الإسلام دين العدل ودين الوسطية

بقلم: علي ابوحبله

إن حقيقة ما يجري في عالمنا العربي هدفه تشويه صورة الإسلام ، وان هدف دعم الحركات التكفيرية الارهابيه هو ترهيب الناس بدينهم الحنيف دين الإسلام دين العدل بين المسلمين ، إن القتل والتدمير والإرهاب الممارس من قبل من يدعون الإسلام ويرفعون لواء الجهاد هم ليسوا من الإسلام ، لان الإسلام في جوهره وتعاليمه ينص على العدل والرحمة والموعظة الحسنه ، وقد خاطب الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بقول الله تعالى (في الاية 159 إلى الآية 160( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِن يَنصُرْكُمُ اللّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكِّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) وان الله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز ( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون ( 110 ) )

وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ،وقال جويبر عن الضحاك : هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم خاصة الرواة والدعاة الذين أمر الله المسلمين بطاعتهم . وروي عن عمر بن الخطاب قال : كنتم خير أمة أخرجت للناس تكون لأولنا ولا تكون لآخرنا . أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنا أبو محمد عبد الرحمن بن أبي شريح ، أنا أبو القاسم البغوي ، أنا علي بن الجعد ، أخبرنا شعبة عن أبي حمزة : سمعت زهدم بن مضرب عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " . قال عمران : لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد قرنه مرتين أو ثلاثا وقال : إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون ويشهدون ولا يستشهدون وينذرون ولا يوفون ويظهر فيهم السمن " . وبهذا الإسناد عن علي بن الجعد أخبرنا شعبة وأبو معاوية عن الأعمش عن ذكوان عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد [ ص: 90 ] أحدهم ولا نصيفه " .

وقال الآخرون : هم جميع المؤمنين من هذه الأمة . إن حقيقة ما يواجه ألامه هو تشويه للإسلام وتدمير لمقومات الامه الاسلاميه ضمن ما يسعى المتامرين لتحقيقه من ترهيب يستهدف المسلمين في دينهم وعقيدتهم ، وصدق رسولنا الكريم في قوله صلى الله عليه وسلم مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره " . ان الاسلام دين وسطي وهو دين العالم كافة وفيه قوله تعالى قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ، اخي المسلم اعلم أن في هذه الآية مسائل : المسألة الأولى : الكاف في "كذلك" كاف التشبيه ، والمشبه به أي شيء هو ؟ وفيه وجوه :

أحدها : أنه راجع إلى معنى يهدي ، أي كما أنعمنا عليكم بالهداية ، كذلك أنعمنا عليكم بأن جعلناكم أمة وسطا .

وثانيها : قول أبي مسلم تقريره كما هديناكم إلى قبلة هي أوسط القبل وكذلك جعلناكم أمة وسطا .

وثالثها : أنه عائد إلى ما تقدم من قوله في حق إبراهيم عليه السلام : ( ولقد اصطفيناه في الدنيا ) [البقرة : 130] أي فكما اصطفيناه في الدنيا فكذلك جعلناكم أمة وسطا .

ورابعها : يحتمل عندي أن يكون التقدير : ( ولله المشرق والمغرب ) فهذه الجهات بعد استوائها في كونها ملكا لله وملكا له ، خص بعضها بمزيد التشريف والتكريم بأن جعله قبلة فضلا منه وإحسانا فكذلك العباد كلهم مشتركون في العبودية إلا أنه خص هذه الأمة بمزيد الفضل والعبادة منه وإحسانا لا وجوبا .

وخامسها : أنه قد يذكر ضمير الشيء وإن لم يكن المضمر مذكورا إذا كان المضمر مشهورا معروفا كقوله تعالى : ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) [القدر : 1] ثم من المشهور المعروف عند كل أحد أنه سبحانه هو القادر على إعزاز من شاء وإذلال من شاء فقوله : ( وكذلك جعلناكم ) أي ومثل ذلك الجعل العجيب الذي لا يقدر عليه أحد سواه جعلناكم أمة وسطا .

المسألة الثانية : اعلم أنه إذا كان الوسط اسما حركت الوسط كقوله : ( أمة وسطا ) والظرف مخفف تقول : جلست وسط القوم ، واختلفوا فيتفسير الوسط وذكروا أمورا .

أحدها : أن الوسط هو العدل [ ص: 89 ] والدليل عليه الآية والخبر والشعر والنقل والمعنى ، أما الآية فقوله تعالى : ( قال أوسطهم ) [القلم : 28] أي أعدلهم ، وأما الخبر فما روى القفال عن الثوري عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أمة وسطا ، قال : عدلا " وقال عليه الصلاة والسلام : " خير الأمور أوسطها " أي أعدلها ، وقيل : كان النبي صلى الله عليه وسلم أوسط قريش نسبا . وقال عليه الصلاة والسلام : " عليكم بالنمط الأوسط " وأما الشعر فقول زهير :

هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي العظائم

وأما النقل فقال الجوهري في "الصحاح" : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) أي عدلا وهو الذي قاله الأخفش والخليل وقطرب ، وأما المعنى فمن وجوه :

أحدها : أن الوسط حقيقة في البعد عن الطرفين ولا شك أن طرفي الإفراط والتفريط رديئان فالمتوسط في الأخلاق يكون بعيدا عن الطرفين فكان معتدلا فاضلا .

وثانيها : إنما سمي العدل وسطا لأنه لا يميل إلى أحد الخصمين ، والعدل هو المعتدل الذي لا يميل إلى أحد الطرفين .

وثالثها : لا شك أن المراد بقوله : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) طريقة المدح لهم لأنه لا يجوز أن يذكر الله تعالى وصفا ويجعله كالعلة في أن جعلهم شهودا له ثم يعطف على ذلك شهادة الرسول إلا وذلك مدح فثبت أن المراد بقوله : ( وسطا ) ما يتعلق بالمدح في باب الدين ، ولا يجوز أن يمدح الله الشهود حال حكمه عليهم بكونهم شهودا إلا بكونهم عدولا ، فوجب أن يكون المراد في الوسط العدالة .

ورابعها : أن أعدل بقاع الشيء وسطه ، لأن حكمه مع سائر أطرافه على سواء وعلى اعتدال ، والأطراف يتسارع إليها الخلل والفساد والأواسط محمية محوطة فلما صح ذلك في الوسط صار كأنه عبارة عن المعتدل الذي لا يميل إلى جهة دون جهة .

القول الثاني : أن الوسط من كل شيء خياره قالوا : وهذا التفسير أولى من الأول لوجوه :

الأول : أن لفظ الوسط يستعمل في الجمادات قال صاحب "الكشاف" : اكتريت جملا من أعرابي بمكة للحج فقال : أعطني من سطا تهنة أراد من خيار الدنانير ووصف العدالة لا يوجد في الجمادات فكان هذا التفسير أولى .

الثاني : أنه مطابق لقوله تعالى : ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) [آل عمران : 110] .

القول الثالث : أن الرجل إذا قال : فلان أوسطنا نسبا فالمعنى أنه أكثر فضلا وهذا وسط فيهم كواسطة القلادة ، وأصل هذا أن الأتباع يحوشون الرئيس فهو في وسطهم وهم حوله فقيل وسط لهذا المعنى .

القول الرابع : يجوز أن يكونوا وسطا على معنى أنهم متوسطون في الدين بين المفرط والمفرط والغالي والمقصر في الأشياء لأنهم لم يغلوا كما غلت النصارى فجعلوا ابنا وإلها ولا قصروا كتقصير اليهود في قتل الأنبياء وتبديل الكتب وغير ذلك مما قصروا فيه .

و أن هذه الأقوال متقاربة غير متنافية هذا هو حقيقة الاسلام وجوهره حقيقته العدل بين الناس وعدم الظلم وان هؤلاء الذين يسيئون للاسلام هم ليسوا من الاسلام وهم مرتزقه دخلاء على الاسلام وجدوا لتشويه صورة الاسلام لتدعيم اولئك الذين هدفوا من وراء دعمهم للارهاب تشويه الاسلام خدمة لاغراضهم ودعما لممالك هالكه ومتهالكه ، ولو كان هناك حقيقة من ينتصر للاسلام وعدله وسماحته لما سمح للمرتزقة من تشويه الاسلام ونشر الفكر الوهابي التكفيري ولما سمح لتوفيق عكاشه وامثاله ليتجرأوا على دين الاسلام بالقول ان الاسلام هو أسوء ديانه على الارض لكن هم اسوء الناس على هذه الارض لانهم يعيثوا فسادا وافسادا وان عقابهم عند الله كبير وان الاسلام بعدله وسماحته سينتصر وكما قال الرسول الكريم محمد صلى صلى الله عليه وسلم بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء "قيل ومن الغرباء يا رسو الله " قال " الذين يصلحون في الناس بعد فسادهم".

بقلم/ المحامي علي أبو حبله