الانتخابات الإسرائيلية فلسطينيا… خيار بين السيئ والأسوأ

بقلم: علي الصالح

انتخابات الكنيست الإسرائيلي الـ20 باتت على الأبواب، ولا يفصلنا عنها سوى 3 أيام.. ولا تزال استطلاعات الرأي تعكس إلى حد ما توازنا في حصص الطرفين الرئيسيين في هذه الانتخابات، "الليكود" ممثلا لمعسكر اليمين و"العمل ـ الحركة" ممثلا  لـ"يسار ـ وسط" ويطلقون عليه انتخابيا "المعسكر الصهيوني".
غير أن النتيجة النهائية قد تحمل بين طياتها فوز معسكر اليمين بجميع أطرافه، بأغلبية بسيطة جداً في عدد مقاعد الكنيست الـ120، تسمح له بتشكيل الحكومة المقبلة..
وتثير هذه التوقعات مخاوف العديد من المتابعين لهذه الانتخابات، وفي مقدمتهم الفلسطينيون والأوروبيون وحتى الإدارة الأمريكية، كل لأسبابه، وجميعهم يتمنى إلى حد العلن خسارة اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو وفوز ما يســــمى بـ"المعسكر الصهيوني" بقيادة يتسحاق هيرتسوغ – تسيبي ليفني. وهم يرون في عودة اليمين المتطرف إلى الحكم، كارثة على بقايا ما يسمى مسار التسوية، كما يرون في فوز اليمين أيضا إحراجا لهم، خاصة بعد التصريحات التي صدرت عن أقطاب هذا المعسكر، ويسحب البساط الذي يعطيهم المجال للدفاع عن إسرائيل وسياستها العدوانية
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، وسأحاول الرد عليه من خلال المعطيات وتجربة الفلسطينيين في ظل حكمي اليمين واليسار في إسرائيل على مدى سنوات ما بعد اتفاق أوسلو عام 1993، هو هل حقا أن عودة اليمين المتطرف إلى الحكم في إسرائيل سيئة للفلسطينيين ومسيرة التسوية، أم أن صعود "المعسكر الصهيوني" إلى الحكم سيكون الأسوأ.
الحقيقة التي لا جدال فيها أن إسرائيل الآن كما الفلسطينيين في مأزق حقيقي. ففي ظل هذه الحكومة التي تجمع بين أقطاب التطرف والتشدد والتعصب الديني والقومي والعنصري، بدءا بنتنياهو الذي كشر عن أنيابه وكشف عن وجهه أخيرا، ولعق ما قاله حول قبوله بفكرة الدولتين، في خطاب جامعة بار إيلان في يونيو/حزيران 2009، إلى افيغدور ليبرمان رئيس "إسرائيل بيتنا" الذي يتفنن في التصريحات العدائية لعرب الداخل الفلسطيني، ويريد قطع رؤوس المواطنين العرب الذين يعادون إسرائيل على الطريقة الداعشية، إلى نفتالي بنيت الذي يتفاخر بقتل العرب ويدعو إلى ضم كل الأراضي الفلسطينية وما تنطوي عليه هذه الدعوة من تهجير للفلسطينيين، في ظل هذه الحكومة، تكشّف الوجه الحقيقي لإسرائيل وظهر على حقيقته، ليس فلسطينيا فهو مكشوف، بل معرى تماماً، أو هذا ما أتمناه ربما، وأصبحت تشكل عبئا ثقيلا حتى على أشد أنصارها وحلفائها في الغرب.
وهذا المعسكر بقيادة حكومة نتنياهو بعنصريته وعنجهيته وتطرفه وتعصبه وعدوانيته وتحديه حتى لأقرب الحلفاء، فتح عيون العالم، لا سيما في الدول الاوروبية وحتى الولايات المتحدة والمعني هنا، المواطن العادي وليس الرياء الرسمي، على الحقيقة العنصرية لهذا الكيان المدلل رسميا، الذي يريد كل شيء، كما وضعته في موضع انتقاد المواطن العادي الذي تجاوز عقدة الخوف من وصفه باللاسامية، وهي السلاح الجاهز الذي تشهره إسرائيل في وجه كل من كان يتجرأ على توجيه انتقاد لها وسياستها العدوانية واحتلالها.. هذا السلاح أصبح لا يخيف أحدا.
وسياسات هذا المعسكر سلطت الأضواء على سياساتها تجاه الشعب الفلسطيني، لا سيما بعد المجازر التي ارتكبتها في قطاع غزة. وبفضل هذه السياسات فرضت القضية الفلسطينية نفسها على الاجندات الانتخابية في أوروبا، وكان ذلك هدفا ظل صعب المنال لعقود طويلة.
وأذكر في هذا السياق ما سمعته وأنا أتابع كلمات النواب في مجلس العموم البريطاني، وهم يعددون الأسباب التي دفعتهم للتصويت لصالح مشروع قرار يدعو الحكومة إلى الاعتراف بدولة فلسطين. ومعظم هؤلاء النواب، إن لم يكن كلهم، أجمعوا على أن الاتصالات الهاتفية انهالت عليهم بمئات الآلاف من الناخبين في دوائرهم الانتخابية، تطالبهم في التصويت لمشروع القرار الذي فاز بأغلبية ساحقة.
و"كرت المسبحة" كما يقول المثل، فلحقت بمجلس العموم، برلمانات فرنسا وإسبانيا وإيرلندا والبرتغال وبلجيكا ولوكسمبورغ والاتحاد الاوروبي وإيطاليا، وبالطبع لا ننسى السويد التي سبقت الجميع واعترفت رسميا بدولة فلسطين، ضاربة عرض الحائط بالوقاحة الإسرائيلية والتهديدات الأمريكية
وفي عهد حكومة نتنياهو وائتلافه اليميني العنصري الديني المتعصب، ازدادت حركة المقاطعة لاسرائيل "BDS" في أوروبا، شعبية لتخترق الولايات الشرقية من الولايات المتحدة معقل التأييد لإسرائيل، بانضمام أكبر اتحاد طلابي في إحدى جامعات كاليفورنيا إلى حملة المقاطعة، وكذلك جامعة في شيكاغو. ونجحت حركة المقاطعة في عرقلة صادرات شركة سلاح إسرائيلية "ايليث" تعمل في بريطانيا وكشف طبيعتها. وأذكر هنا قرار معهد الدراسات الافريقية والشرقية في لندن، الذي اتخذ طلابه ومحاضروه وعماله قرارا يدعو لمقاطعة إسرائيل أكاديميا، وكذلك انضمام اكثر من 700 فنان بين مخرج وممثل الى قائمة المقاطعين
والشيء بالشيء يذكر، فبينما تحقق حركة مقاطعة إسرائيل الانتصارات، يزداد تعامل شركات ودول عربية مع مؤسسات أمنية على وجه الخصوص في دولة الاحتلال، وآخرها ما كشف أخيرا عن تعامل دولة الإمارات المتحدة مع شركة أمنية اسرائيلية، وتعامل دول خليجية ومصر والعراق وتونس والمغرب والجزائر وليبيا وحتى فلسطين مع شركة أمنية أخرى باسم "ماكس".
وهذا غيض من فيض… 
وباختصار فان هذه الحكومة ومعسكر اليمين أتيا على العصر الذهبي الذي عاشته إسرائيل عالميا منذ نشأتها عام 1948، ووضعها على طريق التراجع والانحسار.

المعسكر الصهيوني

ومهمة هذا المعسكر في حال فوزه، وهذا احتمال ليس مستبعدا، ستتمحور حول وقف هذا الانحسار… فهو الوجه المقبول دوليا. أفليس هو من حافظ على صورة إسرائيل الديمقراطية المزيفة طيلة سنواته حكمه التي انتهت بصعود اليمين في عام 2001.
وسيعمل هذا المعسكر على تحسين صورة إسرائيل، بالكلام المعسول والقفازات الحريرية، بينما يعمل على تطبيق سياسات اليمين في ما يخص الفلسطينيين، المتطابقة مع سياسته وان اختلفت بالشكل والتغليف والتسويق فقط.. وهذا ما علمتنا إياه تجارب سنوات ما بعد اتفاق أوسلو
ستختفي في عهده التهديدات العنصرية ضد العرب في إسرائيل، وسيعمل على مد الجسور مع السلطة الفلسطينية ليعيدها مجددا إلى دوامة المفاوضات، من دون تقدم كما عهدنا، اي تنازل. صحيح ان هيرتسوغ: ردد يوم الثلاثاء الماضي مصطلح "لا شريك سلام فلسطينيا" الذي ابتدعه زعيم حزب العمل الأسبق إيهود باراك، بعد فشله في فرض تنازلات على الرئيس الراحل ياسر عرفات في موضوع القدس، لكن هذا يؤخذ في سياق الحملة الانتخابية لكسب الأصوات.
 
ولن استبعد ان ينفذ هيرتسوغ وعده بإلقاء كلمة في المجلس التشريعي الفلسطيني في إطار استراتيجية استعادة ثقة الغرب، لا سيما أوروبا بإسرائيل، ومن شأنه ان يستعيد الكثير من الاحترام لها، ولن يكون هذا خطوة للاعتراف بدولة فلسطين، وإنما خطوة لاستعادة تعاطف العالم.. ألم يكن "العمل" هو من قاد الحملة في أوروبا مستغلا بقايا نفوذه للحيلولة دون اعتراف برلمانتها بدولة فلسطين؟
ولأن هذا المقال لا يتسع لكل ما يمكن أن يقال عن سياسات حزب العمل المخادعة، سأكتفي فقط في ذكر السياسات التي لا تختلف بالمضمون عن الليكود وإسرائيل بيتنا والبيت اليهودي وشاس وغيرها من الأحزاب العنصرية.

التسوية السياسية:

ثمة إجماع بين المحللين، لا سيما الإسرائيليين، على أن المعسكر الصهيوني ليس لديه حلول للصراع وسيعمل فقط اذا ما وصل الى الحكم على إدارة الأزمة والمماطلة فيها.

القدس:
موقف حزب العمل كبقية الأحزاب الاخرى وهو ان القدس هي عاصمة إسرائيل الموحدة، ولن يتجاوز في كرمه إن أراد، ما طرحــــه باراك في مفاوضات كامب ديفيد في يوليو/تمـــوز 2000… للفلسطينيين السيادة على ما فوق الأرض في الأقصـــى والسيادة لإسرائيل على ما تحته.. وتجنب هيرتسوغ الرد على سؤال في الأسبوع الماضي حول القـــدس بالقول، "قبل الحديث والسؤال عن القــدس وموقفنا منها، فإنه من غير الواضح وجود طرف فلسطيني لديه الاستعداد للجلوس معنا".
الاستيطان
-
يريد الإبقاء على الكتل الاستيطانية الكبيرة وإن أبدى الاستعداد لإزالة المستوطنات الصغيرة المكلفة من النواحي الأمنية والاقتصادية والدعائية… وهذا هو موقف الليكود وغيره من الأحزاب باستثناء البيت اليهودي الاستيطاني.
قطاع غزة وحماس
موقف المعسكر الصهــــيوني هـــو موقف اليمين الذي يربط بين رفع الحصار عن القطاع بنزع سلاح حماس وبقية فصائل المقاومة.. وكان شديد الانتقاد للحكومة خلال العدوان على القطاع لعدم القضاء على حماس.
وأختم بالقول إن الصراع مع الفلسطينيين وإمكانية تسويته غاب عن البرامج الانتخابية لدى كل الأحزاب.
فأيهما السيئ وأيهما الأسوأ؟

٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"

علي الصالح