثي الذي يعيشه مواطنو غزة، وخطورة الانقسام ،وتفعيل المصالحة التي تم التوقيع عليها بالقاهرة والشاطئ ،قليل يتحدث عن هموم الفقراء والمحتاجين والجماهير الشعبية من العمال والمزارعين والشبيبة والمرأة اللذين يئنون تحت ضربات البطالة،وغياب الأمن ،وويلات تصاعد الصراعات بين أبناء الوطن الواحد بين فتح وحماس، وبين فتح وفتح، وبين حماس وحماس، وبين حماس والمنظمة، وبين أجهزة الأمن والمتظاهرين ،وبين العائلة والعشيرة، وبين الشعب وقياداته السياسية ،تترسخ الفئوية وتتعزز مراكز النفوذ للأجهزة الأمنية والأمن الداخلي، وسطوتها على المال والناس بلا محاسبة أو قانون،وغياب القانون ،والتشريعي ،وانتهاكها لحقوق الإنسان الفلسطيني، وتعطيل الحركات الاحتجاجية الشبابية والجماهيرية، ومحاولات البعض احتوائها، وتراخي قوى اليسار وتردده وغيابه عن الشارع، وتراجع خطير لدور النقابات العمالية والمهنية، وتحولها إلى نقابات السلطان ،تديرها الأجهزة الأمنية أو تعطلها لمنعها من ممارسة دورها الحقيقي في نضالها الاقتصادي والسياسي والفكري ،وتحويلها إلى جثه هامدة ،وتغيب الانتخابات ،وأي انتخابات ،هل للمجلس التشريعي الخاص بالسلطة الوطنية، أم انتخابات للدولة الفلسطينية بعد الاعتراف بدولة فلسطين عضوا مراقبا في الأمم المتحدة ،ومعركة ترسيم حدودها ؟؟؟ يبدو أن الحراك الشبابي والجماهيري في العالم العربي ، لم يولد حالة من التمرد الحقيقي على الواقع ألاحتلالي والصراعات الداخلية، مما يؤكد تكلس القيادة الفلسطينية وأطرها السياسية المختلفة، ونزوعها للتفرد في اتخاذ القرارات المصيرية دون مشاركة حقيقية،مما أدى إلى عزوف الجماهير عن دورها في العمل الوطني.
وربما تغيب في هذه الدورة مراجعة القرارات السابقة، وتقييم الفترة بين الاجتماعين، وتراجع النقد البناء لتصويب المسيرة، ويتحول المجتمعون إلى مستمعين غير فاعلين. هل يمكن تغيير نمط هذه الاجتماعات، وتفعيل طاقات وخبرات أعضاء المجلس المركزي عبر توزيعهم لمجموعات ولجان لمناقشة كافة القضايا المحددة في جدول الأعمال والمعروفة مسبقا؟؟؟ لماذا لا يشارك الجميع في صناعة القرار، ويتحمل المسؤولية الوطنية والتاريخية لتنفيذه ؟؟؟؟ نحن بحاجة إلى تفعيل المجلس الوطني الفلسطيني، وتجديد هيئاته المختلفة، بما فيها المجلس المركزي واللجنة التنفيذية، وإخراجه من حالة الجمود، وإعادة تشكيله من جديد، ورفده بدماء جديدة شابة قادرة على قيادة المرحلة المعقدة، والشروع بتكريم أولئك المناضلين الذين هرموا ليتحولوا إلى حكماء للشعب يمكن العودة إليهم والاستنارة برؤيتهم الثاقبة، ولتكن الخطوة الجدية الأولى دعوة الهيئة القيادية العليا التي تم التوافق عليها في اتفاق القاهرة 2005، لوضع العربة الفلسطينية على سكة التوافق الوطني،ووضع إستراتيجية وطنية سياسية وكفاحية بهدف مواجهة الاحتلال الإسرائيلي ،وتغيير أدوات الصراع مع الاحتلال.

طلعت ألصفدي غزة – فلسطين
الثلاثاء 24/2/2015
[email protected]