قراءة سياسية في مشهد التقارب الحمساوي الإيراني (الحلقة الثالثة):

بقلم: د. مصطفى اللداوي

تناولنا في مقال سابق على حلقتين تحت عنوان "قراءة سياسية في مشهد التقارب الحمساوي الإيراني" بوادر ومؤشرات هذا التقارب وانعكاس ذلك على علاقات حماس المحلية والعربية والدولية. وسنتناول في هذه الحلقة الدوافع الإيرانية وراء هذه العلاقة. حيث يجدر بالذكر أن الجمهورية الإيرانية اليوم قد خرجت من رحم إيران الصفوية التي تنسب إلى الشيخ صفي الدين، ولكن من أقام الدولة الصفوية هو الشاه إسماعيل الصفوي في بداية القرن السادس عشر. وتم اتخاذ المذهب الشيعي مذهباً للدولة. حيث كان واضحاً أن هذه الدولة قد أقيمت بالأساس على أساس قومي من أجل إحياء الأمبراطورية الفارسية. وهذه القومية كانت تنافس القومية العربية وتحقد وتكيد لها بسبب قيام العرب المسلمين بالقضاء على الأمبراطورية الفارسية على يد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ثم الخليفة الثالث عثمان بن عفان. وبرزت المعارضة الفارسية بقيام أبي لؤلؤة المجوسي باغتيال الخليفة عمر بن الخطاب. واستمرت المعارضة الفارسية فيما بعرف بالتاريخ الإسلامي بظاهرة الشعوبية. ولذلك يمكن القول إن الدولة الصفوية قد قامت على أسس قومية أولاً ثم مذهبية ثانياً. وتقوم الدعوة الصفوية على تصدير الفكر المذهبي لدول الجوار وهو أساس من أسس الفكر والمذهب الصفوي الشيعي ولذلك قام الصفويون بتصدير فكرهم للعراق والأناضول، ونجحوا اتباعها الذين عرفوا " بالقزل باش"، ذوي الرؤوس الحمراء، نسبة إلى عمامتهم الحمراء التي كانت تطوى أثني عشر طية دلالة على الإمامة الأثنى عشرية، في القيام بثورات في جنوب وشرق الأناضول ضد الدولة العثمانية السنية مما دفع السلطان بايزيد الثاني على قتالهم سنة 1508م، ولكنه لم يواجههم كما ينبغي مما دفع بابنه سليم الأول إلى الانقلاب عليه، واستولى على الحكم بدعم من الجيش الإنكشاري، وتم هزيمة الصفويين في معركة جالديران سنة 1514م، ودخل عاصمتهم تبريز. ولكن السلطان سليم الأول لم يقض على الدولة الصفوية حيث انسحب من تبريز مما أعطى للدولة الصفوية فرصة استرداد أنفاسها مرة أخرى. وبقي الصراع مستمرا بين الدولتين. وكانت العراق ساحة من ساحات الصراع حيث حاول الصفويون استردادها من العثمانيين في أكثر من فترة يعود أخرها إلى النصف الأول من القرن الثامن عشر. حيث قام الصفويون بمذابح ضد السنة وعلمائهم في العراق، كما قاموا بمذابح رهيبة ضد السنة في إيران لإجبارهم على اعتناق المذهب الشيعي. وهنا يجدر القول إنه عند تكون الدولة الصفوية كان السنة حتى في إيران أكثر من الشيعة ولكن اختلف الأمر مع استمرار موجات الإرهاب الشيعي ضد السنة خلال حكم الدولة الصفوية مما جعل المذهب الشيعي يغلب على السكان. ولا تزال الأقلية السنية في إيران تعامل معاملة سيئة ويتم محاصرتها في جميع مناحي حياتها.
ولذلك فإن جمهورية إيران الإسلامية تنطلق في التعامل مع محيطها من خلال عاملين هما:
- الفكر السياسي القومي الإمبراطوري الفارسي الذي يهدف إلى السيطرة على المحيط وذلك ضمن نرجسية استرداد الإمبراطورية الفارسية التي كانت حدودها تصل للبحر المتوسط. والفكر القومي يشكل مكون هام من مكونات الشخصية الإيرانية سواء على صعيد الفرد أو الفكر الجمعي. فقد قام الشاه رضا بهلوي باحتفال مهيب في سنة 1972م احتفالاً بأحد أعياد إيران القديمة أنفق عليه أموال طائلة، وتفوق بذلك على الخديوي إسماعيل في حفل افتتاح قناة السويس سنة 1869م. وتجلى ذلك في تصريحات مستشار الرئيس الإيراني لشؤون الأقليات علي يونسي بتاريخ 13/3/2015م حيث قال: "إن بغداد هي عاصمة إيران العظمى". وهو هنا يعبر عن فكر يقطن العقل الإيراني الفردي والجمعي.
- الفكر السياسي المذهبي القائم على تصدير الفكر الشيعي للمحيط في حالة تنافسية قوية مع المذهب السني حيث تهدف إيران إلى التفوق على المذهب السني من أجل تزعم العالم الإسلامي. ولذلك تقوم بضخ الأموال في العديد من البلاد العربية من خلال مؤسسات وجمعيات من أجل تشييع السنة، وإقامة الحسينيات. فهناك تقارير إعلامية عن وجود نصف مليون متشيع في مصر، كما ترد تقارير عن حالات تشيع في غزة في الجنوب والشمال.
ولذلك وفي تمازج بين الفكر الإمبراطوري القومي والفكر المذهب الشيعي تقيم إيران علاقاتها مع الغير ومن ضمنها حركة حماس. فالقضية الفلسطينية تعد القضية المركزية في العالم العربي وحتى الإسلامي. وبالتالي ترغب إيران أن تلعب بهذه الورقة السياسية التي كما قلنا تحتل نصيب الأسد في مجريات الحالة السياسية العربية والإسلامية بل والإقليمية. وتريد توظيف هذه الورقة في تمدد فكرها السياسي الإمبراطوري والمذهبي الديني. فهي قد نجحت الآن في مد أذرعها في المشرق العربي من خلال حزب الله في لبنان الذي يشكل القوة العسكرية الكبرى هناك، كما أن النظام السوري العلوي يعد حليف قوي لها. وهي تمتلك الآن ذراع على البحر الأحمر وباب المندب من خلال الحوثيين الذين نجحوا في السيطرة على شمال اليمن، واحتلوا العاصمة صنعاء. كما أن لإيران أذرع مذهبية شيعية في شرق السعودية وفي البحرين والكويت. وفوق ذلك هي الآن من تتحكم في مقاليد الأمور في جنوب ووسط العراق وفي العاصمة بغداد بفعل السيطرة الشيعية المدعومة من الولايات المتحدة على مقاليد الحكم في العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين. كما أنها تحتل الحزر العربية الإماراتية في الخليج العربي وتتحكم في حركة الملاحة في مضيق هرمز.
ولو تأملنا المشهد السياسي اليومي لوجدنا أن إيران تشكل قوة إقليمية كبرى تتفوق على المحيط العربي، بعد سقوط النظام العراقي، وتراجع دور النظام المصري وانكفائه على ذاته بسبب الإشكالات الداخلية. وهي ترغب بتوظيف حركة حماس ضمن أوراقها السياسية في الساحة العربية أو الإقليمية بخلق حالة توازن في المحيط الإقليمي من خلال عدم ترك الساحة لتركيا في العلاقة مع حركة حماس. كما أن إيران تريد توظيف علاقتها مع حركتي حماس والجهاد الإسلامي في ملفاتها الإقليمية لاسيما الملف النووي. حيث ترغب بإبراز كونها لاعب أساسي في الشرق الأوسط وأن من يسعى للضغط عليها سوف يجد نفسه في مواجهة أذرع إيران السياسية والعسكرية. كما أنها تريد توظيف الورقة الحمساوية ضد إسرائيل. حيث تحاول إسرائيل أن تحشد المجتمع الدولي ضد إيران وملفها النووي. ويشكل هذا الملف أحد الملفات السياسية الساخنة على طاولة رئيس وزراء إسرائيل بيبي نتنياهو. وتريد إيران أن توصل لإسرائيل رسائل قوية بأن أي تصعيد سياسي وعسكري مع إيران سوف يشكل خطراً عليها فأذرع إيران تحاصر إسرائيل من الشمال بحزب الله ومن الجنوب بحركتي حماس والجهاد الإسلامي. وأنها ممكن أن تشكل خطر على ملاحة إسرائيل في البحر الأحمر ومضيق باب المندب.

أ. د. خالد محمد صافي