انتهت القمة العربية التي انعقدت في ظروف عصيبة، تطغى عليها مخاوف ذات طابع استراتيجي، بالنظر إلى خطورة الأبعاد التي تهدد قلب الجزيرة العربية وأطرافها، فضلاً عمّا تنطوي عليه من تهديدات شاملة الأبعاد بالنسبة لعدد آخر من الدول العربية في مقدمتها مصر.
الحدث اليمني الذي هيمن على القمة، دون أن يتمكن جدول الأعمال الطويل من إخفاء حقيقة أن هذا الحدث هو الملف الرئيس الذي يقضُّ مضاجع ومواجع الزعماء العرب، هذا الحدث، لا ينتمي بالضبط إلى الأحداث التي تتصل بالحراكات الداخلية محصورة النتائج بالحدود القطرية.
ينظر الزعماء العرب للتغيير الذي وقع في اليمن وأطاح بالشرعية التي انبثقت عن تنفيذ المبادرة الخليجية، على أنه انتصار كبير واستراتيجي للسياسة الإيرانية التي تتطلع نحو إقامة أو استعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، على أنقاض الأنظمة التي تتربع على عرش النفط.
القمة وإن كان انعقادها دورياً، لكنها كانت أقرب إلى المصادقة على قرار تم اتخاذه مسبقاً، حين بادرت السعودية لإقامة تحالف عربي إسلامي، بدأ العمل العسكري ضد الحوثيين، وأنصارهم وبالتالي، كان قرار القمة العربية وكأنه تحصيل حاصل.
بإمكان دول الخليج أن تفعل ذلك، وأن تفرض أجندتها وقراراتها على القمة العربية، فالحريق قد أخذ يمتد إلى حدودها ومصالحها وأنظمتها واستقرارها، وهي خصوصاً في ظل غياب الدول العربية المركزية التي تعرضت للتهشيم والإضعاف، تملك الإمكانيات المادية والمعنوية التي يحتاجها من تبقّى من العرب.
ربما يقول قائل إن التدخل العربي العسكري في اليمن، على النحو الذي يقع، إنما يبعد مخاطر تدخل أجنبي، بما في ذلك تدخل إسرائيلي، بدعوى أن سقوط اليمن في يد السياسة الإيرانية من شأنه أن يهدد الأمن الاستراتيجي لعدد من الدول، ويهدد، أيضاً، إمدادات، وخطوط النفط، ولكن هذا السلوك لا يشير إلى نضج الأمة العربية وأنظمتها وزعمائها لطبيعة المخاطر الاستراتيجية التي تهدد الأمن القومي العربي الشامل.
التهديدات الاستراتيجية للأمن القومي العربي، بما في ذلك استقرار الحدود الجيوسياسية للقطريات العربية، تحتاج إلى نظرة شاملة أوسع، تلاحظ أن الأعداء الرئيسيين للأمة العربية وشعوبها هم الولايات المتحدة وإسرائيل، ما يعني أن الربط بين القضية الفلسطينية التي يكرر الكل العربي أنها القضية المركزية للأمة العربية، بالقضايا والمصالح القطرية، هذا الربط، شكلي ولن يدرك العرب مدى أهميته ومركزيته، إلاّ بعد أن تنهار استراتيجياتهم المبنية على المصالح القطرية فقط.
بعد أربع سنوات من بدء الحراك الشعبي في عديد الدول العربية لم يصل الزعماء العرب إلى حقيقة أن الولايات المتحدة، وحلفاءها يخططون لتقسيم الدول العربية، تحت عنوان الشرق الأوسط الكبير والفوضى الخلاّقة، وبأن ما يتعرض له العراق وسورية وليبيا واليمن ومصر وتونس، لن يتوقف دون أن يمر على الأغلبية الساحقة من الدول العربية بما في ذلك معظم دول الخليج.
كان لا بد من الانتباه لأبعاد ما يجري في المنطقة، لصياغة سياسات واستراتيجيات تجاه البلدان التي تتعرض لاضطراب كبير، بحيث تمنع وقوع هذه الدول فريسة للمخططات الأميركية التمزيقية.
السياسة القائمة على الانتقام والثأر، وردود الفعل لا يمكن أن تنتج استراتيجيات وطنية أو قومية سليمة، وكان يفترض أن تمارس الأنظمة القطرية السياسة باتباع أن ترضى للآخرين ما ترتضيه لنفسها.
ما تقوم به القمة وما ينتظر الترويكا القيادية ليس سوى استدراك لقصور فادح في وعي أولويات الأمن القومي والقطري العربي وكان من المفروض، أن يكون التدخل في اليمن بطرق سياسية قبل أن يقع المحظور أما وان ما وقع قد وقع، فإن المعركة في اليمن وعليها ستكون طويلة ومكلفة، ومع استمرار الوقت، ستدخل عناصر أخرى قد تؤدي إلى اندلاع صراع واشتباك مفتوح مع إيران دون أن نستبعد، تدخلات إسرائيلية ودولية مباشرة أو غير مباشرة.
سيكتشف العرب إذاً، أن أمنهم القومي الاستراتيجي، يبدأ بتحرير علاقاتهم مع الولايات المتحدة، وبتركيز قواهم، على مجابهة المخاطر والأطماع، الأميركية والإسرائيلية، هكذا تكون القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى وهكذا يبدؤون في وعي أسباب الدفاع عن المشروع القومي العربي المشترك بعد أن فشلت السياسات القطرية في الدفاع عن مجتمعاتها.
والحال أن الاستراتيجية العربية الجماعية سواء كان للدفاع عن ما تبقى أو للنهوض بآمال الأمة، لا بد وأن تتخذ طابعاً وقائياً وأحياناً هجومياً غير أن ذلك لا يكون إلاّ بوجود أنظمة تحقق مصالح مجتمعاتها في الحرية والعدالة الاجتماعية والتقدم، والسؤال: هل كانت القمة العربية الاستثنائية في ظروف انعقادها وفي أولوياتها بمستوى المخاطر التي تواجه الأمة العربية أو الأجسام السليمة منها؟